q

يتحول أطول نهر في العالم، وشريان الحياة لمئات الملايين من الناس، بسرعة إلى مجرد فالق أرضي. إذ يثير مشروع إثيوبيا الطموح لمشروع سد الطاقة الكهرمائية، الذي تبلغ قيمته 4.2 مليار دولار على رافد نهر النيل الرئيسي، توتُّراتٍ مع مصر حول كيفية تقاسم الموارد الأساسية، ويكشف التنافس بين القاهرة وأديس أبابا، القوة الإقليمية الصاعدة، وفق ما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال.

يكمن الخلاف في خطة إثيوبيا لملء خزان النهضة الإثيوبي الكبير، الذي تبلغ مساحته 74 مليار متر مكعب، في غضون ثلاث سنوات من انتهاء البناء المُخطَّط له في عام 2019، وهي وتيرة ترى مصر أنها ستخفض مستويات المياه في سهولها بشكل خطير.

وقال محمد عبد العاطي، وزير الموارد المائية والري المصري، الشهر الماضي إن "مصر لا تستطيع العيش من دون النيل". وأضاف أن "مصر تدرك حق إثيوبيا في التنمية لكن على إثيوبيا أن تثبت عملياً أن السد لن يضر بمصر".

وتعتمد إثيوبيا على السد لتشغيل محطة كهرمائية تهدف إلى دعم اقتصادها سريع النمو، وتُروِّج لمشروع السد على أنه عودةٌ إلى مجد الحقبة الإمبراطورية بعد حقبةٍ من الفقر المدقع. يُذكر أن اقتصاد إثيوبيا نما العام الماضي بنسبة 9٪، وهي أحد أسرع نسب النمو في العالم وفقاً لصندوق النقد الدولي.

وقال رئيس الوزراء الإثيوبي، هايله مريم ديساليغنه، في العام الماضى "إن إثيوبيا لم تستخدم هذا النهر من أجل التنمية لنفسها لأننا كنَّا نفتقر إلى التمويل، أما الآن فنحن قادرون على الاستثمار بأنفسنا".

النزاع أكبر من مجرد مياه

وقد وصل ديساليغنه إلى القاهرة لإجراء محادثات الأربعاء، 17 يناير/كانون الثاني 2018، على الرغم من أن تفاصيل جدول أعماله لم تُكشَف على الفور. وقد تراجعت المفاوضات التى دارت على مدار سنوات حول ملء السد في نوفمبر/تشرين الثاني. وقد طلبت مصر من البنك الدولي التوسُّط في النزاع، وذكرت مُتحدِّثة أن البنك يدرس هذا الطلب.

وقال راشد عبدي، رئيس بحوث القرن الأفريقي في مركز مجموعة الأزمات الدولية البحثي، إن النزاع أكبر من مجرد مياه. وقال: "إن ما تراه هو نزاع بالوكالة حول من يجب أن تكون له الهيمنة الإقليمية، لمصر أم لإثيوبيا". بحسب ما ينقل موقع هاف بوست.

وحين يكتمل السد، سيكون أكبر سدٍ في أفريقيا، وهو ما تفتخر به إثيوبيا. يقول إسكندر بايي

(29 عاماً)، وهو محاسبٌ في بلدة أسوسا القريبة من السد: "إنه سيُغيِّر مستقبلنا. لقد حان وقت إثيوبيا".

وقد ساهم جميع الإثيوبيين تقريباً في تمويل السد، حتى ذوو الأجور الضئيلة، بالرغم من أن جماعات المعارضة تدَّعي أن بعض التبرعات لم تكن طوعية، بينما تنفي الحكومة ذلك.

مصر الوحيد للمياه 

لطالما فرَّق النيل ووحَّد الذين يتقاسمونه. ويُعد النهر المصدرَ الرئيسى للمياه في مصر التي يكتظ سكانها البالغ عددهم 96 مليون نسمة على ضفافه.

وقد بدأ بناء السد في أبريل/نيسان 2011، عندما كانت مصر في خضم الربيع العربي، وبعد حوالي ستة قرون من تهديد الإمبراطور الإثيوبي بوقف إمداد مصر من النيل. ويعمل نحو 8500 عامل في ثلاث نوبات، 24 ساعة في اليوم، 7 أيام في الأسبوع، في بناء السد.

ويجري بناء السد على بعد حوالي 13 كيلومتراً من الحدود مع السودان، التي تقع بين مصر وإثيوبيا، والتي تحتاج كذلك إلى النيل من أجل الري. وقد بذلت السودان جهوداً للتوسُّط بين مصر وإثيوبيا، وتقول إنها محايدةٌ في هذا النزاع.

لكن النزاع أثار الريبة بين الخرطوم والقاهرة، اللتين لهما تاريخٌ من العلاقات المُتوتِّرة حول عددٍ من القضايا. وفي وقتٍ سابق من هذا الشهر، استدعت السودان سفيرها لدى مصر لأجلٍ غير مسمى، وقدَّمَت شكوى إلى الأمم المتحدة حول قضية أخرى تتعلَّق بالحدود.

وقال وزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور، إن "إثيوبيا لها الحق في استخدام مواردها المتاحة لصالح شعبها دون تعريض الأمن المائي للسودان ومصر للخطر. لا نعرف لِمَ كل هذا الجدال".

وتمتلك مصر الحق في أغلبية مياه النيل بموجب اتفاقيةٍ من العهد الاستعماري. وتحتج إثيوبيا، التي استُبعِدَت من تلك الاتفاقية، على أن 86٪ من رافد النيل الرئيسي، النيل الأزرق، يتدفَّق عبر أراضيها، وتقول إثيوبيا إن السرعة التي يُملأ بها الخزان يمكن تعديلها بحيث تأخذ في الاعتبار تأثيرها المُحتَمَل، لكنها لم تُقدِّم تفاصيل عن ذلك. وتقول إنها تتشاور مع مصر والسودان.

معاناة المزارعين بسبب السد

وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوم الإثنين، 15 يناير/كانون الثاني، في إشارةٍ إلى إثيوبيا والسودان: "مصر لن تذهب إلى الحرب مع أشقائها". وأضاف أن مصر كانت تستثمر في جيشها. وقال في رسالةٍ قال إنها مُوجَّهةً للمصريين و"أشقائنا في السودان وفي إثيوبيا حتى يكون الأمر واضحاً لهم": "أن يكون لك قدرة عسكرية لحماية السلام الذي أتحدَّث عنه".

يتذكَّر المزارعون في قرية عرب الرمل المصرية، التي تقع على دلتا النيل على بعد حوالي 50 كيلومتراً شمال القاهرة، وقت غمرت مياه النيل أراضيهم الزراعية ورَوَت محاصيلهم. وكيف أجبرهم بناء السد العالي في الستينيات على حفر آبار لا تُحصَى من أجل ري أراضيهم.

ويشارك صلاح أبو زيد، مزارع البرسيم البالغ من العمر 51 عاماً، مزارعَين آخرين في بئرين، ويقول إنه يخشى أنه سيُضطر إلى حفر المزيد. إذ أن الآبار مكلفة ويجب حفرها أعمق وأعمق مع انخفاض منسوب المياه الجوفية.

يقول أبو زيد: "الآبار هي الخيار الوحيد لتجنُّب ذلك"، مشيراً إلى قطع الأرض المتشققة التي تركها أصحابها الذين لم يتمكَّنوا من حفر الآبار، ويخشى المزارعون في القرية من المستقبل إذا كان السد الإثيوبي يعني أن نصيبهم من المياه سيقل، وقال أبو زيد: "النيل مسألة حياة وموت بالنسبة لنا، ولذلك يستهدفه أعداء مصر".

اضف تعليق