q
آراء وافكار - مقالات الكتاب

الاستهلاك السياسي والاحتراق السريع

الشرعية الثورية واكباش الفداء!

من يقرأ تاريخ التحولات الكبرى والثورات في العالم، يجد ان هناك اسماء كبيرة، لمعت اثناء الثورة، لكنها اختفت او اقصيت بعد فترة قصيرة من نجاحها، وفي الغالب يكون مصيرها التغييب القسري او القتل وفي احسن الاحوال، الابعاد، وهذه الحقيقة لم ينتبه اليها كثيرون، ممن ينغمسون في عمار اللحظة...

من يقرأ تاريخ التحولات الكبرى والثورات في العالم، يجد ان هناك اسماء كبيرة، لمعت اثناء الثورة، لكنها اختفت او اقصيت بعد فترة قصيرة من نجاحها، وفي الغالب يكون مصيرها التغييب القسري او القتل وفي احسن الاحوال، الابعاد، وهذه الحقيقة لم ينتبه اليها كثيرون، ممن ينغمسون في عمار اللحظة العاطفية التي ترافق الثورات اوالتحولات المفصلية في حياة الامم والشعوب، وقراءة سريعة في الثورة الفرنسية ترينا كيف اكلت فرسانها الواحد بعد الاخر، قبل ان تسلم الى مجنون اسمه نابليون، وكذلك الثورة الروسية التي انتهت بعد بضعة اعوام الى طاغية مثل ستالين، بعد ان اختفى ابرز رموزها في "حملات التطهير" التي قام بها الاخير لينهي خصمه ومنافسه الرئيس تروتسكي والموالون له، والامر لا يختلف كثيرا مع الثورة الصينية وزعيمها ما تسي تونغ، الذي اقصى الكثير من رفاقه واقام دكتاتورية حديدية ارهقت الصين طويلا، بالرغم مما قدمته الثورة للشعب، وهو كثير بالتاكيد، قبل ان يتحرر من تبعتها الثقيلة نهاية السبعينيات، وصولا الى "الثورات العربية" التي شهدها النصف الثاني من القرن الماضي، وكيف انتهى معظم قادتها الاوائل، ومعظم متصدي الصف الاول فيها الى القتل او السجن او النفي.

بعض الدول العربية تشهد اليوم "تحولات" كبيرة، من خلال ما سمي بـ "الربيع العربي" الذي شهدنا خلاله نزول الجماهير الى الشوارع مطالبة بالتغيير، ما ادى الى سقوط الانظمة التي ما كان لها ان تسقط لولا ان المرحلة الراهنة شهدت انسجاما نسبيا للارادة الدولية، الممثلة بسلطات الامم المتحدة التي بسطت من خلالها القوى المؤثرة فيها، نفوذها على العالم، مستفيدة من غياب المنافس العقائدي السابق، المعسكر الاشتراكي، وصارت لها "سلطة" ضمنية على الانظمة، لاسيما في اسيا وافريقيا، حيث الهشاشة السياسية والاقتصادية التي تسمح بالتدخل، مضافا اليها نقمة الشعوب على واقع بات يتردى على مختلف الاصعدة، ووجود من يستقوى بالكبار من بين صفوفها، في اطار التغالب على السلطة وملء الفراغ القادم!

هذا الواقع، خلق تنافسا سياسيا بين الطامحين الى المناصب، ممن يتكئون على مرجعيات دولية، متنافسة هي الاخرى على الامساك بالدول التي تشهد "ثورات" حقيقية ومصطنعة، لان الامر تحول الى لعبة دولية تداخل فيها الواقعي بالفنتازي! وهنا اصبحت "الثورات" مجرد وسيلة لاسقاط الانظمة من دون ان تملك إستراتيجية بعيدة المدى، او تخطيطا للمستقبل، يضمن لها الامساك بالسلطة فيما بعد وتنفيذ مشروعها، لانها بالاساس لا تنطوي على رؤية واضحة ولا حتى قيادة معروفة لها فلسفة معينة، وفي الوقت نفسه غير مسيطر عليها، لانها في مثل هكذا ظروف تصاب بسيولة متمادية تجعل من الصعب السيطرة على مجرياتها لاحقا، وهو ما شهدناه في دول "الربيع العربي" وما سنشهده ايضا في المستقبل القريب، اذ ان الكثيرين ممن تصدروا المشهد، اختفوا او غابوا وسط الصراع الدولي والاقليمي بعد حين، وان كثيرين ممن سيكونون في المقدمة او تدفعهم قوى خفية وعلنية الى الواجهة سيختفون كذلك، او يركنون جانبا تحت تأثير الصراع ومعطياته التي تتبدى بالاحداث التي تشهدها تلك الدول حاليا ومنها مصر وغيرها، لان "الشرعية الثورية" ستبقى الى امد غير معلوم هي السائدة الى ان يستقر المشهد السياسي للجهة الاقوى دوليا، وعند ذاك ستكون العملية السياسية "ديمقراطية" ويصبح التجاوز عليها محظورا، وتقف بوجهه الامم المتحدة من خلال القوى النافذة فيها، طبعا، اما الان فلا.. فهل يدرك ذلك المتلهفون على المناصب والسلطة في زمن الاستهلاك السياسي والاحتراق السريع!.

اضف تعليق