q

سُنن الحياة والمجتمع ونظام الطبيعة تفرض استحقاقا للعمر في الدراسة والتربية والعمل والرياضة وتحمل المسؤولية حتى تصدير الحكمة، لذلك حين تكون في الاربعين مثلا، فانت عجوز في فريق كرة القدم، شابّ في السياسة، يافع في الدين، طفل في بطون التاريخ والحكمة ومنازل العلماء.

انظمة الادارة الحديثة وتكنولوجيا المعلومات ونمو جينات البشر المتراكم، غير الكثير من هذه القواعد، يمكن لعالم ان يكون في العشرينات ورئيس دولة في الثلاثينات ولحكيم بليغ ان يكون في الاربعينات، بل ان الاطفال ايضا أخذوا ادوارا متقدمة عما مضى وهم يعلمّون آباءهم اصول التربية الصحيحة وكيف يستخدمون اجهزة الاتصال والخدمات الحديثة في المنزل والحياة.

بالنسبة لنا حيث نتأخر عادة عن اي منجز، ها نحن نصطدم بنمط اعمار السياسيين الذين تجاوزهم الزمن، وهم مازالوا ممسكين بأظافرهم واسنانهم بعرباته المسرعة، لايجيدون من السياسة سوى ادواتها العتيقة، لغة الكراهية، الخطاب الفئوي، انشاء العداوات، التحذير من الاعداء، والتفكير يوم بيوم في ظل غياب الهدف وقلة الخبرة والتخطيط الاستراتيجي وغيوم المجهول التي تلفهم والناس معهم بسبب سياساتهم.

هؤلاء وبعد ان فشلوا لايرحمون ولايخلّون رحمة الله تنزل، بل ان الحديث عن أعمارهم وتعفّنهم في المناصب أصبح منشورا سريا يحاسب عليه من يحمله او يروج له. ليس لدينا سياسة في العراق ولا دول العرب عموما، ماحدث سابقا فعاليات قديمة دموية خائبة، بل عتيقة، خليط من القسوة والاثراء والمجون والوهم، وهؤلاء ورثة السنّة البالية تلك التي ترى البقاء للأكبر عمرا حتى وإن كان عتيقا، واقول عتيقا وليس قديما لان القديم حي وفاعل ومنتج ومرّ عليه الزمن دون ان يؤثر به، فيما العتيق توقّفَ وبانَت عليه آثار الزمان، وفي الحالتين عليه ان يترك الساحة للشباب كريما معززا الى ضمير الناس اذا كان مصلحا مفيدا والى لعنتهم اذا كان غير ذلك، لكن أولئك وهؤلاء كما يبدو لم ولن يتركوا المناصب التي هم فيها الا وهم محمولون على آلة الحدباء الى المقابر.

واعتقد ومعي اصدقاء كثر كتبوا باستحياء أو بغمز بائن عن هذا المسكوت عنه في السياسة العراقية؛ نرى ان سبب هذه اللزوجة الوظيفية وتكلّس الوجوه الكالحة على حد تعبير المرجعية الرشيدة وانتاج المبررات لبقائها في السلطة بأي عنوان كان، هو ازمة وجود اكثر من كونه تقدير مواقف، لانهم يعرفون ماذا فعلوا وماذا يستحقون، ويعرفون ان رفع غطاء المنصب والسلطة عنهم يكشف ظهورهم امام الناس الغاضبين على وجودهم بالضرورة.

امّا ذريعة الحكمةِ والخبرة والجهادِ الأكبر التي يتخذونها سبيلا لذلك التشبث فلَمْ تعد صالحة هي الأخرى، لان حكمة َالكبار اليوم ليست ذات قيمة دون تحديث عصري لها، ونتائج التجارب الحالية حُسمت لصالح عالم الشباب الذي يشهد تحولات كبرى في السياسة والاقتصاد والخدمات في العالم. وكونها ازمة وجود فان المنصب لاتكليف ولاتشريف بل أصبح خيارا انتحاريا يقاتل المسؤول من اجل بقائه فيه حيث لابديلَ لحياته غيرُ منصبه! وبالتالي يحرق المراكب خلفه ولم يعد صالحا لغير ان يكون هكذا وبَعْدَه الطوفان.

سياسة إحراق المراكب هذه التي تمارس في العراق عبر مراحل عديدة من تاريخه السياسي ان دلت على لاشيء فإنما تدل على ان لا أحدَ من حكام العراق والمسؤولين فيه يحترم العراق أو يحبّه او يخافُ عليه، أو يخاف الله في شعبه.

* عبد الحميد الصائح، كاتب صحفي، عضو ملتقى النبأ للحوار

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق