q
استعرضت الحكومة العراقية في الاسابيع الماضية نسب الانجاز المتحققة من برامجها الحكومي خلال مدة الستة أشهر الأولى من عمرها، وقد أثار هذه الأمر جملة من ردود الافعال، بعضها مشكك والبعض الأخر منتقد، وتعد التقارير البرلمانية واللجان المكلفة بمراقبة الانجاز المتحقق من برنامج الحكومة الحالية من...

استعرضت الحكومة العراقية في الاسابيع الماضية نسب الانجاز المتحققة من برامجها الحكومي خلال مدة الستة أشهر الأولى من عمرها، وقد أثار هذه الأمر جملة من ردود الافعال، بعضها مشكك والبعض الأخر منتقد، وتعد التقارير البرلمانية واللجان المكلفة بمراقبة الانجاز المتحقق من برنامج الحكومة الحالية من أبرز الانتقادات التي شككت بنسب النجاح الحكومي في تطبيق البرنامج المعلن لحكومة السيد عادل عبد المهدي.

وفي الوقت الذي أعلن فيه السيد رئيس الحكومة العراقية، بأن نسبة ما تحقق من البرنامج الحكومي خلال أول ستة أشهر من حكومته تجاوزت الـ 76%، إلا أن لجنة متابعة البرنامج الحكومي البرلمانية فندت في تقرير لها هذه النسبة، مبينة أن النسبة الحقيقية للإنجاز هي 36.5%، محملة الجهات التنفيذية المسؤولية عن تعثر إنجاز المشاريع المهمة والكبيرة، ومنها تحسين الخدمات ومنظومة الكهرباء على الرغم من وجود تخصيصات مالية.

والأدهى من ذلك، أن النسبة التي اعلنتها لجنة مراقبة تطبيق البرنامج الحكومي في المشاريع الخدمية هي 0%، وأن تقرير الانجاز الحكومي لم يتطرق إلى مخرجات قضايا مهمة كتلك القضايا التي تشغل الشارع العراقي والرأي العام المحلي والعالمي في مكافحة الفساد وحصر السلاح بيد الدولة، وضبط حركة الفصائل والمليشيات المسلحة، وهي مخرجات مهمة، ربما يتوقف عليها مستقبل حكومة السيد عادل عبد المهدي والعملية السياسية برمتها.

بموازاة ذلك، هناك نسب وتقديرات مختلفة أعلنت عنها كتلة "الحكمة" المعارضة التي يتزعمها السيد عمار الحكيم، إذ بلغت النسبة 32% وهي نسبة أقل بقليل من النسب التي اعلنت عنها اللجنة البرلمانية.

هذا التضارب في نسب الانجاز المتحققة من البرنامج الحكومي دفع بعض الكتل السياسية إلى إدراج تقرير لجنة متابعة البرنامج الحكومي على جدول أعمال أول جلسة للبرلمان خلال الفصل التشريعي المقبل. وهذا ربما ينذر بفصل تشريعي ساخن في عمل البرلمان العراقي على مستوى استجواب الوزراء المتلكئين في تنفيذ البرنامج الحكومي، بالمقابل هناك بعض الآراء التي لا تستبعد فرضية سحب الثقة من السيد رئيس الوزراء، لاسيما في ظل التلكؤ الكبير في تطبيق البرنامج الحكومي واصرار السيد رئيس الوزراء على بعض القضايا التي تعدها بعض الكتل السياسية قضايا مخالفة للاتفاق السياسي الذي جاء بالسيد عادل عبد المهدي لرئاسة الحكومة.

فضلاً عن ذلك، فهناك فصل تشريعي ساخن ينتظر القوى السياسية داخل قبة البرلمان العراقي للتصويت على قوانين مهمة في مقدمتها قانون المحكمة الاتحادية، وقانون النفط والغاز، وقانون حرية التعبير، وقانون (من أين لك هذا) وغيرها من القوانين التي ربما تكسر قواعد الاتفاق بين القوى السياسية الرئيسة التي جاءت برئيس الوزراء الحالي الى رئاسة الوزراء.

فربما يكون الخلاف جلياً بين كتلتي سائرون والفتح، لاسيما وأن زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر غير مقتنع تماماً في أداء السيد رئيس الوزراء ونسب الانجاز المتحققة من برنامجه الحكومي.

ربما استطاعت الحكومة العراقية أن تسيطر على حركة الاحتجاج في بعض المحافظات خلال فصل الصيف، لاسيما في محافظة البصرة، إلا أنها عملياً فشلت في تحقيق انجاز فعلي على مستوى الخدمات والصحة والتعليم والاتصالات والنقل وغيرها من الخدمات العامة، لاسيما وأن تقرير اللجنة البرلمانية قد أشار إلى أن نسبة انجاز البرنامج الحكومي على المستوى الخدمي هو 0%، وهذا ما يضع السيد عادل عبد المهدي وحكومته في خانة الاتهام، لاسيما مع توفر التخصيصات المالية، والدعم الذي تلقته حكومته من اغلب القوى السياسية. وهذا ربما يؤشر إلى انعطافة في العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية قد تؤدي إلى استجواب وزراء متلكئين في حكومة السيد عادل عبد المهدي أو ربما تؤدي إلى سحب الثقة عن الحكومة الحالية في أسوء الاحوال.

وعلى الرغم من أن محاسبة الحكومة ومراقبتها من قبل السلطة التشريعية حالة سليمة، تؤشر على نضوج في العقل السياسي العراقي ونضوج في العملية السياسية العراقية، إلا أن كل تلك الفرضيات ستبقى في اطار التكهنات، ربما من الصعب تحقيقها؛ لأن القوى السياسية العراقية المتحكمة في العمل السياسي ودينامية النظام السياسي العراقي بشكل عام لا تستطيع كسر تحالفاتها السياسية، لاسيما وأن القوى السياسية العراقية لا تأخذ بنظر الاعتبار الصالح العام في برامجها ورؤيتها السياسية، بقدر ما تركز على مصالحها الحزبية والمكاسب الشخصية المتحققة من تشكيل الحكومات وحصصها الحكومية، وأن ما حدث مع الحكومات العراقية السابقة بعد عام 2003 مثال واضح وصريح.

فمع كل الاخفاقات السياسية التي منيت بها الحكومات السابقة على مستوى الفساد وغياب الخدمات وانهيار المنظومة الأمنية، إلا أن الاستجوابات البرلمانية للوزراء السابقين كانت سياسية في طابعها العام، فضلاً عن ذلك، لم يستطيع القضاء العراقي أن يحاسب وزير فاسد أو أن يتمكن من محاسبة رئيس وزراء سابق على اخفاقه الأمني وعدم التزامه بواجباته القانونية والدستورية، على الرغم من حجم الفساد المخيف الذي رافق عمل الحكومات السابقة.

وهذا ربما يجعل السيد عادل عبد المهدي وحكومته في مأمن من المحاسبة والمراقبة، إلا أن الضغط الشعبي متمثلاً بالمظاهرات والاعتصامات وزيادة الوعي السياسي لدى الشارع العراقي، فضلاً عن المخاوف التي تنتاب القوى السياسية من عزوف الناخب العراقي من الانتخابات المحلية والتشريعية، قد تكون عوامل ضاغطة على حكومة السيد عادل عبد المهدي في تنفيذ مهامها القانونية والدستورية والالتزام بواجباتها الاخلاقية اتجاه الشعب العراقي.

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2019
www.fcdrs.com

اضف تعليق