q
بدأت خطة إستهداف \"الأونروا\" مع وصول ترامب إلى الرئاسة الأمريكية في تشرين الثاني/نوفمبر 2016 وبشكل متدحرج وصولاً إلى مطلع العام 2018 مع دفع مبلغ 65 مليون دولار في ميزانية الوكالة من أصل 125 مليون دولار كان يجب دفعها كجزء من المبلغ الإجمالي الذي تدفعه أمريكا...

يُعتبر وصول العجز المالي لوكالة "الأونروا" حتى تاريخ 27/9/2018 إلى 64 مليون دولار بعد أن وصل في بداية العام 2018 إلى 446 مليون دولار، ضربة قاصمة لخطة ترامب نتنياهو لإستهداف "الأونروا" ولدورها الإنساني والسياسي، وفشل ذريع لفرض السياسة الأمريكية - الإسرائيلية في المنطقة وفق ما يسمى بصفقة القرن.

وبلغة المصالح تكون كفّة رؤية الإتحاد الأوروبي والدول المانحة للأونروا والغالبية من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي تعتبر أن وجود وكالة "الأونروا" حاجة إنسانية ضرورية لحوالي 6 ملايين لاجئ فلسطيني مسجل في سجلات "الأونروا" يقيمون في قطاع غزة والضفة الغربية وسوريا والأردن ولبنان، وبأن الوكالة عنصر أمن وإستقرار في المنطقة، ويشارك في هذه الرؤية الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش، قد رجحت على كفّة الرؤية الأمريكية - الإسرائيلية الأُحادية التي تعتبر الوكالة داعماً للإرهاب وعنصر معطّل لما يسمى بعملية السلام في المنطقة.

نجحت إدارة "الأونروا" ومعها الكثير من المؤسسات الأهلية الفاعلة والقوى السياسية الفلسطينية والأصدقاء والمتضامنين في رفع مستوى الوعي والتعريف بالوكالة وأهمية إستمراريتها بتقديم الخدمات الإنسانية عدا عن الحراك الشعبي في المخيمات والتجمعات الذي ساهم في تكوين صورة شاملة واضحة ومؤثرة وضاغطة على صانع القرار بأن تقليص خدمات "الأونروا" أو إنهاء عملها عدا عن أنه سيهدد حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، فإنه سيفاقم من الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية الصعبة للاجئين وسينعكس سلباً على المستوى الأمني داخل المخيمات وعلى الجوار.

بدأت خطة إستهداف "الأونروا" مع وصول ترامب إلى الرئاسة الأمريكية في تشرين الثاني/نوفمبر 2016 وبشكل متدحرج وصولاً إلى مطلع العام 2018 مع دفع مبلغ 65 مليون دولار في ميزانية الوكالة من أصل 125 مليون دولار كان يجب دفعها كجزء من المبلغ الإجمالي الذي تدفعه أمريكا في ميزانية "الأونروا" السنوية وقيمته حوالي 350 مليون دولار، مما يشكل ما نسبته حوالي 40% من الميزانية العامة، وصولاً إلى قرار الإدارة الأمريكية القاطع بتاريخ 1/9/2018 بوقف مساهاتها المالية كلياً بحجة أن مدارس "الأونروا" ومراكزها الصحية وبرامج المساعدات الطارئ تشوبها عيوب لا يمكن إصلاحها حسب زعمها.

منذ وصول ترامب إلى الرئاسة، لم تدّخر الإدارة الأمريكية وقتاً وجهداً في محاولاتها لإستهداف "الأونروا" والضغط على الدول المانحة لثنيها عن المساهمة المالية في صندوق الوكالة، ومحاولة إقناع تلك الدول بأن "الأونروا" قد أصبحت عبئاً على عملية السلام، وبالتالي أصبحت العقبة الكأداء ويجب التخلص منها.

ومن المحطات البارزة للإستهداف الأمريكي لـ "الأونروا" في سنة 2018:

أولاً، ما كشفته صحيفة فورن بوليسي الأمريكية بتاريخ 11/8/2018 عن رسالة بالبريد الإلكتروني موجهة من صهر ومستشار الرئيس الأمريكي كوشنير بتاريخ 11/1/2018 إلى عدد من الرسميين في الكونغرس الأمريكي بمن فيهم مبعوث ترامب للسلام في الشرق الأوسط جيسون جرينبلانت يتحدث فيها كوشنير بأنه من المهم أن يكون هناك جهد صادق ومخلص لتعطيل "الأونروا"، وبأن "الوكالة تديم الوضع الراهن، وهي فاسدة، وغير فعالة ولا تساعد على السلام"، وبأن مبادرة كوشنير - كما جاء في الصحيفة - تأتي "في إطار حملة أوسع نطاقاً من جانب إدارة ترامب وحلفائها في الكونغرس لتجريد هؤلاء الفلسطينيين من وضعهم كلاجئين في المنطقة وإخراج قضيتهم من المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، وفقا لمسؤولين أمريكيين وفلسطينيين".

ثانياً: بعد أن رجعت نائب وزير خارجية الإحتلال تسيبي حوتوبيلي من زيارتها إلى واشنطن ولقائها بالسيناتور الأمريكي تيد كروز المسؤول عن ملف "الأونروا"، التقت بسفراء دولة الإحتلال في دول الإتحاد الأوروبي وفي أمريكا ومناطق الشرق الأوسط مطلع العام 2018 وأطلعتهم بأن دبلوماسية الإحتلال للعام 2018 ترتكز على مسألتين؛ الأولى نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والثانية بأن عهد "الأونروا" قد انتهى إلى الأبد.

ثالثاً: استطاعت دبلوماسبة الإحتلال أن تؤثر على دول مانحة في مؤتمر روما لسد العجز المالي للوكالة الذي انعقد في 15/3/2018 وحضره مندوبون من حوالي 90 دولة حول العالم، وتم جمع 100 مليون دولار فقط من أصل 446 مليون دولار، وللمزيد من الضغط على دول مانحة حضر المؤتمر شخصياً نائب وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد سترفيلد.

رابعاً: استطاعت الإدارة الأمريكية التأثير على موقف وزير خارجية سويسرا الذي اعتبر في 17/5/2018 - متبنياً موقف ترامب نتنياهو - بأن "الأونروا" عقبة أمام مشروع التسوية وبأن وجودها يُغني الصراع في المنطقة.

خامساً: لعبت الإدارة الأمريكية دوراً كبيراً أثناء إنعقاد لقاء اللجنة الإستشارية للأونروا في عمّان يومي 18 و 19/6/2018 بالضغط على دول مانحة، فأمريكا هي إحدى الدول الأعضاء في اللجنة الإستشارية للوكالة.

سادساً: قام وفد أمريكي ضم كل من كوشنير وجرينبلانت بزيارة إلى المنطقة بتاريخ 22/6/2018 التقى فيها بمسؤولين في الكيان الإسرائيلي والأردن ومصر والسعودية والإمارات تم فيها طرح تقديم المساعدات مباشرة للدول المضيفة للاجئين بعيداً عن "الأونروا" إلى جانب ترتيب صفقة مالية لقطاع غزة بقيمة مليار دولار لإقامة مشاريع وأيضا بمعزل عن "الأونروا" وتحت ما يسمى حل الأزمة الإنسانية.

سابعاً: على الرغم من الدعم المعنوي والسياسي للأونروا لكن لم ينجح مؤتمر نيويورك للمانحين الذي عقد في الأمم المتحدة بتاريخ 25/6/2018 في سد العجز المالي للوكالة، نتيجة الضغط الأمريكي والإسرائيلي على الدول المانحة، وفي نهاية المؤتمر قال أمين عام الأمم المتحدة غوتيريش بأن "تدابير إستثنائية ستتخذها الأونروا لخفض نفقاتها بنحو 92 مليون دولار".

ثامناً: بعد صدور بيان وزارة الخارجية الأمريكية والإتهامات بحق الوكالة بتاريخ 1/9/2018 وانضمام مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون وسفير أمريكا في دولة الإحتلال فريدمان لإستهداف "الأونروا" وفي رسالة تاريخية مفتوحة من المفوض العام للوكالة بيير كرينبول إلى اللاجئين الفلسطينيين ولموظفي "الأونروا" أعرب فيها عن عميق الأسف وخيبة الأمل من القرار الأمريكي والرفض وبلا تحفظ للنص المصاحب للقرار وبأن مسؤولية إدامة اللجوء الفلسطيني لا تتحمل مسؤوليته "الأونروا" وإنما تقع على عاتق غياب الإرادة أو عدم القدرة المطلقة للمجتمع الدولي وللأطراف على التوصل إلى حل تفاوضي وسلمي للنزاع بين "إسرائيل" وفلسطين وتأكيداً على أن إبن وحفيد اللاجئ الفلسطيني يحمل صفة لاجئ، كما هو حال اللاجئين في أماكن مثل أفغانستان والسودان والصومال والكونغو، وهم تحت وصاية المفوضية العليا لشؤون اللاجئين وبأن حاجة تقديم العمل الإنساني للاجئين الفلسطينيين سببها التشريد القسري ونزع الملكية وفقدان البيوت وسبل المعيشة، علاوة على إنعدام الدولة ووجود الإحتلال، وبأن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها تبقى أن لدى اللاجئين حقوق بموجب أحكام القانون الدولي وأنهم يمثلون مجتمعاً قوامه 5,4 مليون رجل وامرأة وطفل لا يمكن ببساطة القيام بإلغاء وجودهم، واعتبر أن القرار الأمريكي غير متسق مع إتفاقية التعاون الموقعة في كانون الأول/ديسمبر 2017 بين الولايات المتحدة وبين "الأونروا" والتي اعترفت الولايات المتحدة فيها بمتانة ومصداقية إدارة "الأونروا" وبمواردها وبالكيفية التي نقوم بها بالإستجابة لتحدياتنا التشغيلية والأمنية والمالية المتعددة.

وفي مقابلة إعلامية بتاريخ 12/9/2018، أكد المفوض العام لـ "الأونروا" كرينبول على أن الوكالة مستمرة في عملها بسبب عدم التوصل إلى حل عادل لقضية اللاجئين وبأن القرار الأمريكي بقطع المساهمات المالية لا علاقة له بأداء "الأونروا" وبأن هناك تمييز دولي عند الحديث عن اللاجئين الفلسطينيين مقارنة بالحديث عن اللاجئين في العالم.

جاء مؤتمر دعم "الأونروا" على هامش أعمال الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة في 27/9/2018 برعاية كل من الأردن والسويد وألمانيا وتركيا واليابان والإتحاد الأوروبي و"الأونروا" وحضور وزراء ومسؤولون رفيعو المستوى من 34 دولة عضو ومنظمة وافتتحه غوتيريش، ليضع النقاط على الحروف بتبرع سخي للوكالة من كل من الكويت والإتحاد الأوروبي وألمانيا والنرويج وفرنسا وبلجيكا وايرلندا بمبلغ 122 مليون دولار لينخفض العجز المالي إلى 64 مليون دولار للعام 2018 وليوفر دعماً معنوياً وسياسياً إضافياً للوكالة من جهة، ويوجه صفعة سياسية للإدارة الأمريكية وخطتها الظالمة من جهة أخرى. طبعاً الأزمة المالية للوكالة لم تنتهي بعد فلا يزال بالإضافة إلى العجز الحالي، ضرورة توفير ميزانية العام 2019، وهذا ما يضع المزيد من المسؤولية والتحديات في المستقبل.

السؤال الآن، هل سترضى الإدارة الأمريكية بأن تُكسر شوكتها، وأن تظهر أمام المجتمع الدولي بأنها قد خسرت واحدة من أهم أهدافها الإستراتيجية في المنطقة؟ وكيف ستتصرف إزاء هذا المنعطف التاريخي في سياستها الخارجية؟ هذا ما يجب متابعته وعن كثب.

*كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق