q
العالم يسير نحو التصعيد السياسي وهو في طور ولادة مرحلة جديدة، قد تستخدم فيها كل الادوات المطلوبة من اجل تحقيق الانتصار على الخصوم، والرياضة التي كانت وسيلة للسلام قد تصبح قنبلة للدمار

تعلو الرياضة فوق كل نشاط اجتماعي اخر، تساوي في رسالتها التسامح، وتنصب نفسها عنوانا للتعايش بين الفرقاء حتى وان كانوا مثل كوريتين فصلتهما حرب مدمرة، الا ان حبل الرياضة السري لم ينقطع ليعيد املا اصابته السياسة بمقتل.

قصص البراءة الرياضية كثيرة تكاد تفوق دهاليز المكر السياسي، والخداع وما يتبعه من حروب، فهذين النشاطين الاجتماعيين متباعدين وفق الاسس النظرية، وفي اغلب الاحيان حتى بالتطبيقات العملية، الا ان ضرورات الوقع قد تتطلب ايجاد خلطة من مواد متنافرة فيزيائيا يصنع من خلالها جسر عبور للضفة الاخرى.

الجمهور يصدق ويروج لمنهجيات الرياضة القائمة على نشر السعادة بين الناس ولا هدف اسمى من ذلك، رغم انها باتت تقوم على صفقات خيالية للاعبيها وتباع وتشترى الاندية بمليارات الدولارات، والشعارات العنصرية تسمع حينما يلتقي فريقان ينتميان لدولتين متصارعتين سياسيا او مختلفتين دينيا، وهذه ممارسة شبه روتينية في هذا المجال، فهل لا تزال الرياضة بريئة؟

تتبعُ عدة نماذج من الانشطة الرياضية يكشف وجها مختلفا، ويعزز مفهوم صناعة الوعي بالطرق الناعمة، فالمانيا التي استضافت بطولة كأس العالم لكرة القدم عام ٢٠٠٦ لم تنتصر بالبطولة لكنها ربحت صورة ايجابية عالمية "جذابة" ومثلها فعلت لندن وبكين بالالعاب الاولمبية. والنماذج في هذا المجال كثيرة.

لحد الان لا تزال الرياضة طريق ايجابي لتحقيق السلام المجتمعي حتى وان خدمت السياسة في اطار القوة الناعمة، الا انها قد تحولت في نماذج اخرى الى مرآة تعكس حجم الخصومة بين الاطراف الدولية وتجعل من ممارستها خطرا يهدد السلام ولا نريد ان نستذكر هنا حرب السلفادور وهندوراس بسبب مباراة كرة القدم عام ١٩٧٠ والتي اطلق عليها حرب "المائة ساعة"، ولا نريد تذكر حجم الصراع بين مصر والجزائر او ايران والسعودية، هذه قد تكون في الماضي.

تدخل البشرية اواخر العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، والحروب تمزقها والادوات المستخدمة لا تعد ولا تحصى وكل شيء يكسر شوكة الخصم يمكن استخدامه والمعايير الدولية والانسانية تسحق تحت اقدام المصالح.

في الازمة الخليجية اتضحت ضحالة الشعارات السياسية وضعف الرياضة امام عنفوان السلطة، فحشرت الرياضة جنبا الى جنب مع الحصار الاقتصادي والتهديد بالتدخل العسكري فمنعت القنوات الفضائية الرياضية "للدولة المعادية" من البث في الاراضي السعودية او تم التهديد بمنعها.

لم يتم الاكتفاء بهذا الملف بل ادخل ملف استضافة قطر لكأس العالم ٢٠٢٢ لجولة المواجهة وبدأت التقارير تتحدث عن فساد وما شابه ذلك، وكلها تقارير يروجها الحلف الرباعي المناويء لقطر والواضح انه يستخدمها في اطار سياسي بحت.

الازمة بين قطر وجيرانها دفعت باسرائيل لتحشر انفها في الوسط، ففي الأسبوع الماضي، وردت تقارير جاء فيها أنه للمرة الأولى من المتوقع أن تبث سلطة البث الإسرائيلي باللغة العربية مباريات كأس العالم، التي ستُجرى هذا الصيف في روسيا، باللغة العربية وسيتضمن طاقم البث محللا، خبيرا رياضيا سابقا، وضيوفا عرب آخرين خبراء بكرة القدم.

ولكن ردود الفعل لم تتأخر. ففي مقابلة تلفزيونية، رحب محلل رياضي مصري بالقرار الإسرائيلي لبث المباريات، موضحا أن الحديث يجري عن ضربة قاضية لقطر ونظامها. "إن بث إسرائيل للمونديال بالعربية يشكل خطوة رائعة، وضربة قاضية لقطر".

وأضاف معروف أن قطر انتظرت لحظة بث المونديال، وهو يقدر أنها ستخسر 3.06 مليار دولار، على الأقل، بسبب بث المباريات. "لقد اختُرِقت كل حقوق البث الحصرية التي باعتها قطر في العالم العربي".

اذا تعلق الامر بالشرق الاوسط فقذ تبدو الامور طبيعية ففي جميع الاحوال لا تنطبق معايير المجتمع الحديث على الشرق الاوسط، وهو منطقة للصراعات غير صالحة للعيش، او بالاحرى تعد اكثر منطقة صالحة للحرب.

اما اذا تعلق الامر باوربا ودول غربية اخرى فهل يعني هذا ان الرياضة اصيبت بمقتل، واننا امام خسارة من العيار الثقيل لافضل نشاط اخترعه الانسان يجمع افراده اخر كل اسبوع ويوفر شغلا للايدي العاملة ويحقق فوائد كثيرة اكبر من مضاره باتفاق الغالبية العظمى.

فقد أشارت عدة وسائل إعلام بريطانية إلى احتمال انسحاب المنتخب الإنكليزي من كأس العالم 2018 هذا الصيف في روسيا، في حال تأكدت الأخبار حول وقوف موسكو خلف محاولة قتل الجاسوس الروسي المزدوج سيرغي سكريبال.

وقالت صحيفة "ديلي ميل" إن أستراليا وبولندا واليابان، قد تقف بجانب إنكلترا وتقاطع المونديال الروسي، الذي ينطلق بعد 3 أشهر، إذا ثبتت مسؤولية روسيا في محاولة قتل الجاسوس المزدوج الأسبوع الماضي.

خلطة السياسة بالرياضة تجرت معها مدرب المنتخب الألماني بكرة القدم يواكيم لوف، الذي حاول الابتعاد عنها ليؤكد المؤكد هذه المرة فقال بأن مشاركة ألمانيا في مونديال 2018 المقرر صيف العام الجاري في روسيا، لا يعني تأييدها لسياسة البلد المضيف أو التضامن معه. في طريقة تشير الى اعتراضه على السياسات الروسية الخارجية وتابع قائلا: إني أجد صعوبة بالغة في رؤية الصور الفظيعة في سوريا كل يوم وأتمنى من السياسيين حل هذه الأمور من خلال الدبلوماسية".

العالم يسير نحو التصعيد السياسي وهو في طور ولادة مرحلة جديدة، قد تستخدم فيها كل الادوات المطلوبة من اجل تحقيق الانتصار على الخصوم، والرياضة التي كانت وسيلة للسلام قد تصبح قنبلة للدمار.

اضف تعليق