q
وزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون دير ليين، في زيارة لمنطقة الشرق الأوسط، بدأت يوم السبت 15 أيلول الجاري تستكشف فيها المنطقة عن قرب، لتهيئة الظروف لعودة المانية طويلة الأمد في اول انتشار في المنطقة منذ عام 1943. ومن قاعدة الأزرق الجوية الأردنية بدأت فون دير ليين جولتها، مرورا في بغداد وإقليم كردستان العراق...

وزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون دير ليين، في زيارة لمنطقة الشرق الأوسط، بدأت يوم السبت 15 أيلول الجاري تستكشف فيها المنطقة عن قرب، لتهيئة الظروف لعودة المانية طويلة الأمد في اول انتشار في المنطقة منذ عام 1943. ومن قاعدة الأزرق الجوية الأردنية بدأت فون دير ليين جولتها، مرورا في بغداد وإقليم كردستان العراق.

الزيارة الأولى لوزيرة الدفاع تحمل الجانب العسكري والاقتصادي في سلة واحدة، فالقوات الألمانية يجب ان تبقى في الشرق الأوسط اذا اقتضت الضرورة، لحماية مصالح الدولة الاوربية الكبرى، وضمان الاستقرار لدول فاشلة طالما مثلت مشكلة كبيرة للاتحاد الأوربي. لكن برلين تريد تثبيت وجودها كخطوة أولى، رغم تخطيطها للبقاء طويلا، هكذا ردت فون دير ليين على أسئلة الصحفيين الذين وجدوا في التحركات الألمانية تحولا كبيرا في المنطقة والعالم.

ومن الأردن يمكن توجيه الطائرات الألمانية لاثبات الجدية في التحرك عسكريا، والعدو موجود وواضح، انه الجيش السوري، حيث اشترط الالمان قيامه بضرب المدنيين بالأسلحة الكيميائية ليقوموا هم بارسال مزيد من الجنود الى المنطقة لمعاقبته، فهذه الطريقة اثبت الامريكان فعاليتها عندما دخلوا بهدوء الى الأراضي السورية وثبتوا مواقعهم تحت مظلة الحرب على الإرهاب وحكومة الرئيس بشار الأسد، وبالتالي يمكن تكرار التجربة اذن. وهم اليوم يملكون قاعدة التنف العسكرية واجروا مناورات مع فصائل معارضة للحكومة لتاكيد حيازتهم للأرض والحلفاء المحليين.

أسبوعية دير شبيغيل كشفت ان خطوات الحكومة الالمانية جاءت بضغط من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لدفعها للمشاركة بتحالف دولي تسعى واشنطن لتشكيله لتوجيه ضربة عسكرية قوية للجيش السوري، مع إبقاء شرط قيامه باستخدام أسلحة كيميائية ضد محافظة إدلب (شمال غربي سوريا) لاستعادتها من المعارضة.

المجلة استنتجت ان خطابا شديد اللهجة من السفير الأمريكي ريتشارد غيرنيل الخميس الماضي، أظهر عزم إدارة ترامب على تشكيل تحالف واسع لتوجيه ضربة قوية لحكومة الأسد أشد من تلك الضربة التي وجهتها أميركا بمشاركة بريطانيا وفرنسا في أبريل/نيسان الماضي.

لكن في المانيا تعقيدات سياسية وقانونية قد تمنع تحركها التاريخي هذا، اذ عبرت أندريا ناليس رئيسة الحزب الاشتراكي الديمقراطي عن رفض حزبها المشاركة بالهجوم على سوريا، كما ان هناك تحفظات قانونية للمحكمة الدستورية العليا بمشاركة جيش البلاد بعمليات عسكرية خارج إطار حلف الناتو أو الاتحاد الأوروبي.

ما لم تتطرق له الصحافة الألمانية هو الرغبة بوجود طويل الأمد في المنطقة، وكشفت عنه وزيرة الدفاع في حديثها للصحفيين في بغداد، ما يعكس رغبة داخلية اكثر منه خضوعا لضغوط أمريكة، انما تلك الضغوط هي التي ولدت ردة الفعل لتقوم برلين بدورها الريادي في العالم، فالثقة في ادنى مستوياتها مع الولايات المتحدة، وكل حروب واشنطن تلقي بظلالها على القارة العجوز دون ان تكترث إدارة ترامب لمخاوف الاوربيين الذين تحملوا كل الازمات السابقة.

ميركل تشعر ان ترامب سمح للروس بالتمدد اكثر مما كان يفترض، وبتهديده بالخروج من حلف الناتو واعادته لسباق التسلح، وشن الحرب الاقتصادية على اوربا كلها وألمانيا بالتحديد لم يبق خيار سوى الدخول بالحرب، فالحياد لم يعد ممكنا، والاعتماد على واشنطن لا يؤمن الحدود الألمانية.

هذا التحرك الاستراتيجي جاء بدافع الضرورة وليس الاختيار، لكنه يلقي بتبعات أخرى، تدفع المانيا كثيرا بازمات الشرق الأوسط، فالحرب على تنظيم داعش خلفت جروحا عميقة في المناطق التي احتلتها، بحسب ما ترى الوزيرة فون دير ليين، والأمر يتطلب الصبر... لتعزيز قوة العراق من جديد". و القضية لها جوانب اقتصادية وفتح أسواق جديدة فالأمر يتعلق بإعادة بناء البلاد في جميع المجالات.

وبالانتقال من المشهد السوري العراقي، الى دول المغرب العربي وفي الجزائر تحديدا نصل الى الرابط المشترك، اذ تظهر المستشارة انجيلا ميركل بالجزائر، (الإثنين 17 سبتمبر)، في زيارة رسمية، بدعوة من الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، ويتصدر جدول أعمالها ملفا الاقتصاد والهجرة غير النظامية.

في الاقتصاد تريد برلين تعويض خسائرها من الضرائب التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتفاديا للعزلة المحتومة لا بد من إعادة فتح التعاون مع البلدان العربية، سواء في الجزائر او العراق وسويا، كما ان برلين قلقة من العلاقة مع حلفاء واشنطن العرب، مثل السعودية التي أعطت رسالة سلبية عندما قطعت علاقاتها مع كندا بسبب انتقاد سجلها في مجال حقوق الانسان.

واذا ما تم بناء علاقات طيبة مع الدول العربية يمكن تفعيل الملف الأبرز والأخطر على المانيا، متمثلا بازمات النزوح المتواصلة نتيجة حروب الولايات المتحدة، فدعم الاقتصادات العربية يدفع نحو الاستقرار الاجتماعي والسياسي، وهذا الاستقرار بحاجة الى مظلة عسكرية دائمة بدأتها وزيرة الدفاع أورسولا فون دير ليين لتعلن نهاية الطلاق الألماني من الشرق الأوسط.

اضف تعليق