q
هل سيجتمع اللاعبون الاقليميون ممثلون بعراق ما بعد داعش وايران وتركيا وسويا مع الحليف الروسي، ليضعوا تصورا مشتركا لمستقبل منطقتهم، سواء كانت بوجود دولة كردية يتفقون مع الاكراد على حدودها، او بدونها؟ ام سيتركون الامر لخلافاتهم ترسم صورة مستقبل المنطقة على حساب دولهم؟ الامر متروك لهم وعليهم ان يتعاملوا مع الامور بواقعية بعيدا عن اية تهويمات عقائدية اثبتت انها غير نافعة في عالم اليوم...

عندما اسقطت الدفاعات التركية الطائرة الحربية الروسية، قرب الحدود التركية السورية، قبل اشهر، وحصلت الازمة الكبيرة بين البلدين، كنت اتوقع ان الازمة لن تطول، وان تركيا تحتاج الى روسيا بقدر ما تحتاج روسيا الى تركيا، لان الرابح الوحيد من الازمة هو اميركا، التي كانت بحاجة الى قطيعة ولو مؤقتة في العلاقات بين موسكو وانقرة. كانت قراءتنا مبنية على معطيات اخذت تتجلى بشكل غير مسبوق في المنطقة بعد الازمة السورية، التي اشتغل كل طرف من دول الاقليم لحسابه الخاص فيها، وجرى الجميع في سباق مضن ارهقهم معا، او ادخلوا فيه عنوة من دون ان يحددوا هدفا مشتركا يجنبهم الخسارة المشتركة القادمة.

كانت قراءاتهم مدخلات اللعبة واحدة تقريبا، لكن اهدافهم داخلها مختلفة، وهي ان ما حصل في سوريا كان مفتعلا، وان اميركا تريد من وراء ذلك تغيير خارطة المنطقة، وما داعش والنصرة وغيرهما من التنظيمات المسلحة سوى وسيلة لارباك الجميع ومن ثم فرض الامر الواقع عليهم، وان لاعبا اقليميا جديدا يجري العمل على اخراجه للوجود، متمثلا بالدولة الكردية، وهو هدف واشنطن وتل ابيب النهائي، وان الوليد المنتظر هذا، والذي لا ترغب به كل من تركيا وايران وكذلك العراق وسوريا، وربما دول عربية اخرى، لاسباب تتعلق بالامن القومي، اخذ يتبلور بطريقة تدريجية وامام اعين الجميع، خارجا من رحم الازمة المتصاعدة وخارج هدفها المعلن نفسه، المتمثل باسقاط النظام في سوريا.

لقد قلنا ان تركيا حين تدرك ان ركضتها مع الاميركان في سوريا وتعاونها اللامحدود معهم في دعم الجماعات المسلحة من اجل اسقاط النظام في دمشق، لن يفضي الى تحقيق ما تريد، او سيكون على حساب امنها القومي، فستلجأ الى تغيير تحالفها ولو تكتيكيا، أي تذهب الى المعسكر الروسي لاحراج الاميركان في الاقل، وقد ادركت تركيا لاحقا انها ذاهبة الى الوهم، كونها ظلت تمني النفس بامساك الاخوان المسلمين للسلطة هناك، وجعلت من ارضها ميدانا لوجستيا لهم طيلة السنوات الماضية وحتى اليوم. وكان هذا خطأ ستراتيجيا قاتلا، لان هدف واشنطن ابعد من ذلك، وان اسقاط النظام في سوريا يعني اميركيا، انهاء دولة قوية على حدود اسرائيل ومن ثم تقسيمها عرقيا وطائفيا، ولو باسم الفيدرالية وغيرها، تمهيدا لاخراج الدولة الكردية التي لن تتحقق بوجود نظام يبسط نفوذه على كامل الارض السورية، وهو ما يتعارض مع المشروع التركي تماما. فاردوغان الطامح بتوسيع النفوذ التركي في المنطقة، يرى في الاقليم الكردي المقترح في شمالي سوريا بداية لتقسيم تركيا التي ستشتعل ولن يستطيع الجيش التركي السيطرة على الامور بعد ان تتوسع الجبهة الجنوبية الكردية، وان الشعب الكردي المتعطش للدولة سيقاتل بكل ما اوتي من قوة ووسائل لتحقيق ذلك، وان قياداته مستعدة لان تكون حليفا حقيقيا لواشنطن وتل ابيب مقابل تحقيق حلمهم القومي.

ايران هي الاخرى، اعدت العدة لمواجهة هذا الخطر الذي يتهدد امنها القومي، لكن بطريقة اخرى، وهو ما لا تستطيع ان تفعل غيره، أي الوقوف مع النظام في سوريا، وترصين دفاعاتها الداخلية والعمل مع الحكومة العراقية لمواجهة داعش الذي تم ادخاله الى العراق بالتزامن مع تصاعد الازمة السورية قبل عامين وتوقع الجميع بان النظام في دمشق بات على وشك السقوط، لارباك العراق وخلخلة المنطقة بشكل عام تمهيدا للشروع الفعلي بالتقسيم المنتظر.

تركيا باتت تدرك ذلك ايضا، ولكنها تتقاطع مع ايران في سوريا وتختلف معها بقوة في وسائل الدفاع الاستراتيجي الذي غاب عن الجميع في ظل هذا التنافس والرؤى المتعارضة في معالجة الخطر الداهم، ولعلنا نصفه بالخطر انسجاما مع قراءة الاطراف الاربعة المعنية، ونقصد العراق وسوريا وايران وتركيا.

روسيا بقراءتها البعيدة لما ستؤول اليه الاحداث في سوريا وبعد ان ايقنت من ان المشروع الاميركي على وشك التحقق وعلى حسابها، تدخلت في الوقت الحرج، وليس المناسب، أي بعد فوات الكثير من الوقت الذي كان من الممكن ان تكسبه في بداية الازمة السورية التي ظلت تتفاقم امامها حتى وصلت حدا ينذر بتعريتها استراتيجيا ومحاصرتها جيوسياسا، وكان تدخلها حاسما الى حد بعيد، لكن ليس بشكل نهائي. فاميركا لم تكن واقفة مكتوفة الايدي، بل كانت تراقب وتعمل على تقوية الجماعات المسلحة، لتضغط على الجميع، بينما اكتشفت تركيا انها اندفعت بعيدا في اللعبة التي ستحرقها، وان اقصى ما وصلت اليه في تلك اللعبة هو اسقاطها الطائرة الروسية، التي عزلتها عن عمق استراتيجي كبير، اكتشفت اهميته لاحقا، لانها نفضت يدها من الاميركان، الذين ظلوا يلعبون بعيدا عن تطلعاتها. فقراءتها الخاطئة للتدخل الروسي، واعتقادها انه جاء لدعم الموقف الايراني على حساب حلمها المنتظر بحكم سوريا من قبل الاخوان، كانت غير دقيقة، والاخوان انفسهم فاتهم قطار اللعبة وسار بعيدا تاركا اياهم يتطلعون بوجه اردوغان المنذهل مما وصلت اليه الامور، ولم يعد قادرا على ايقافها.

لقد ذهب اردوغان الى روسيا ومد لها يد العون، مسبوقة بالاعتذار لما حصل من امر الطائرة، لانه ايقن ان الاميركان يغنون خارج لحنه تماما، وانه هيأ تركيا لحريق حرب داخلية قادمة، وروسيا هي الاخرى كانت بحاجة الى تركيا لتحرج الاميركان، لا لكي تخرجهم او تخرج ميليشياتهم من سوريا، لانها تعلم استحالة ذلك، وان الروس والاميركان باتوا هم اللاعبون الحقيقيون في الساحة السورية، بعد ان فقد اللاعبون الاقليميون قدرتهم على حسم الامور لأي منهم، او بالاصح بعد ان افقدوا انفسهم تلك القدرة لانهم لم يتعاونوا فيما بينهم من خلال ستراتيجية مشتركة للتعامل مع المشروع الاميركي الذي تسلل من بين خلافاتهم وبات يفرض نفسه او يكاد.

اليوم، هل سيجتمع اللاعبون الاقليميون ممثلون بعراق ما بعد داعش وايران وتركيا وسويا مع الحليف الروسي، ليضعوا تصورا مشتركا لمستقبل منطقتهم، سواء كانت بوجود دولة كردية يتفقون مع الاكراد على حدودها، او بدونها؟ ام سيتركون الامر لخلافاتهم ترسم صورة مستقبل المنطقة على حساب دولهم؟ الامر متروك لهم وعليهم ان يتعاملوا مع الامور بواقعية بعيدا عن اية تهويمات عقائدية اثبتت انها غير نافعة في عالم اليوم.

اضف تعليق