q
وسط تزايد الرغبة ومساعي من الجانبين السعودي والروسي من اجل تحقيق المنافع الاقتصادية بعيدا عن الهيمنة الامريكية التي تحاول ان تخضع جميع العمليات والنشاطات الاقتصادية في العالم تحت انظارها، فهي قد تسعى الى وضع العراقيل امام التقارب بين الرياض وموسكو لكي لا تفقد مكانتها وتأثيرها...

حوارات غير مسبوقة وتطورات تشهدها العلاقة بين المملكة العربية السعودية وروسيا، كان آخرها لقاء جمع وزير الطاقة الروسي الكسندر نوفاك بنظيره السعودي عبد العزيز بن سلمان.

اللقاء يأتي وبحسب مراقبين في إطار مساعي الطرفين من اجل المضي قدما في تنسيق سياسات البلدين في التعامل مع تقلبات أسواق النفط العالمية وتمهيدا لزيارة مرتقبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى السعودية شهر أكتوبرالقادم.

اهمية زيارة نوفاك الى السعودية تكمن في انها سعيا روسيا لتثبيت التنسيق بين البلدين لقيادة مجموعة الدول المنتجة للنفط اوبك بلس، في ظل التعافي الواضح للعلاقة بين السعودية وروسيا، والذي تمثل بالمبادرات المستمرة المتعلقة في المجال النفطي المؤمل ان يسهم بشكل كبير في دعم ميزانية البلدين، اذ عملت الزيارة على توطيد العلاقة بين الجانبين لاكمال التطوير في القطاع النفطي بما يحقق النمو في الاقتصاد.

ربما يفضي هذا التقارب في مجال الطاقة الى مشاركة روسيا بعملية بناء محطتين للطاقة النووية في السعودية، لكن يبقى هذا الامر غير قابل للتطبيق مالم تقل الولايات المتحدة كلمة الفصل في ذلك.

وفي ظل تغيير ادارة مجال الطاقة في السعودية قد تكون تغيرات كبيرة على ارض الواقع، اذ تشي بذلك تصريحات وزير الطاقة عبد العزيز بن سلمان الذي قال ان المملكة ستعمل مع غيرها من المنتجين لتحقيق التوازن، وهذا يعكس الرغبة الحقيقية من الجانب السعودي في التقدم خطوة من اجل تحقيق ذلك.

التنسيق مع روسيا وغيرها من الدول المنتجة للنفط خارج منظمة اوبك ترى السعودية انه ضرورة ملحة في المرحلة الحالية التي تشهد الكثير من التغييرات في الاقتصاد العالمي وتحديدا سوق النفط العالمية، واستمرار التنسيق بين اكبر بلدين منتجين للنفط بعد الولايات المتحدة يعمل على تحقيق نوع من الاستقرار في سوق النفط.

بالتأكيد التزام الطرفين في تخفيض كميات الانتاج سيؤدي الى ضبط ايقاع الاسعار عالميا ويحقق الاستقرار الذي ترغب فيه اغلب الدول المنتجة للنفط، ويمكن القول هنا بأن هذا التعاون اعطى المنظمة دورها التقليدي التأريخي المؤثر في الاسواق النفطية العالمية، في ظل التراجع الذي يشهده الاقتصاد العالمي.

هناك اختلافات جوهرية يجب ان نأخذها بعين الاعتبار بين اقتصادي السعودية وروسيا، اذ ان اختلاف الاستراتيجية الاقتصادية بين البلدين يمكن ان تؤثر على عدم استمرارية هذا التعاون، فالسعودية اليوم تسعى الى ان لاتقل اسعار النفط عن ثمانين دولار للبرميل الواحد لتغطية قدرتها الانفاقية في ميزانيتها، الى جانب التحديات المتعلقة بعرض السهم الاولي لشركة ارامكو وما مطلوب تسديديه من مبالغ مالية تصل الى اكثر من ترليونين.

وكذلك هنالك تأثيرات جيوسياية تواجه السعودية مثل الازمة اليمينة وترأسها للتحالف العربي وكذلك وجود الخشية من تفاقم الاحداث وزعزعة الامن في مضيق هرمز، مثل هذه التأثيرات لانرها في الجانب الروسي الذي تمكن بشكل كبير من السيطرة على وضعه الاقتصادي وعدم السماح لتحركاتها الدبلوماسية ومواقفها الدولية ازاء بعض الاحداث ان تؤثر على الاقتصاد في البلاد.

فزيارة نوفاك لم تأتي فقط للتنسيق في مجال النفط بل تعدت ذلك لتشمل المجال السياسي، حيث هنالك زيارة مرتقبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتن الى السعودية، بالتأكيد فأن ملف الطاقة هو المحور الابرز لكن لا يمكن ان نتجاهل ما يحصل من مباحثات في الشؤون الاخرى كالاستثمار وتعزيز هذا المجال فضلا عن التعاون الكبير في المجال التكنولوجي والتقني.

ويجري الحديث عن تقدم الشركات الروسية لبناء مفاعلات الطاقة النووية في السعودية، ومن الممكن ان يشكل ذلك فرصة لتوسيع الشراكة مع الجانب السعودي، في ظل وجود المنافس الاكبر المتمثل بامريكا، اذ من المتوقع ان تدخل العلاقات السعودية جراء ذلك في دوامة الخلافات كون السعودية حرفت بوصلتها بتجاه الند لامريكا في الكثير من الجوانب لاسيما التكنولوجية والتصنيع العسكري.

وسط تزايد الرغبة ومساعي من الجانبين السعودي والروسي من اجل تحقيق المنافع الاقتصادية بعيدا عن الهيمنة الامريكية التي تحاول ان تخضع جميع العمليات والنشاطات الاقتصادية في العالم تحت انظارها، فهي قد تسعى الى وضع العراقيل امام التقارب بين الرياض وموسكو لكي لا تفقد مكانتها وتأثيرها على اهم الاقطاب الاقتصادية في المنطقة العربية السعودية.

روسيا تريد ان تقوي علاقتها بما يضمن عدم التقرب من المنطقة الامريكية فهي تعمل بحذر تام مع الجانب السعودي وغيرها من الدول الحليفة للولايات المتحدة، وهنا لابد من الاشارة الى القرب الجغرافي بين السعودية وروسيا فضلا عن وجود شراكات اقتصادية قوية تتمثل في الاستثمارات السعودية في روسيا التي سبقت بكثير استثمار الاخيرة بالسعودية.

الدول المنتجة للبترول يخدمها احداث توازن في سعر النفط العالمي وكذلك توازن بين العرض والطلب وهذا غير ممكن الحصول مالم يتجه المنتجين نحو تخفيظ الانتاج في الفترات التي يزداد فيها المعروض عن الحاجة، الامر الذي تسعى منظمة اوبك الى تحقيقه في الفترة القادمة.

التعاون بين الدول المنتجة للنفط في المرحلة القادمة من الافضل ان يكون بشكل اوسع لاسيما وان التعامل في هذا الملف سيكون اكثر حساسية وخطورة بالنسبة للقطاع النفطي العالمي، مع الاخذ بالحسبان استمرارية الحرب التجارية بين اكبر بلدين من الناحية الاقتصادية الصين والولايات المتحدة وطبيعة العلاقات الضبابية فيما بينهما، ما يجعل سوق النفط العالمي يتسم بالتذبذب وعدم الاستقرار.

اضف تعليق