q
لا يمكن الحديث عن انتخابات حقيقية في ظل مجتمعات تعيش تحت الحكم الدكتاتوري، لأنهم يسلبون بصورة مباشرة او مخفية روح الانتخابات المتمثلة بحرية الترشح وحرية الاختيار من قبل المرشح والناخب، وهما ركنان اساسيان في نجاح تمثيل الانتخابات للشعب في المجتمعات الاستشارية (الديمقراطية)، وقد قسمها المرجع...

لا يمكن الحديث عن انتخابات حقيقية في ظل مجتمعات تعيش تحت الحكم الدكتاتوري، لأنهم يسلبون بصورة مباشرة او مخفية روح الانتخابات المتمثلة بحرية الترشح وحرية الاختيار من قبل المرشح والناخب، وهما ركنان اساسيان في نجاح تمثيل الانتخابات للشعب في المجتمعات الاستشارية (الديمقراطية)، وقد قسمها المرجع الراحل السيد محمد الشيرازي الى ثلاثة أصناف:

1. الأنظمة الحرة: تجري الانتخابات بعيداً عن التزوير وبصور قانونية إلى حد ما.

2. الأنظمة نصف الحرة: يتم ترشيد المعركة الانتخابية بواسطة ضوابط.

3. الأنظمة الديكتاتورية: ليست هناك انتخابات، وإذا ما جرت انتخابات فإنهـا تكون عادة انتخابات مزورة وغير حقيقية، يقودها الحاكم الديكتاتور بسبب الإرهاب والسجون والإعدام.

طبعا ينظر الى الصنف الأول كنموذج نظام سياسي ناجح ومستقر ويلبي اغلب تطلعات الشعب، وهو النموذج الذي يقوم على مبادئ الشورى وحرية الاختيار التي حث واصّل لها الإسلام كدعامة أساسية من دعامات منع الاستبداد والاستئثار في الحكم او الرأي والتي تأتي عن طريق الانتخابات الحرة والنزيهة، ولا تقتصر حدودها عند السياسية بل تتعدها الى جميع مفاصل الحياة، وكما يوضحها السيد الشيرازي (رحمه الله) بالقول: "يجب أن يكون الحاكم منتخبا بانتخابات حرة، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام "أن يختاروا" وهذا هو المتعارف عليه الآن في البلاد الديمقراطية، ولذا نرى لزوم إجراء الانتخابات في إدارة كل شيء حتى في معمل أو شركة صغيرة أو ما شابه ذلك، فانه يشمله قوله سبحانه "وأمرهم شورى بينهم"، لان الشورى إنما هي نتيجة الانتخابات، أو أن الانتخابات هي نتيجتها".

اما النموذج الدكتاتوري فعواقبه وخيمه وكارثية في نهاية المطاف، فدولة الظلم ساعة مهما طال بها الزمان، وعوامل سقوطها تكون في الغالب عوامل داخلية تعجل بسقوطها، خصوصا مع اتساع الهوة بين الحاكم والشعب نتيجة للتفرد بالحكم والانفراد بالرأي بدلا من تطبيق مبدأ الشورى في الحكم: "إن عدم تطبيق الشورى سيجعل الفاصلة بين الحاكم والمحكومين شاسعة وكبيرة، فيأخذ كل طرف بقذف الطرف الآخر، وهنا يبدأ الصراع، فيأخذ الحاكم الـذي يسمي نفسه بالإسلامي بمهاجمة المسلمين ويقذفهم بمختلف أنحـاء التهم، ابتداء مـن أنهم ضد الثورة أو ضد الحاكم أو عملاء للاستعمار والأجنبي، وانتهاء بأنهم رجعيون خرافيون، وأنهم كسالى عاطلون، إلى غير ذلك من التهم والافتراءات".

ان المجتمعات التي تقوم على الاستشارية هي مجتمعات حية، وهو ما كانت عليه المجتمعات في ظل الإسلام وخصوصا في أيام حكم رسول محمد (صل الله عليه واله وسلم) وحكم امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام)، لأنها مجتمعات ببساطة مارست حقوقها واحترمت واجباتها ضمن الحكم الاستشاري الذي لا يفرض شيئا عليها تحت تأثير القوة او التهديد او العنف والاستبداد، وقد أدرك المواطنون في تلك الدولة طبيعة هذا النظام الإسلامي نتيجة لارتفاع الوعي والتوعية المستمرة من قبل الحاكم بضرورة فهم حقوقهم وعدم التنازل عنها لان البديل سيكون الاستبداد، وهو ما وقع فعلا بعد ان تنازل الفرد عن حقوقه امام المستبد اختياريا او اجباريا.

وقد فهم الغرب هذا المعنى ليطوره لاحقا من خلال أفكاره عن الحرية والاستشارية ونظام الحكم وليثور ضد الظلم والاستبداد، سواء اكان باسم الدين او الدنيا، وينجح في خلق النموذج الأول في الحكم، وقد أشار اليها المرجع الراحل (رحمه الله) في قوله: "وكان علينا أن نـقف عند تاريخ الغرب الـذي ابتلي بحكام مستبدين سواء باسم الدين كما هو في حكام الكنيسة، أو باسم الدنيا كما كان في الملوك والدوقات، وكانت أوضاع الإمارات الأوربية تتقهقر من سيئ إلى أسوأ، حتى ألَّف عقلاء الغرب عشرين ألف نوع من الكتب التوعوية، كما قرأت في إحدى النشرات، وقاموا بتوزيع هذه الملايين من الكتب على الناس، وقد أدت هذه الكتب إلى إيقاظ الناس وتنبيههم إلى أن المشكلة التي يعانون منها سببها الحكام المستبدون، وأن الخلاص لا يتحقق إلا بتوزيع السلطة، وكانت الحصيلة انتصار الغرب على مشكلاته وارتفاعه فوق الحضيض، حتى أنه أصبح سيداً ليس على نفسه بل على العالم بأسره، ونحن هنا لا ندعي أن الغرب قد وصل إلى حد الكمال، لأن الكمال في الإسلام، إلا أننا لابد أن نقر بأن الغرب لما حاول تطبيق الشورى، إلى حد ما، ارتفع عن ذلك الحضيض إلى هذا المكان المرتفع الذي وصله".

وقد نجحت المجتمعات الاستشارية في اختيار وتحقيق نظام سياسي واقتصادي مستقر وحر والمحافظة عليه وفق معادلة تقوم على عاملين مهمين هما:

اولا. البرلمان

ثانيا. الأحزاب

مع التأكيد على وجود أنظمة أخرى كفلت لمجتمعاتها الاستشارية (الديمقراطية) ونجحت في ذلك أيضا، لكن اختيار النظام البرلماني تم على أساس ان النظام السياسي في العراق هو نظام برلماني أيضا.

اولا. البرلمان

وقد مالت معظم المجتمعات الاستشارية الى النظام البرلماني لأسباب منها:

1. منع الدكتاتورية او الانفراد بالحكم.

2. تمثيل مختلف شرائح المجتمع من خلال البرلمان (النائب ممثل للشعب).

3. دورها في تشريع القوانين ورقابة أداء الحكومة.

وقد لخص المرجع الراحل (رحمه الله) البدايات في تأسيس البرلمانات بالقول: "في البلدان التي تعتبر اليوم من دول العالم الحر، استحدث البرلمان في البداية من أجل تحديد وتحجيم السلطة الديكتاتورية المطلقة للحاكم، ولغرض تحديد نفقات ومصروفات المؤسسات الحكومية والـتي يتم تأمينها من الضرائب المستوفاة من الناس، وقد استطاعت المجالس البرلمانية بعد استحداثها وبدء نشاطاتها أن تحصل على مزايا لصالحها في مقابل مصادقتها على اللوائح المالية للحكومات، وبذلك تمكنت بالتدريج من إحداث إصلاحات في مستوى متطلبات البلاد، وذلك في شكل قوانين جرت المصادقة عليها من جانبها، وتولت بالتدريج مسؤوليـة التقنين والرقابة على الحكومة، حتى تبلورت في صورة البرلمانات القائمة في هذا اليوم".

ثانيا. الأحزاب

تغليب الرأي العام ضروري بين الأحزاب التي ترغب في الوصول الى البرلمان او للحكم (السلطة التشريعية والتنفيذية)، بل ان احترام هذا الرأي سيكون مطلب أكثر الحاحا بين الأحزاب نفسها كما يرى سماحة المرجع الراحل السيد محمد الشيرازي لأنه سيؤدي الى استقرار النظام ونجاحه: "لقد ثبتت بالتجربة أن النظام البرلماني فـي بلاد ما سيكون ثابتاً ومستقراً إذا كانت هناك أحزاب نشطة تتنافس فيما بينها فـي الرأي والعقيدة وتبحث في القضايا السياسية وتضع آراءها واتجاهاتها أمام الرأي العام من أجل التحكيم، وبمثل هذه الطريقة يمكن إشراك الرأي العام فـي النقاش السياسي العام وجعله على رغبة واهتمام بالشؤون السياسية في البلاد".

ويضيف: "وفـي مثل هذه البلدان تتجه أنظار الجماهير إلى الأحزاب السياسية، ويسعى غالب الأفراد إلى المشاركة في بحث ودراسة القضايا السياسية التي تطرح للنقاش من جانب الأحزاب المختلفة، ثم يختار في خضم تضارب الآراء والأفكار المختلفة، الرأي الذي يقبله ويصوت لصالح أولئك الأشخاص الذين يليقون بمهمة تطبيق ذلك الرأي في يوم الانتخابات البرلمانية، وبهذه الطريقة يمكن أن يظهر ويتجسد الوعي والتثقيف السياسيان لشعب من الشعوب في العالم".

ويشير المرجع الراحل الى الواجبات الرئيسية للأحزاب بالقول: "إن من جملة الواجبات الرئيسية الهامة للأحزاب السياسية هي المشاركة فـي الانتخابات البرلمانية، وانطلاقاً من ذلك، فإن المراكز الحزبية تنشط بشكل غير عادي فـي مواسم الانتخابات، وإن من أكثر المراحل أهمية وحيوية في حياة الأحزاب السياسية هي مرحلة الانتخابات العامة، وإذا ما كانت الأحزاب السياسية ذات ماضٍ حسن وإيجابي وسمعة طيبة على صعيد النشاطات السياسية والاجتماعية، وكان الناس يتحسسون تأثيراتها في ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية، فإنهم ينظرون إلى المرشحين الحزبين على أنهم ممثلون لهم، ولذا يتوجهون إلى صناديق الاقتراع، ويدلون بأصواتهم لصالح مرشحي تلك الأحزاب".

ومما تقدم يمكن طرح خلاصة من التوصيات التالية:

1. ان الانتخابات في المجتمعات الاستشارية ينبغي ان تكون حرة ونزيهة وبعيدة عن التزوير والخداع وتلبي طموحات الشعب ووفق قانون انتخابي عادل.

2. المجتمع الاستشاري هو من يحدد طبيعة النظام السياسي (وان كان النظام البرلماني هو الأقرب لمنع الدكتاتورية من العودة والتجذر داخل الدولة) من خلال حرية الاختيار وصناديق الاقتراع.

3. الأحزاب هي جزء من نجاح المجتمعات الاستشارية وتحقيق الاستقرار والتقدم وليست سببا في خراب البلاد وعودة الاستبداد.

4. ينبغي ان يكون الرأي العام هو الفيصل في تحديد نجاح او اخفاق الأحزاب في أداء مهامها واحترام ما ينتج عنه من تقييم هو المعيار في مدى رقي هذا النظام السياسي.

5. الحرية في التعبير عمن يمثل تطلعات الافراد ضمن المجتمع هو جوهر المجتمعات الاستشارية وسبب نجاحها في التطور والرقي والمحافظة على هذا المبدأ يمثل حجر الزاوية فيها.

6. المشاركة الفاعلة في مختلف الشؤون السياسية والاقتصادية والتوعوية والتفاعل بين الأحزاب والافراد (الناخبون) ضرورة لتحقيق التقارب بين المجتمع ومن يمثله داخل السلطة.

7. اختيار الأحزاب لممثل حقيقي عن الشعب في البرلمان دليل على جدية الأحزاب في تحقيق تطلعات المجتمع في اختيار من يمثله.

* باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002–2020Ⓒ
http://shrsc.com

اضف تعليق