q

مع اقتراب اجراء الانتخابات النيابية في العراق يتزايد الجدل حول خريطة المرحلة المقبلة، التي سترسمها الكتل الفائزة، في وقت تمر البلاد بفترة حرجة متأثرة بالتغيرات الداخلية والاقليمية.

الكتل السياسية نسجت تحالفات انتخابية بدت بعضها تقليدية مع تغيير بعض الوجوه، واخرى قامت بتغيرات جذرية عن هيكلياتها السابقة، وهو ما جعل الكثير من الخبراء يطرحون تحليلات متباينة حول فوص الفوز والخسارة للاعبين القدامى والجدد.

في الانتخابات السابقة كان الجدل يثار حول اغلبية التمثيل الشعي السني الكردي، لكن هذه المعادلة قد تغيرت ولو شكليا في وسائل الاعلام، فالتمثيل المطلوب هذه المرة والصراع يدور بين الكتل السياسية ذات الطابع الديني وخصومها من التيار المدني الذي لم يبني كيانه بشكل متكامل.

خصوم الكتل السياسية ذات الصبغة الدينية يروجون لفرضية خسارة هذه الكتل ويجدون في التظاهرات المتقطعة بين فترة واخرى بانها مؤشر يثبت صحة اعتقادهم لا سيما مع الفورة الشعبية التي تتجلى باستمرار في مواقع التواصل الاجتماعي.

الا ان مجرد التظاهر وبعض الانتقادات في مواقع التواصل الاجتماعي ليست كافية للقول بان الحكم قد افلت من الاحزاب الدينية، فخارطة التمثيل الانتخابي يتوقع ان تصب في مصلحة الاحزاب المسيطرة حاليا لاسباب يتعلق بعضها بطبيعة الاحزاب نفسها واخرى بميول المواطن الكربلائي.

بالنسبة لهيكليات الاحزاب فان القوى السياسية التي تتخذ طابعا دينيا ستبقى هي المسيطرة ولا يمكن ان تتخلخل مستويات تمثيلها الانتخابي لعدم وجود احزاب بديلة (وهنا يشار دائما الى التيار المدني)، هذا التيار الذي يفتقد الى وجود بنية سياسية واضحة ولا برنامجا انتخابيا يمكن اخضاعه للاختبار او وضعه ضمن خيارات الناخب. بل ان هذا التيار نفسه وضع يده بيد الاحزاب الدينية ما جعله عرضة للانتقاد المبكر كطامح للسلطة وليس التغيير.

في الضفة الاخرى تخشي غالبية المواطنين وبشكل جدي من الشعارات التي تطلقها القوى المدنية. اذ ما انفكت هذه الاخيرة تربط الفساد السياسي بالدين دون التمييز بين ما هو سياسي وما هو ديني، والمعروف اننا مجتمع يعطي قداسة كبيرة للدين. فالقوى المدنية اذا ما ارادت تحقيق اختراق انتخابي لا يمكنها ان تنجزه بهذه العقليات القائمة على ابراز سلبيات التجربة الحالية، وهو ذات الاسلوب الذي اتخذته الاحزاب الدينية منذ عام 2003 ولغاية اللحظة. القوى المدنية اذا ارادت مكاسب انتخابية فعليها الانتظار للانتخابات المقبلة او ما بعدها شريطة وجود برنامج سياسي واضح وهيكلية حزبية تراعي متطلبات الشعب وليس التركيز على الصراع مع الطبقة الحالية.

ولحد الان نرى أن التحالفات القديمة بقيت على حالها، مع تغيرات طفيفة بالتسميات والانتقالات التي حدثت من هذا التكتل الى جانب اخر، وكأنه موسم انتقالات رياضية لا اكثر، لا تؤثر في طبيعة الوضع السياسي العام للبلد.

في هذه البيئة لا يمكن لصوت المواطن أن يغير شيء، فنحن نتحدث عن الانتقال من وضع الى اخر وهذا يتطلب وجود بدائل التي نفتقدها الان. ما يعني عمليا أن المواطن سوف يعيد نفس الوجوه حتى وان زعم التغيير.

نقطة مهمة يجب الإشارة اليها، أن النظام الديمقراطي ليس فقط انتخابات، إنما هذه الممارسة (الديمقراطية) تعني إشارة إلى وجود دولة متقدمة، لكن غياب المؤسسات الديمقراطية يجعل من صناديق الاقتراع غير مؤثرة في المسارات السياسية. وفي العراق صاحب الديمقراطية المشوهة لا يمكن قطعا أن يكون للمواطن تأثير الا في إطار التحريك الخارجي ولمصالح دول خارجية فقط، أما الحديث عن حركات تغيرية داخلية وطنية فهي مجموعة من الامنيات.

وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي سوف تؤدي دورا مهما في تحشيد الراي العام لانتخاب الشخصيات النافذة حاليا، ورما يكون ذلك بدفع من الخارج لفرض وجود حلفاء سياسيين يجيدون اللعب طوال فترة الاربع سنوات المقبلة.

اضف تعليق