q
كثير من العراقيين اليوم يُستدرَج إلى حلبة التيئيس من دون أن يعلم بذلك، ويمكن ملاحظة نبرة اليأس المنتشرة بين العراقيين أكثر من أي وقت مضى، فالجميع تقريبا يردد أن (لا فائدة) من التغيير، ولا يمكن الإصلاح، لأن حياتنا وأوضاعنا بشكل عام تحمل في جعبتها ظاهرة اليأس الجمعي...

خيارات عديدة توضع أمام الإنسان، بعضها مضيء والآخر مظلم، فهل هناك من يفضّل الظلام واليأس على النور والطموح والأمل؟ ولماذا؟، إن اليأس هو شعور يصيب الإنسان كدليل على فقدان الأمل في تحقيق أمر ما، وقد يؤدي اليأس إلى تحريك مشاعر وعواطف أخرى مثل الاٍكتئاب والإحباط.

وأشد اليأس يسمى قنوط، وكما يدل اليأس أيضاً عن الاستسلام و قبول الحال كما عليها، وقد يصبح اليأس حالة نفسية فكرية معتادة، تتسلل إلى التفكير والسلوك، وحينئذ تُصبح ظاهرة يُراد منها خلخلة البنية الاجتماعية، وإضعاف أو تشويه البنية الفكرية، وعند ذاك، أي إذا تم التلاعب والتحكم بتفكير الفرد وعلاقاته الاجتماعية، فسوف يسهل التعامل معه وضمّه إلى أدوات التخريب المتراكم، فكلما ازداد عدد اليائسين القانطين المستقرين على نمط ثابت من التفكير اليائس والعلاقات الاجتماعية المخترَقة، سوف تكون البنيتين الفكرية والاجتماعية تحت سطوة ذوي المآرب المعادية.

فيما مرّت به الأمم من صراعات ضد بعضها البعض، وحتى المجتمعات، تصدّرت الأفكار والثقافات حلبة هذا النوع من الصراع، وتأتي بعد ذلك حلقة تدمير الأواصر الاجتماعية، فيُصبح المجتمع مشوّه في تفكيره، ومخلخل في تماسه الاجتماعي، فيكون التحكم به أكثر بكثير من المجتمعات والأمم المستقرة فكريا واجتماعيا، فالأولى هي ما يسهل التعامل معها والإطاحة بها، لأن المجتمع إذا خلا من التفكير ذي الخصوصية الجذرية، واختلت البنية الاجتماعية المكوَّنة عن دراية وتمرّس، فإن زرع ثقافة اليأس فيها يكون عاملا للتعجيل بمحوها وفنائها، وفي أفضل الحالات إضعافها بدرجة خطيرة.

وسوف نأخذ من العراق كمثال للتمحيص في خطورة زرع ثقافة التيئيس في البنية الفكرية والاجتماعية، ونشر هذه الثقافة المخيفة في أوسع نطاق بين العراقيين، ومما يساعد على انتشار هذا النوع من الثقافة الصادمة أو التخريبية أن الخلق التكويني للإنسان قد يتفاعل معها بصورة أسرع من سواها، أي أن طبيعة الإنسان قد تستقبل التيئيس بصورة أسرع من استقبالها للنقيض، وهكذا تتكون قاعدة مجتمعية عريضة كلها تعتنق اليأس في النظر إلى الواقع وتشكيلاته المختلفة، وتمنع المعالجة السليمة لدحض هذه الثقافة التي تشل العقل وتوقف أنشطة إنسان وتجعل منه مراوحا في محلّه أو إصابته بحالة ارتداد تشل قدراته كلها.

وما يحصل اليوم من حالة تيئيس تصيب العراقيين حيال الانتخابات مثالا، واليأس من ساستهم، والاستسلام لما يفرزه الواقع من عوامل تجهض كل التوجهات نحو التصحيح، يمكن أن نتخذ منه دليلا على خطورة التيئيس كثقافة يتم نشرها بمنهجية بين مكونات وشرائح المجتمع العراقي، وفي نظرة متفحصة مدعومة باستبيانات واستطلاعات دقيقة، يمكن التوصّل إلى نتيجة مفادها أن العراقيين أو نسبة كبيرة منهم مصابون باليأس من التغيير، وعدم القدرة على محاسبة الفاسدين، والاستسلام للموجود في الواقع، والانصياع لحالة الخنوع والقبول بأقل ما يمكن الحصول عليه، حتى لو كان من قبيل ما يسد الرمق عبر السلة الغذائية البائسة في مفردات البطاقة التموينية التي تسيء للإنسان وتجعله كسولاً وريعيا بامتياز.

إن موجة التيئيس التي تنتشر كالوباء بين العراقيين لم تأت عبثا أو اعتباطا، ولا هي حدث طارئ أحدثته الظروف بصوته تلقائية، إنها ظاهرة مصنّعة بإتقان، تم التخطيط لها بخبر ودراية من قبل أعداء العراقيين، أولئك الذين لا يريدون لهم الخير والتقدم، وعلى العارفين من قادة مدنيين أن يفهموا هذا الأمر بطريقة جادة مبنية على ركائز التمحيص العلمي، ومن ثم الانطلاق في حملات تصحيح لإطفاء ثقافة التيئيس التي تفتك بالمجتمع العراقي اليوم، يساعد على نشر هذه الظاهرة أو الثقافة المؤذية، كثير من وسائل الإعلام وخصوصا القنوات الفضائية، بالطبع هناك من يسعى ويدخل في موجة التخريب من دون أن يقصد أو يعرف ذلك، وإنما هو نوع من الانسياق مع الجوقة الإعلامية التي تنتمي لثقافة القطيع، فثمة الكثير من وسائل الإعلام لا يهمها النتائج مما تفعل وتنشط فيه من ميادين ومجالات، ومعظمها لا تعرف النتائج، لكن هناك الوسائل الإعلامية الموجّهة مسبقا عبر صفقات مادية معروفة، وهذه من أخطر وسائل الإعلام التي تشترك مع سبق الإصرار في نشر ثقافة التيئيس بين أكبر طبقة ممكنة من العراقيين ونعني بهم الطبقة الأوسع من بسطاء وفقراء العراقيين بسبب قلة الوعي وضعف التعليم وتدنّي المستوى الثقافي.

كثير من العراقيين اليوم يُستدرَج إلى حلبة التيئيس من دون أن يعلم بذلك، ويمكن ملاحظة نبرة اليأس المنتشرة بين العراقيين أكثر من أي وقت مضى، فالجميع تقريبا يردد أن (لا فائدة) من التغيير، ولا يمكن الإصلاح، لأن حياتنا وأوضاعنا بشكل عام تحمل في جعبتها ظاهرة اليأس الجمعي التي تشل قدرات المجتمع بأكمله، وهذا هو المطلوب، وهناك من يسعى لهذه النتائج كونها تخدم مآربه وتحقق ما يخطط له، ومنهم من ينتمي إلى القادة السياسيين، لأن الوعي الجمعي، والتفاؤل، والاندفاع بقوة إلى أمام، وشعور المواطن بالمسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقه، بخصوص حماية البنية الفكرية من تسلل اليأس إليها، وصيانة البنية الاجتماعية من الخلخلة المقصودة، سوف تحرم من يقف وراء ثقافة اليأس من النتائج المرتقبة التي يسعون لتحقيقها، لهذا على العراقيين أن يتنبّهوا لهذه المآرب الخطيرة، على الأخص المتصدرين للمجتمع بوعيهم وعقولهم المتميزة، أو ما يمكن أن نسميهم بقادة المجتمع، من مثقفين ورجال دين مخلصين وعلماء ومتنورين، فهؤلاء جميعا مطالبون بالمبادرة الفورية لمقارعة حملات نشر اليأس المدرسة والمعدّة مسبقا، عبر آليات وخطوات تنظيمية فاعلة، تحد من ظاهرة اليأس بين العراقيين، كما أننا مطالبون وقادرون أيضا على بث روح الطموح في شبابنا وجعله يتطلّع إلى مستقبل مشرق فيما لوم وُضِعت لهذه القضية خطط منهجية متخصصة.

اضف تعليق