q
بغض النظر عن الهدايا والصفعات الدبلوماسية فإن إسرائيل تثبت للعالم أجمع ويوماً بعد يوم أنها بؤرة حرب مستديمة وعنصر توتر دائم في المنطقة، وهي تتنكّر لحقوق الشعب العربي الفلسطيني، ولا سيّما حقه في تقرير مصيره، وإنها لا تحترم أي قواعد قانونية دولية أو دبلوماسية...

تعرّض السفير البولوني ماريك مغيروفسكي لدى «إسرائيل» للاعتداء المفاجئ، عندما كان داخل سيارته يهمّ بمغادرة مقرّ السفارة، من جانب شخص يُدعى ليدرمان (65 عاماً)، وتعود أصوله إلى عائلة يهودية بولندية، وقد جاء إلى السفارة ليعرف لماذا لا تدفع بولندا التعويضات لليهود كما قال؟

وزعم المعتدي أن طاقم السفارة نعتوه ب «اليهودي الصغير»، فغضب وراح يضرب بقبضته سيارة السفير التي صادف أنها كانت تمرّ من أمامه، وشتمه بأقذع العبارات، بل فتح باب السيّارة، وبصق على السفير مرتين، وحاول الاعتداء عليه جسدياً بعد أن حاول السفير التقاط صور للمعتدي عبر جهاز الهاتف النقال. وقد تقدّم السفير بشكوى رسمية إلى الشرطة «الإسرائيلية» ضد المرتكب، وأرفق ذلك بصور للاعتداء مع مذكرة إلى وزارة الخارجية «الإسرائيلية».

ويأتي حادث الاعتداء على خلفية رفض الحكومة البولندية دفع تعويضات «لليهود» عن الممارسات النازية «الألمانية» إبان الحرب العالمية الثانية. وكانت وارسو قد أقرت في عام 2018 قانوناً يمنع اتهام البولنديين أو الدولة البولندية بالتواطؤ مع النازيين بخصوص الجرائم المرتكبة تلك. وأثار صدور ذلك القانون تنديداً شديداً من جانب «إسرائيل» التي اعتبرت هدف تلك المحاولة منع الناجين من الحرب من ملاحقة جرائم ارتكبها «البولنديون» ضدهم.

وتقول وارسو: إن الشعب البولندي كلّه كان ضحية الممارسات النازية في تلك الفترة، وليس اليهود وحدهم، ويحق لكل بولندي بغض النظر عن دينه ومعتقده، سواء كان مسيحياً أم يهودياً أن يحصل على تعويض من ألمانيا، وليس من بولونيا، التي كانت كدولة «ضحية» تلك الممارسات العدوانية.

جدير بالذكر أن حادث الاعتداء أثار تداعيات مختلفة، فعلى أثر الشكوى البولندية جرى القبض على المعتدي وتقديمه إلى القضاء، وقد عمل محامو الدفاع عنه للتخفيف من الحادث بزعم أنه لم يكن يعرف السفير، وأنه مستعد للاعتذار منه، وقد جرى بالفعل إطلاق سراحه بقرار من المحكمة في «تل أبيب» بعد يوم واحد من توقيفه. من جهتها استدعت وزارة الخارجية البولندية سفيرة «إسرائيل» في وارسو آنا آزاري، واستنكرت الحادث، وطلبت منها بصورة رسمية تشديد الأمن حول السفارة البولندية في «تل أبيب».

وقد وصف الرئيس البولندي أندريه دودا خلال مؤتمر صحفي في تيرانا (ألبانيا) ذلك العمل بالشوفينية والكراهية. وقال في خطاب وجّهه إلى الحكومة «الإسرائيلية»: «تتطلّب مثل هذه المواقف إدانة قوية وعقوبة صارمة». كما استنكر رئيس الوزراء البولندي ميتوش موربيسكي بشدّة الاعتداء، ووصفه بالعنصري. وأشار إلى أنه يشعر بالقلق جرّاء تصاعد موجة العداء والكراهية للبولنديين التي تجتاح «إسرائيل» بسبب خلافات سياسية.

وسبق حادث الاعتداء إلغاء بولندا زيارة مقرّرة لمسؤولين «إسرائيليين» كانوا متجهين بالطائرة إلى مطار وارسو بسبب نيّتهم إثارة مسألة استعادة ممتلكات يهودية صودرت خلال حملة التطهير «النازية»، وهو ملف تعتبره بولندا مغلقاً. ولم يسمح لأعضاء الوفد الرسمي بالنزول من الطائرة التي عادت إلى «تل أبيب» بعد عدّة ساعات من الانتظار. وكان وزير الخارجية «الإسرائيلي» إسرائيل كاتس قد أثار حفيظة البولنديين قبل الحادث حينما قال: «إن البولنديين يرضعون معاداة السامية مع حليب أمهاتهم».

وعلى الرغم من أن الحكومتين البولندية و«الإسرائيلية» لا تريدان إطلاق صفة الأزمة الدبلوماسية على علاقاتهما، إلّا أن استفزاز «إسرائيل» للبولنديين المعروفين تاريخياً باعتزازهم بقوميتهم، جعل العلاقات البولونية - «الإسرائيلية» في وضع حرج للغاية، خصوصاً زعم «إسرائيل» تواطؤ البولنديين مع النازيين الألمان في الجرائم المرتكبة بحق اليهود، وهو ما يرفضونه بشدة.

وإذا كانت حكومة نتنياهو قد تمادت في إطار ما سمّي «صفقة القرن»، وحصلت على دعم أمريكي لا محدود، وتلقّت ثلاث هدايا دبلوماسية عشية الانتخابات «الإسرائيلية» الأخيرة التي تقرر إعادتها، فإنها في الوقت نفسه تلقت أربع صفعات دبلوماسية.

وجاءت الصفعات هذه المرّة من دول تعتبرها «إسرائيل» صديقة لها، الأولى: إلغاء زيارة رسمية «إسرائيلية» لوارسو، والثانية: استمرار إعادة أوكرانيا سياحاً «إسرائيليين» غير مرغوب فيهم، حيث اعترفت وزارة الخارجية «الإسرائيلية»: بأن كييف تعيد 1000 سائح «إسرائيلي» سنوياً، والثالثة: احتجاج حكومة طشقند (أوزبكستان) على كثرة دخول «الإسرائيليين» وهم يحملون أسلحة في حقائبهم، وأنها قرّرت اعتقال كل من يضبط بهذا الجرم. أما الرابعة، فهي تصويت البرلمان التشيكي على عدم نقل سفارة بلادهم إلى القدس.

وبغض النظر عن الهدايا والصفعات الدبلوماسية فإن «إسرائيل» تثبت للعالم أجمع ويوماً بعد يوم أنها «بؤرة حرب مستديمة وعنصر توتر دائم في المنطقة»، وهي تتنكّر لحقوق الشعب العربي الفلسطيني، ولا سيّما حقه في تقرير مصيره، وإنها لا تحترم أي قواعد قانونية دولية أو دبلوماسية.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق