q
خيار بقاء الإتفاق النووي مشروط بتنازلات عديدة من أهمها: تخفيف لغة العداء تجاه إسرائيل، وإنهاء نفوذ إيران الإيديولوجي والسياسي في بلدان عربية ودعمها لأنظمة سياسية كالنظام السوري بقيادة بشار الأسد، وحركات عسكرية كحركة حماس، وحزب الله ومجموعات أخرى مشابهة، وسياسية كالإخوان المسلمين، ومجموعات مسلحة...

لا يخفى على المتابعين لشؤون منطقة الشرق الأوسط توتر العلاقة ما بين أمريكا وإيران إلى حد القطيعة، وربما قد تتحول إلى حرب مباشرة، خاصة بعد تهديد الولايات المتحدة في ظل إدارة الصقور بقيادة دونالد ترامب بخيار الحرب في سوريا الحليف الإستراتيجي لروسيا وإيران والمدافعين عنه سياسيا وعسكريا، وهذا ما يكشف أن هناك أزمة كبيرة حول النفوذ في منطقة الشرق الأوسط ما بين الولايات المتحدة وحلفائها من جانب، وروسيا وإيران وحلفائها من جانب ثاني، هذه الأزمة تتجاوز مسألة الملف النووي الذي أتخذ حيزا كبيرا في توتر العلاقة ما بين أمريكا وإيران منذ بداية الثمانينات وحتى المفوضات ما بين الدول الخمسة (أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا، وروسيا، والصين) زائد إيران، بعد تصميم إدارة الرئيس باراك أوباما في السنين الأخيرة من ولايته الثانية، ودخلت العلاقة ما بين إيران وأمريكا بعد ذلك في التحسن التدريجي.

ومع صعود دونالد ترامب إلى البيت الأبيض تراجعت العلاقة ما بين النظامين إلى نقطة الصفر، بالرغم من أن الإتفاق حول برنامج إيران كان مرضيا لجميع الأطراف المؤسساتية ومن ضمنهما أمريكا وإيران، ولا تزال إيران ملتزمة ببنوده باعتراف المنظمة الأممية، والولايات المتحدة ذاتها في حين أن أمريكا الدولة الأهم في الطرف الآخر لم يفي بالعديد من بنود الإتفاق كتلك المتعلقة برفع العقوبات وإطلاق الأموال الإيرانية المجمدة.

إذن هناك ماهو أكبر من هذا الخلاف الظاهري حسب الرؤية الدبلوماسية الإيرانية، ففي كتاب (سعادة السفير) الصادر في أواخر عام 2017 بعد أن منع نشره من قبل الرئيس الإيراني السابق محمود احمدي نجاد، كشف فيه محمد جواد ظريف الخبير في شؤون الدبلوماسية والتفاوض، وسفير إيران السابق في الأمم المتحدة، ووزير الخارجية الحالي، "إن الجذور الأساسية لا تكمن في المجال النووي خاصة وهو يستعمل للإغراض السلمية، وأن إيران لا تنوي تصنيع قنبلة نووية"، بل يذهب محمد جواد ظريف إلى أن ما أسماه بالقيادة - في إشارة إلى الخامنئي- قد حرم تصنيع السلاح النووي، عد ظريف أن أمريكا خلقت من ملف الطاقة النووية لأغراض سلمية مشكلة نووية لأهداف عديدة منها:

إن أمريكا وإسرائيل وجدتا في الموضوع النووي الحجة المناسبة لتشكيل ضغط دولي على إيران من دون أن تكون مشكلتهم هي الجانب النووي بالضرورة، ويعتقد ظريف لو كانت مشكلة أمريكا هي الموضوع النووي فقط لكان الموضوع أسهل بكثير، كما أن المجال النووي حسب رؤية محمد جواد ظريف لا يشكل سباق تسلح نووي وهو برنامج سلمي لا تبتغي منه إيران إخافة الآخرين ومن ضمنهم جيرانها العرب وهي مستعدة لتطوير أي برنامج نووي عربي لأغراض سلمية، وأن أصل الأزمة بين أمريكا وإيران بنظر رئيس الدبلوماسية الإيرانية محمد جواد ظريف ناجمة عن عدة أسباب:

السبب الأول: طبيعة سلوك أمريكا وإسرائيل من النهج الإيديولوجي في إيران

يعد الوزير محمد جواد ظريف طبيعة سلوك الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل من إيران، حيث يرى ظريف بأنهم كانوا يبحثون عن أي حجة للضغط على إيران ولم تكن لهذه المشكلة علاقة بالموضوع النووي، ويكشف ظريف في الوقت نفسه بأن لدى أمريكا قلق من نمو ما أسماه: "حكم بإيديولوجية جديدة في العالم فهي تعتقد أنها تحمل رسالة عالمية ولا تكتفي بحدود أصغر، وبمجرد أن تحمل إيران هذه الرسالة فإن ذلك يبعث على قلق بالغ لدى الأميركيين"، هذا جزء من أزمة العلاقة الأميركية مع إيران، وقد يكون فعلاً - بعد تغلل إيران بدواعي حملها رسالة إسلامية عالمية ولا تكتفي بالحدود الإيرانية-، مما تعتبر أساس مشكلة إيران مع حلفاء أمريكا من دول الخليج (السعودية، والإمارات، والبحرين)، وشجع على ذلك هشاشة عدد من الدول العربية بعد دخول قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة إلى العراق وأفغانستان، وبعد إعادة تشكيل دول منطقة الشرق الأوسط من جديد بعد فشل ثورات الربيع العربي في عام 2011 وإتساع رقعة الجماعات الإرهابية جغرافياً.

السبب الثاني: العقدة التأريخية من أزمة إقتحام السفارة الأميركية في إيران الثورية

يذهب الوزير محمد جواد ظريف إلى أن هناك سبب آخر أدى إلى نشوب أزمة بين أمريكا وإيران ويتمثل بالفشل النفسي أو عقدة نفسية تاريخية، التي أرجع ظريف بدايتها إلى سيطرة الثوريين الإيرانيين بقيادة الخميني على السفارة الأميركية في طهران أثناء سيطرتهم على مقاليد الحكم أثر الثورة الشعبية التي أطاحت بحكم الشاه محمد رضا بهلوي الحليف السابق للولايات المتحدة، وسيطرة الثوريين الإيرانيين على السفارة بنظر ظريف خلق لدى الرأي العام الأمريكي نوعا من التحقير التأريخي، لا يوازيه سوى حرب فيتنام.

السبب الثالث: العداء الإيراني ــ الإسرائيلي

من أسباب إستمرار تفاقم أزمة توتر العلاقة ما بين إيران وأمريكا يتعلق بمشكلة إسرائيل مع إيران الثورية، وإذا كانت إيران من ضمن أدبيات ثورتها الإسلامية هو العداء المطلق لإسرائيل فإن الأخيرة باعتقاد ظريف لديها مشكلة مع إيران، وإنها المشكلة الأهم وتنطوي على جزئين: جزء من هذه المشكلة يخص الثورة الإسلامية، فيما يخص الجزء الثاني ما أسماه محمد جواد ظريف بالأطماع التمددية لإسرائيل، وأهم من يمنع هذه القدرة والسلطة عن إسرائيل وفق إيديولوجيا الثورة الإسلامية بغض النظر عن النظام السياسي فيها سابقا أو الآن أو مستقبلاً.

السبب الرابع: التناحر الإيراني ــ الخليجي والتنافس حول الدول الهشة

هذا السبب وان لم يذكره وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بصورة واضحة في كتابه (سعادة السفير) لكنه يشكل سببا أساسيا في توتر العلاقة ما بين أمريكا وإيران، وتحاول إدارة ترامب أن تخلق نوع من التوازن لصالح حلفائها العرب على أساس نفوذ إيران الإيديولوجي، والإقتصادي، والأمني المتحقق في عدد من الدول العربية ولعل من أهمها الآن سوريا واليمن بعد أن ساد نوع من التقارب ما بين العراق والمحيط العربي المناهض لإيران.

وعليه فإن خيار بقاء الإتفاق النووي مشروط بتنازلات عديدة من أهمها: تخفيف لغة العداء تجاه إسرائيل، وإنهاء نفوذ إيران الإيديولوجي والسياسي في بلدان عربية ودعمها لأنظمة سياسية كالنظام السوري بقيادة بشار الأسد، وحركات عسكرية كحركة حماس، وحزب الله ومجموعات أخرى مشابهة، وسياسية كالإخوان المسلمين، ومجموعات مسلحة تقاتل إلى جانب النظام السوري، وحلفائه الإيرانيين، وحزب الله، وأخرى تتمثل بالحوثيين في اليمن تشكل تهديداً ما تعده السعودية لنفوذها في اليمن، وإذا لم ينجح هذا الخيار مع إيران وحلفائها فربما قد تلجأ أمريكا وبعض حلفائها الغربيين وبعض الدول العربية المذكورة، وإسرائيل إلى خيار المجابهة العسكرية المفتوحة جغرافيا.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2018Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق