q
لا حل الا بالعودة الى المواطنة، فهي اساس الدولة الحضارية الحديثة، وشرطها، وسيقول معترض: كيف نعود الى المواطنة بوجود هذه الطبقة السياسية التي تعامل المواطنين كزبائن، وهي تحتكر السلطة والمال؟، والجواب: هذه مشكلة الشعب والواعين من افراده، وعليهم ان يجدوا الحل العملي المناسب لهم...

بنظرة خاطفة الى الوراء، الى ما قبل التغيير في عام ٢٠٠٣، وبالتحديد بين عام ١٩٨٠ الى عام ٢٠٠٣، نجد انه لم يكن من مصلحة النظام تحول "الفرد" الى "مواطن"، او "مواطن دولة" بشكل اولى. لان المواطنة تشترط وجود دولة، والدولة بمعناها الدستوري والمؤسساتي لم تكن تخدم مصلحة النظام المتمثلة تحديدا بمصلحة راس النظام وحاشيته الحزبية او العائلية. واذا كانت السياسة بمعناها الاجرائي والعملي عبارة عن صراع على المصالح والسلطة، فان مصلحة النظام الفردي تتمثل باحتكار المصالح والسلطة، ومنع الصراع حولها، اي منع السياسة.

ولهذا لم تنشأ طبقة سياسية خارج السلطة البعثية-الصدامية، ولم ينشأ مجتمع سياسي، ولم يظهر مواطن سياسي، ما شكل تناقضا جذريا مع قول ارسطو ان الانسان سياسي، او مدني، حسب الترجمة، بالطبع.ما يعني ان النظام البعثي-الصدامي سلب الطبيعة الانسانية الجوهرية (المدنية-السياسية) من الفرد العراقي الذي لم يعد مواطنا منذ عام ١٩٨٠ على وجه التحديد.

سقط النظام في ٩ نيسان عام ٢٠٠٣، وكان على الولايات المتحدة، الدولة القائمة بالاحتلال حسب تعبير مجلس الامن الدولي، ان تخلق طبقة سياسية جديدة. وتمثل ذلك في مجلس الحكم المؤلف من ٢٥ شخصا، تم جمعهم بشكل تلفيقي هجين. بعض هؤلاء الاشخاص من عراقيي الخارج الذي سبق لهم الانخراط في المعارضة العراقية في المنفى، وبعضهم من عراقيي الداخل الذين لم يسبق لهم ان مارسوا السياسة، وانى لهم ذلك وقد حرمهم صدام طيلة ثلاثة عقود ونصف؟!

كان على هؤلاء ان يباشروا بحل مشكلة العراق الاساسية منذ عهد الملك فيصل الاول، وهي تحويل الفرد العراقي الى مواطن. والمواطنية هي السمة الاساسية للدولة الحضارية الحديثة، وهي تستلزم وجود شعب يكون المواطن لبنته الاساسية. ولكن لم يكن بمقدور هؤلاء ان يقوموا بذلك لاسباب منها الاتي:

اولا، لم يكن هؤلاء يحملون مفهوما للسياسة يتمثل برعاية مصالح الناس وخدمتهم.

ثانيا، لم يكن هؤلاء يحملون رؤية للدولة الحضارية الحديثة.

ثالثا، لم يكن هؤلاء يمثلون شعبا انما فئات، كردية وشيعية وسنية الخ؛ بل ان رئيس سلطة الاحتلال السفير بريمر شكل المجلس على هذا اساس فئوي مكوناتي وليس على اساس تمثيلي للمواطنة.

تحرك هؤلاء على اساس المفهوم الاجرائي للسياسة بوصفها صراعا على المصالح والسلطة، ومثل هذا التحرك ليس بحاجة الى مواطنين، وانما الى زبائن. ومن هنا جاءت النقطة الرابعة في التحليل اعلاه وهي ان هذه المجموعة لم تجد ان من مصلحتها ان يتحول الفرد الى مواطن، وانما الى زبون. ومن هنا نشات ظاهرة الزبائنية في سلطة ما بعد عام ٢٠٠٣. والزبائنية تعني تحول "المواطن" الى زبون لدى السياسي، السياسي الذي يخوض صراعا من اجل المال والسلطة، مستخدما الزبائن وقودا ومادة لهذا الصراع، والزبون يطلب الثمن، ويتمثل الثمن بتلزيم الوظائف والعقود الحكومية والمناصب والمنافع الاخرى للزبائن، بغض النظر عن المعايير والاشتراطات المهنية والقانونية. واما بالنسبة لمن يرفض او لا يتمكن من دخول "البازار" او السوق، فليس له الا الله!

وبذا تكون والزبائنية مفتاح كل اشكال الفساد السياسي والمالي في المجتمع. وكان هذا احد اخطر عيوب التاسيس التي رافقت العملية السياسية منذ بدايتها حتى الان.

والحل؟

لا حل الا بالعودة الى المواطنة، فهي اساس #الدولة_الحضارية_الحديثة، وشرطها، وسيقول معترض: كيف نعود الى المواطنة بوجود هذه الطبقة السياسية التي تعامل المواطنين كزبائن، وهي تحتكر السلطة والمال؟، والجواب: هذه مشكلة الشعب والواعين من افراده، وعليهم ان يجدوا الحل العملي المناسب لهم.

.....................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق