q
الاختلاف سواء كان فكريا أو اجتماعيا أو سياسيا، في غالب الأحيان يبرر ويسوغ لأحد طرفي الاختلاف والتباين أن يمارس التسقيط والاغتيال المعنوي للمختلف والتعدي على بعض حقوقه سواء كانت مادية أو معنوية. وحين التأمل في هذا السلوك، نجده وفق المعايير الشرعية والأخلاقية، مما لا ينبغي...

على المستوى الواقعي ثمة مشكلة فكرية ـ سلوكية يتورط بها الكثيرون. ومفاد هذه المشكلة أن الاختلاف سواء كان فكريا أو اجتماعيا أو سياسيا، في غالب الأحيان يبرر ويسوغ لأحد طرفي الاختلاف والتباين أن يمارس التسقيط والاغتيال المعنوي للمختلف والتعدي على بعض حقوقه سواء كانت مادية أو معنوية.

وحين التأمل في هذا السلوك، نجده وفق المعايير الشرعية والأخلاقية، مما لا ينبغي الوقوع فيه. بمعنى لا توجد مسوغات شرعية تغطي أو تبرر لأحد طرفي الاختلاف التعدي على حقوق الطرف الآخر سواء كانت المادية أو المعنوية. وإن الاختلاف ليس مبررا كافيا للتعدي على حقوق المختلف.

ولكن على المستوى الواقعي ثمة وقائع عديدة تثبت أن الاختلاف سواء في دائرته الفكرية أو في دائرته السياسية يقود إلى انتهاك حقوق المختلف سواء كانت المادية أو المعنوية.

ولكي تتضح الرؤية لطبيعة العلاقة بين الاختلاف والعدالة نذكر النقاط التالية:

1ـ الاختلاف في كل دوائره ومستوياته، حالة طبيعية، لا يمكن أن تخلو أية ساحة اجتماعية منها. ولكن غير الطبيعي في هذا السياق، هو أن يدفعك هذا الاختلاف بأي مستوى من مستوياته، إلى التعدي المادي أو المعنوي على حقوق من اختلف معك..

ومعالجة هذا المسألة لا يمكن أن تكون بإفناء عناصر الاختلاف، لأنه من لوازم الحياة الاجتماعية، بمعنى حيث تكون هناك حياة اجتماعية، ستكون هناك اختلافات وتباينات في وجهات النظر، وإن هذه الاختلافات ستقود من يتخلى عن أخلاقه أو معاييره الشرعية إلى التعدي على حقوق من يختلف معه.

ولو تأملنا في طبيعة الإساءات التي تصدر في مجتمعنا فيما يتعلق وظاهرة الاختلاف، نجد حين التأمل العميق أن أحد أطراف الاختلاف يدفعه الاختلاف حقيقة أو إدعاء إلى تبني مواقف عدائية من الطرف الآخر المختلف معه.

وهذا يعني أن الاختلاف الفكري أو السياسي، يفضي على المستوى الواقعي إلى انتهاك الحقوق المادية أو المعنوية.

2ـ مع أن الاختلاف بمختلف دوائره ومستوياته، حالة طبيعية في حياة الإنسان فردا وجماعة، إلا أننا جميعا مقصرون في فقه الاختلاف. وهذا التقصير يساعد على أن يقودك الاختلاف إلى انتهاك حقوق من تختلف معه. لهذا فإن من الأمور المطلوبة في حياتنا الإنسانية والاجتماعية هو فقه الاختلاف بشكل جوهري وحقيقي.

لأننا نعتقد أن فقه الاختلاف سيقود إلى فك الارتباط بين الاختلاف بمختلف دوائره ومستوياته وانتهاك حقوق المختلف. بحيث يتم التعامل مع الاختلاف في سياق حدوده الطبيعية التي لا تتعداه إلى أي شيء آخر.

والمجتمع الذي يتمكن من فك الارتباط والاشتباك، هو المجتمع القادر على إدارة اختلافاته بشكل صحيح وإيجابي.

وأغلب المجتمعات التي تعاني من أزمات ومآزق في علائقها الاجتماعية سواء كانوا أفرادا أو مكونات، يعود في أحد جوانبه إلى هذه العلاقة الشائكة بين الاختلاف وانتهاك الحقوق. فمن يختلف معك ليس ساحة مكشوفة لانتهاك حقوقه أو التعدي على حقوقه.

الفصل بين الاختلاف والتعدي على الحقوق، هو الحل الأمثل لكل الأطراف.

والديمقراطية في التجربة الحضارية الغربية، هي في أحد جوانبها، محاولة مؤسسية لضبط الاختلاف وعدم استخدامه كمبرر أو مسوغ للتعدي على الحقوق.

والمجتمعات الغربية قبل لحظة التطور الحضاري، كانت تعاني من هذه الإشكالية، التي ساهمت في إدخال المجتمعات الغربية في حروب دينية وغير دينية مع بعضها البعض. وبداية اللحظة التي تمكنت فيها المجتمعات الغربية من الانتصار على واقعها المرير، هي تلك اللحظة التي فكت الارتباط فيها بين الاختلاف بمختلف دوائره ومستوياته، وأشكال انتهاك الحقوق. والديمقراطية في أبعادها الاجتماعية السياسية، هي التي جنبت المجتمعات الغربية الدخول في معارك دائمة على خلفية الاختلاف الفكري والسياسي.

ونحن في الدائرتين العربية والإسلامية، ومن أجل التخلص من الكثير من الأزمات والمآزق الداخلية، أحوج ما نكون لبناء العلاقة بين الاختلاف والعدالة. بحيث لا يتحول الاختلاف إلى مبرر للتعدي على الحقوق أو عدم الالتزام بمقتضيات العدالة.

3ـ العدالة الاجتماعية والسياسية تتجاوز في جوهرها، البعد الأخلاقي والوعظي. بمعنى أن المطلوب من الجميع سواء كنا نعيش لحظة اختلاف أو لحظة صراع، المطلوب هو الالتزام بكل مقتضيات العدالة. وإن أحد الأسباب المباشرة لتجاوز حدود ومعايير العدالة، هو حينما تبرز ظاهرة الاختلاف بين البشر سواء بعنوان سياسي أو تحت يافطة فكرية بحيث يقود الاختلاف الفكري والسياسي إلى تجاوز حدود العدالة وممارسة العدوان المعنوي أو المادي مع من يختلف معنا سواء كان فردا أو جماعة.

لذلك ثمة ضرورة قصوى لسيطرة قيم العدالة على كل أطراف الاختلاف. بحث لا يتحول هذا الاختلاف إلى مبرر إلى انتهاك الحقوق أو التعدي على مقتضيات العدالة.

فمن حقنا جميعا أن نختلف مع بعضنا البعض، ولكن ليس من حق أحد أن ينتهك حقوق من يختلف معه.

فالإنسان بطبعه نزاع إلى جعل الآخرين مثله في القناعات والسلوك، ولكن دون هذا خرط القتاد. وحينما لا ينضبط الإنسان بضوابط العدالة فإن هذه النزعة التي تتحكم في حياة الإنسان ومسيرته المتنوعة، هي التي تبرر له تدفيعه ثمن الاختلاف معي أو التباين مع وجهات نظري.

وعلى كل حال ما نود أن نقوله في هذا السياق: أن فك الارتباط والاشتباك بين الاختلاف والتعدي على حقوق المختلف المعنوية والمادية، هو أحد المداخل الأساسية لمعالجة الأزمات والمآزق التي تعاني منها مجتمعاتنا.

وإنه ليس ثمة مسوغات شرعية أو أخلاقية، للتعدي على حقوق المختلف. وإن المطلوب دائما صيانة حقوق المختلف. فمن حق الجميع أن يختلف مع الجميع، ومن حق الجميع أن يصون حقوقه ويمنع التعدي عليها، وإن التباين في الأفكار والآراء والمواقف، لا يسوغ لأي طرف التعدي على حقوق الطرف الآخر سواء كانت هذه الحقوق مادية أو معنوية.

وفي زمن التعصب المذهبي نحن أحوج ما نكون إلى ضرورة إبراز هذه القيم التي تمنع التعدي على حقوق المختلف معه. وإن الاختلاف المذهبي لا يشرع لأي طرف التعدي على حقوق الطرف الآخر.

بهذا نصون مجتمعاتنا من الكثير من المخاطر التي تهدد استقرار المجتمعات ووحدتها الداخلية.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق