q
تداعيات هذا القرار على الدولة العراقية كبيرة ومؤثرة، وربما يعد العراق المتضرر الأول من هذا القرار، لاسيما وأنه يخضع بشكل كبير جداً إلى الدور الأمريكي والإيراني (عسكريا وسياسياً)، فهناك قوات أمريكية في أكثر من قاعدة عسكرية في العراق، فضلاً عن المستشارين العسكريين والمدنيين الذين يتواجدون...

إن الخطوة التي قامت بها الإدارة الأمريكية يوم 8 نيسان/أبريل بإدراج الحرس الثوري الإيراني على لائحة الإرهاب، خطوة غير مسبوقة. إذ تعد المرة الأولى التي تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية بتصنيف كيان عسكري نظامي (جزء من المنظومة العسكرية الوطنية) على لائحة الإرهاب، فقد سبق للولايات المتحدة أن صنفت كيانات وأسماء مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني على قائمة الإرهاب، لكنها لم تقدم على مثل هذه خطوة من قبل. هذا القرار سيكون له تداعيات سياسية وعسكرية كبيرة على منطقة الشرق الأوسط، لاسيما على الدول التي تقبع تحت التأثير الإيراني–الأمريكي، مثل العراق وسوريا.

إن تداعيات هذا القرار على الدولة العراقية كبيرة ومؤثرة، وربما يعد العراق المتضرر الأول من هذا القرار، لاسيما وأنه يخضع بشكل كبير جداً إلى الدور الأمريكي والإيراني (عسكريا وسياسياً)، فهناك قوات أمريكية في أكثر من قاعدة عسكرية في العراق، فضلاً عن المستشارين العسكريين والمدنيين الذين يتواجدون في السفارات والقنصليات الأمريكية، بالمقابل هناك أكثر من فصيل عراقي مسلح يخضع للتأثير الإيراني، وله وجود على الصعيد السياسي والعسكري، وبعض تلك الفصائل سبق وأن صنفتها واشنطن على لائحة الإرهاب، فضلاً عن ذلك، فإن أكثر الفصائل العراقية لها ارتباط إيديولوجي وعقائدي مع إيران، وترتبط بشكل مباشر بالمرشد الأعلى أو بقائد فيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني، وهذا ربما يزيد من تداعيات هذا القرار على الشأن الداخلي العراقي.

ولعل هناك من يتساءل عن طبيعة ذلك التأثير وانعكاساته على الشأن العراقي؟

بالتأكيد سيكون لهذا القرار انعكاسات سلبية على الوضع العراقي (داخلياً وخارجياً)، وهذه الانعكاسات ستكون على مستويين:

انعكاسات داخلية: هذه الانعكاسات يمكن أن نتلمسها من منظورين (انعكاسات سياسية وأمنية)، الانعكاسات أو التداعيات السياسية ستكون واضحة جداً، تتمثل في الانقسام السياسي بين القوى السياسية العراقية على هذا القرار، فهناك من يؤيد قرار الإدارة الأمريكية بإدراج الحرس الثوري الإيراني على لائحة الإرهاب وهناك من يرفض ذلك القرار، انطلاقاً من الطبيعة المذهبية لهذه القوى. وهذا من شأنه أن يزيد من حالة الانقسام السياسي بين القوى والأحزاب السياسية العراقية، سواء داخل قبة البرلمان العراقي أو في الحكومة العراقية، لاسيما وأن وضع القوات الأمريكية في العراق تحت طائلة الجدل السياسي والتشريعي منذ فترة، وهناك كثير من القوى والأحزاب السياسية، لاسيما الشيعية منها تريد أن تضع وجود القوات الأجنبية على جدول أعمال مجلس النواب من أجل التصويت على إخراج القوات الأمريكية من العراق أو أن تؤطر وجودها العسكري بقانون لا يسمح لها التدخل في الشأن العراقي (على أقل تقدير) وأن يقتصر وجودها على التدريب والاستشارة العسكرية. هذه الرغبة تلتقي مع الرغبة الإيرانية التي تريد التخلص من القوات الأمريكية في العراق.

وهذا ما أكده المرشد الأعلى علي خامنئي للسيد رئيس الوزراء عادل عبد المهدي في زيارته الأخيرة إلى طهران، إلا أن الرغبتين العراقية والإيرانية تصطدم بالرغبة الأمريكية، رغبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي سبق وأن أكد على أن الغرض من وجود قواته في العراق من أجل مراقبة تحركات إيران في المنطقة. وعلى ما يبدو بأن الإدارة الأمريكية لا تنوي أن تخرج قواتها من العراق. وهذا سيزيد من حالة الانقسام السياسي بين القوى السياسية، وسيؤثر على العلاقة بين السلطتين (التشريعية والتنفيذية)، لاسيما في حال فشلت حكومة السيد عادل عبد المهدي في إتخاذ موقف حكومي من وجود القوات الأمريكية في العراق.

أما الانعكاسات الأمنية، فتتمثل في عدة أوجه، الانقسام بين المؤسسة الأمنية والأجهزة الخاضعة لسلطة رئيس الوزراء مثل هيئة الحشد الشعبي، الذي تضم بداخلها فصائل وحركات مسلحة، تتبع ولاية الفقيه إيديولوجياً، وتنتمي إلى أحزاب وحركات سياسية عراقية لها ارتباط كبير مع طهران سياسياَ. ولطالما كان خطاب قادة الحشد الشعبي إقليميا، لاسيما فيما يتعلق بوجود القوات الأمريكية في العراق، وموقفها من الصراع الإيراني – الأمريكي في المنطقة، فضلاً عن موقفها من الصراع الإقليمي بين طهران والرياض، وطبيعة التقارب المزمع بين العراق والسعودية. فهناك مخاوف كبيرة من دخول قوات الحشد الشعبي على خط المواجهة الإقليمية بين طهران وواشنطن؛ الأمر الذي يضع حكومة السيد عادل عبد المهدي في أزمة حقيقية داخليا وخارجياً، لاسيما مع شركائها الداخليين الموالين لأمريكا، والداعمين إلى تعضيد العلاقة بين بغداد وواشنطن.

الانعكاسات الخارجية: في الوقت الذي يتطلع فيه العراق إلى بناء علاقات خارجية جيدة مع محيطه الإقليمي والعربي، لاسيما مع دول سبق وأن قاطعت الدولة العراقية، وكان لها دور سلبي كبير في العراق بعد عام 2003، على الصعيد الأمني والسياسي، مثل المملكة العربية السعودية وبعض الدول العربية، ومع بداية التقارب الفعلي الذي أبدته العربية السعودية في فتح علاقات دبلوماسية وسياسية جديدة مع العراق، سيكون العراق وحكومة السيد عادل عبد المهدي في اختبار حقيقي في مد جسور الثقة المتبادلة وتعضيد تلك العلاقة من خلال الحفاظ على الموقف العراقي الخارجي إزاء تلك التطورات في المنطقة، وموقفه من قرار إدراج الحرس الثوري الإيراني على لائحة الإرهاب، لاسيما وأن العراق يعد محور الالتقاء بين المحاور الدولية والإقليمية في المنطقة.

وما يزيد من حجم تلك التداعيات، قرار طهران بوضع القوات الأمريكية في غرب آسيا تحت طائلة الإرهاب أيضاً. فضلاً عن ذلك، فإن طبيعة تعاطي قوات الحشد الشعبي والفصائل العراقية المسلحة الموالية للنظام الإيراني مع هذه التطورات، سيزيد من سوء الأوضاع الداخلية، الأمر الذي يعكر صفوة العلاقات الخارجية للعراق مع الولايات المتحدة ودول الجوار، لاسيما وأن قوات الحشد الشعبي، تعد قوات عراقية رسمية ترتبط برئيس الحكومة العراقية بشكل مباشر، وأن أي تصرف أو عمل عسكري يصدر منها، سيحسب على الحكومة العراقية؛ الأمر الذي سيضعها كهدف مباشر للضربات العسكرية الأمريكية أو الإسرائيلية؛ لأن هذا القرار سيعمل أيضاً على زيادة الهجمات الإسرائيلية على القوات الإيرانية في سوريا، بما في ذلك إمكانية توسيعها لتشمل مناطق في غرب العراق، بدعوى تمركز بعض قوات الحشد الشعبي الموالية لإيران تحت قيادة الحرس الثوري الإيراني في هذه المناطق. وهذا ما أكده الموقع الإستخباري الإسرائيلي (ديبكا).

لهذا، على الحكومة العراقية أن تتعامل مع هذا القرار بحنكة سياسية، وأن تتعاطى مع التطورات السياسية الحاصلة في المنطقة، بما يضمن مصالحها وأمنها القومي، وأن تنأى بنفسها عن سياسية المحاور والصراع الإقليمي؛ لأن تدخلها مع طرف على حساب الطرف الثاني، سيضعها في أزمات كبيرة ومعقدة على الصعيدين السياسي والأمني، وربما يضعها أمام سيناريو داعشي آخر.

وإنطلاقاً من المصلحة العامة، نضع هنا عدة إجراءات وقائية أمام الحكومة العراقية للتعامل مع الأزمة الحالية في المنطقة، لاسيما في ظل تصاعد الأزمة بين طهران وواشنطن، منها:

توحيد المواقف الداخلية بشأن القضايا الخارجية، لاسيما فيما يتعلق بالمواقف الرسمية اتجاه الصراع الأمريكي – الإيراني وتواجد القوات الأمريكية في العراق، أي بمعنى أن تكون الحكومة العراقية ووزارة الخارجية هما الجهتان المعنيتان في التعاطي مع الأحداث بعيداً عن التصريحات السياسية والحزبية التي تعكس المزاجات الشخصية للأحزاب والقوى السياسية ومواقف الفصائل المسلحة.

الإسراع في إكمال تشكيل الحكومة العراقية، وتوحيد المواقف اتجاه القضايا الداخلية بعيداً عن المواقف الحزبية والسياسية.

تحييد الحشد الشعبي بفصائله المختلفة وقيادته الأمنية عن مجريات الأحداث السياسية، وضرورة تفعيل مواد الدستور الضرورية، لاسيما تلك المتعلقة بحصر السلاح بيد الدولة.

تعزيز أواصر التعاون والتنسيق المشترك بين العراق ومحيطه الإقليمي، بما يضمن مصلحة العراق، والتقارب في وجهات النظر إزاء التحديات القائمة والمحتملة وسبل المواجهة المتاحة.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2019Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق