q
كل هذا يتطلب عقد مؤتمر وطني عام بعد تسمية رئيس الوزراء للمرحلة الانتقالية، يكلف بإعادة صياغة السياسات العامة الحاكمة للدولة وفقا لمعايير الحكم الرشيد والجودة الشاملة ورسم حدود العلاقات الواضحة والصريحة بين سلطات الإقليم والمحافظات غير المرتبطة بإقليم وبين السلطات الاتحادية، تبدأ بمبدأ التوزيع العادل للثروة...

على الرغم من تكرار تصريحات المتصديين للسلطة بان رسالة تظاهرات ساحات التحرير قد وصلت وفهمت، وان دعم المرجعية الدينية العليا انتهت الى تطبيق مجازي لما ورد في الآية القرآنية عن ذبح نبي الله إبراهيم (ع) لابنه إسماعيل والتضحية بكبش عظيم، كل ذلك لم يقدم او يؤخر في مفهوم التغيير المطلوب في العملية السياسية، مرة في استبدال رموزها، والحديث عن الجميع، وليس فئة دون أخرى، ومرة ثانية، بانتظار انتخابات مبكرة والاعتماد على موقف الناخب العراقي في اختيار مرشحيه مع مراعاة عدم تزوير نتائج ارادته، وأيضا حث جمهور الناخبين على المشاركة الاوسع، ومرة ثالثة ، بان أي تغيير في العملية السياسية الحالية يمكن ان ينتهي الى تقسيم العراق وربما يؤدي الى اشعال الحرب الاهلية لا سامح الله.

كلما تقدم، يطرح السؤال الأبرز والاهم، كيف يمكن قراءة حروف النار التي يصب الزيت عليها من قبل المتصديين للعملية السياسية على ثلوج تظاهرات ساحات التحرير ؟؟

في الإجابة على هذا السؤال، لابد من التوضيح ان وصف ثلوج تظاهرات ساحات التحرير المجازي، الهدف الاسمي للتغيير السلمي المنشود والخروج من مازق وصف العراق بكونه دولة فاشلة الى وصف دولة التنمية المستدامة في مطالبات واضحة وصريحة عن بناء سياسات عامة حاكمة للدولة ما بعد مرحلة الانتخابات الانتقالية، ويبدو من الممكن الإجابة على هذا السؤال بالقول:

أولا: كل اليات شيطنة التظاهرات، لاسيما في استخدام الأخطاء الشنيعة في حادثة ساحة الوثبة، وما يتردد من أحاديث فيسبوكية عن الموبقات الأخلاقية في عمارة المطعم التركي، ما زالت غير قادرة على إطفاء جذوة التظاهر والرفض الصريح والواضح للعملية السياسية برمتها، وكلما ازداد وقت التسويف والمماطلة ازادت حدة الاستجابة السلبية للمتظاهرين، مصحوبة بتحذير المرجعية الدينية العليا من هذا التسويف.

ثانيا : ردا على من يقول ان العراق يتعرض لمؤامرة تهدد امنه وسيادته وكيانه الموحد، نعم، اتفق بان هناك مؤامرة إقليمية ودولية ضد العراق فتح المتصديين للعملية السياسية النوافذ لها من بوابة الحرمان المجتمعي ومفاسد المحاصصة، واهدار مخططات التنمية المستدامة في صناعة دولة مدنية عصرية، هذا الفشل المتراكم يتطلب مواجهة بالأفعال التي تصد وتمنع نماذج المؤامرة بشتى أنواعها.

ولعل ابرزها تحويل العراق الى ساحة لتصفية الحسابات بين واشنطن وطهران وهما يتفاوضان في مقر الأمم المتحدة وربما اليوم بواسطة يابانية، بل هناك احاديث حتى عن مباحثات سعودية إيرانية، وهذا النموذج من التفاوض يطلق عليه في نماذج إدارة الصراع بنموذج (التفاوض على نتائج اللحظة في إدارة الصراع) فهل يفقه المتصديين للسلطة اليوم ويدركون حقيقة ذلك، وما النهايات التي يمكن التوصل لها في تقسيم العراق كغنيمة برضا كل من واشنطن وطهران ؟؟ عندها من سيكون كبش الفداء العظيم ما بين كلا الدولتين ؟؟.

ثالثا: سبق وان كررت في اكثر من مقال أهمية احتراف من يتصدى للسلطة ((مهنة الديمقراطية)) وهي مهنة السهل الممتنع، وأساليب التفاوض لاعتبار ان النتائج تتمثل في الممكنات وليس في المستحيلات، وما سبق وان تحقق طيلة الأعوام الماضية لم يظهر معه أي نتائج من الممكنات الا في مفاسد المحاصصة والحكومة العميقة للأحزاب المتصدية للسلطة وعلاقات غير متوازنة بين الحكومة الاتحادية وسلطات إدارة أقليم كردستان ، وهذا يحتاج الى إعادة نظر شاملة ليس في طبيعة التحالفات التي تمكن كتلة التحالف الكردستاني من توظيف ذاتها ك( بيضة القبان) في التحالفات البرلمانية التي تجبر السلطات الاتحادية على هذا الخنوع غير المسبوق لسلطة إدارة الإقليم ، فقط لان فك عرى هذا التحالف يمكن ان يغير المعادلة البرلمانية في تسمية رئيس الوزراء!.

كل هذا يتطلب عقد مؤتمر وطني عام بعد تسمية رئيس الوزراء للمرحلة الانتقالية، يكلف بإعادة صياغة السياسات العامة الحاكمة للدولة وفقا لمعايير الحكم الرشيد والجودة الشاملة ورسم حدود العلاقات الواضحة والصريحة بين سلطات الإقليم والمحافظات غير المرتبطة بإقليم وبين السلطات الاتحادية، تبدا بمبدأ التوزيع العادل للثروة، وافعال التنمية المستدامة فمن غير المعقول ان تبقى المدن المحررة من داعش خربا ، يما تنتعش مشاريع إقليم كردستان بالموازنة الاتحادية ، ناهي عن البؤس والفقر والمدراس الطينية في مدن الجنوب العراقي.

رابعا: ما زالت مسميات العدالة الانتقالية تثقل الموازنة العامة، مطلوب انهاء هذا النموذج من مزدوجي الرواتب والامتيازات، والاستخدام السياسي لمؤسساتهم ومنها المساءلة والعدالة، فبناء الدولة لا يكون بنماذج الاستثناءات لعقد اجتماعي دستوري تسوده العدالة التامة وليس المنتقاة او التي تستخدم لأغراض تسقيط سياسي او تمنح امتيازات لهاذ الطرف او ذاك، ولعل السنوات الماضية كافية لإشباع رغبات الانتقام او جوع السلطة عند الكثير منهم.

خامسا: ما يحاول الكثير من المحليين السياسيين الترويج له عن دور العراق بكونه (الموازن الإقليمي) لكن التعامل مع هذا المبدأ لم ينجح في اتباع سياسات تتعامل مع الصراع الإقليمي والدولي في المنطقة بالانحياز الكامل لطرف دون اخر، وان يتمثل هذا الانحياز لأسباب طائفية مذهبية مرة ، ولأسباب قومية مرة أخرى، لذلك مهمة التصدي للسلطة ان تكون مصالح العراق الاسمى والاعلى في التعامل مع الغير حتى ن يوصف بالحليف الاستراتيجي مثل اتفاقية الاطار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة او من يوصف بالجوار الأفضل كما هو حال ايران ، لكن تبقى السياسة الخارجية محكومة بالأمن الوطني للعراق كدولة لها كامل السيادة على أراضيها ، وهذا ما يكرر في قرارات مجلس الامن الدولي دائما في وصف الحالة العراقية .

في ضوء كلما تقدم، كيف يمكن ان تطفئ ثلوج تظاهرات التحرير حروف النار لمفاسد المحاصصة؟.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق