q
جميع الصراعات مع الشعوب هي صراعات خاسرة، وتنقلب على من يحارب ضد الشعب مهما كان قويا، ولنا في الاستعمار البريطاني والاستعمار الأوربي امثلة واضحة شهدها التاريخ في مختلف عهوده، لعلنا نتعظ ونأخذ الدرس قبل فوات الأوان واشتعال النيران في بلداننا من جديد...

روجت إيران وحلفائها الى ما بات يعرف بـ"محور المقاومة" وهو تحالف عسكري يضم ايران وسوريا وجماعات مسلحة ابرزها حزب الله وحركة انصار الله في اليمن ومجموعات مسلحة عراقية متشظية، يشكلون جميعا بقيادة ايران مشروعا يرفعون فيه شعار الحرب ضد التدخل الاجنبي وعلى رأسه الامريكي، فضلا عن محاربة العدو الاساسي اسرائيل.

يعتقد قادة "محور المقاومة" ان الخطوة الاولى لتنفيذ استراتيجيتهم هي تثبيت اقدامهم في المناطق التي يتواجدون فيها، فايران يجب ان تثبت حكمها بقبضة حديدية لتامين الداخل، وسوريا يجب ان تفعل نفس الامر، اما الجماعات المسلحة التي لم تصل الى السلطة في بلدانها فعليها ان تبسط نفوذها عسكريا، ومن ثم الدخول في المجال السياسي، لتكون بذلك منظومة تحالفية كبيرة داخل دول المنطقة ينطلقون منها الى الامام عبر زحزحة النفوذ الامريكي ومن ثم القضاء عليه باعتباره اصل الازمات التي تتعرض لها شعوب المنطقة، لا سيما وان الولايات المتحدة بنظرهم هي الشيطان الاكبر الذي ينهب ثروات الشعوب.

في المرحلة اللاحقة وبعد القضاء على او اضعاف النفوذ الامريكي، يمكن تنفيذ الخطوة المتقدمة والمتمثلة بالقضاء على اسرائيل عبر تحالف الضرورة مع الحركات المسلحة الفلسطينية، وفي تلك المرحلة تتحقق العدالة السياسية وتستعيد الشعوب حقوقها المسلوبة من قبل الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها.

وفي هذه الرحلة نحو تحقيق اهداف "محور المقاومة" نضع بعض الملاحظات وهي كالاتي:

اولا: عدم وجود تناسق بين الاهداف الكبرى للمحور وما يجري على ارض الواقع، فهناك ضبابية في المشروع وتخبط يكاد يكون السمة الابرز لهذا التحالف المسمى "محور المقاومة".

ثانيا: هناك تطبيق كبير لرواية "مزرعة الحيوان" لجورج اورويل، والتي تقوم على فكرة ان الثورة التي تقوم من اجل تحقيق العدل وترفض استخدام الاساليب القمعية والتعسفية في السياسة والاقتصاد، لكن الثورة تعود بعد فترة من الزمن لتقوم بنفس الممارسات التي ثارت ضدها، كل هذا يتم تطبيقهه حرفيا في مشروع "محور المقاومة" ففكرة التدخل الامريكي التي تتم محاربتها تستبدل بالتدخل الايراني الذي يصل الى مديات تثير مخاوف شعوب المنطقة، وفكرة نصرة المظلومين تتحول الى سيف مسلت على كل من يطالب بحقه في العيش بكرامة، وفكرة انشاء تحالف عسكري كبير تتحول الى ما يشبه التحالف مع مجموعة من الفصائل المسلحة التي لا تؤمن الا بالغاء الاخر واتهامه بالعمالة للخارج، رغم ان هذه الجماعات نفسها تخضع كليا في قرارها وتمويلها الى الخارج وتعلن عن ذلك صراحة.

ثالثا: ادى هذا الواقع الى خواء المشروع، وكَشَفَ عن عوامل فشله قبل تحقيق اهدافه، فهو مصاب بداء خطير، وهو داء التعالي عن النظر الى الاخطاء وتاجيل الاصلاحات الداخلية الى مرحلة ما بعد الانتصار النهائي على العدو، وفي هذه الرحلة الطويل تزداد الثغرات ويتفشى الداء لدرجة يصعب السيطرة عليه.

رابعا: الاعتماد الكلي على الحلول العسكرية في زمن سيطرة الاقتصاد على مفاصل الدول ما جعل "محور المقاومة" يسير عكس حركة التاريخ، وكانه يقف عقبة في تطور الدول وتحقيق اهدافها، لا سيما وان خصوم "محور المقاومة" يتمتعون بوضع اقتصادي افضل بكثير، ويروجون لنموذجهم الاقتصادي على انه هو الحل وهو الضد النوعي للازمات الاقتصادية الناتجة عن الحروب.

خامسا: محاولتهم الاندماج في المنظومة السياسية الفاسدة في دولهم بدل ان يكونوا البديل لها، ففي الدول التي تتواجد فيها جماعات "محور المقاومة" نجد انهم كانوا في عجلة من امرهم، وحاولوا الاندماج في المنظومة السياسية الفاسدة التي يتهمونها بالولاء للولايات المتحدة الامريكية، وهذا انعكس سلبيا عليهم، واظهرهم كطلاب سلطة لا طلاب حقوق للمعدمين والضعفاء.

لحد الان لم تقطف ثمرة تواجد حلفاء ايران، ما عدا قدرتهم على الوقوف بوجه المحاولات الامريكية للسيطرة على المنطقة، لكن هذا لا يكفي فالكثير من الشعوب قد لا تهتم بمن يحكمها بقدر ما تهتم بالرفاه الاقتصادي، وبما انه مفقود في ظل سيطرة حلفاء ايران، فهذا يعني موضوعيا اعلان الرفض الشعبي ثم التظاهر وقد نصل الى الثورة ضدهم، وكل ذلك يأتي في سياق صراع دولي على النفوذ في منطقة الشرق الاوسط بين ايران وحلفائها من جهة، والولايات المتحدة الامريكية وحلفائها من جهة اخرى، وبغض النظر عن مصداقية الاهداف التي يعلنون عنها، او حقيقة الشعارات، فان اكبر اخطائهم ونقصد حلفاء ايران هي الترويج لانفسهم على انهم بسطوا سيطرتهم على دول "المحور" وتفاخرهم بذلك رسميا في وسائل الاعلام، دون ان يلتفتوا ان هذا الاعلان سينقلب عليهم لان الدول التي يسيطرون عليها تعاني من ازمات اقتصادية وسياسية خانقة، وسوف يتهمون بتخريبها لانها تقع تحت سيطرتهم.

والازمات الاقتصادية تدفع الناس للنفور من النظام القائم _ والذي اصبح فعليا بيد حلفاء ايران _ وتجعلهم يطالبون بالاصلاح، ولان هذا الاصلاح مرفوض في قاموس "محور المقاومة" ويتم التعامل معهم بلغتي التهوين والتخوين، فان الشعوب سوف تتقبل بالدعم الخارجي للتخلص من الفساد الحالي، لا سيما واننا نتحدث عن صراع نفوذ وارادات دولية، لكن وحتى في هذه الحالة يقوم حلفاء ايران باتهام اي شخص يطالب بحقوقه بانه عميل للخارج، ليضعوا انفسهم في مواجهة مباشرة مع الشعوب وتلك حرب خاسرة بكل المقاييس.

فقد تستطيع تحقيق نصر عسكري على الولايات المتحدة او إسرائيل او أي من حلفائهما، وقد تستطيع تفتيت تظاهرة شعبية مطلبية بمختلف الطرق الإعلامية والعسكرية، لكن جميع الصراعات مع الشعوب هي صراعات خاسرة، وتنقلب على من يحارب ضد الشعب مهما كان قويا، ولنا في الاستعمار البريطاني والاستعمار الأوربي امثلة واضحة لعلنا نتعظ ونأخذ الدرس قبل فوات الأوان واشتعال النيران في بلداننا من جديد.

.....................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق