q
ملفات - عاشوراء

زيارة الأربعين: تأصيل تاريخي

ملايين من العشاق المحبين للحسين عليه السلام بشتى قومياتهم وأعراقهم وحضاراتهم وطوائفهم بل وحتى في بعض السنين من أديان أخر، في تنوع للمستويات واختلاف اللغات آتون من كل فج عميق، من مئات المدن وآلاف القرى، عابرون فوق حدود الفوارق اللغوية والعرقية والطائفية، عابرون فوق حدود...

مشهد معاصر

ملايين من العشاق المحبين للحسين عليه السلام.. بشتى قومياتهم وأعراقهم وحضاراتهم وطوائفهم بل وحتى - في بعض السنين - من أديان أخر، في تنوع للمستويات واختلاف اللغات...

آتون من كل فج عميق، من مئات المدن وآلاف القرى، عابرون فوق حدود الفوارق اللغوية والعرقية والطائفية، عابرون فوق حدود الطبقية والفوارق العنصرية، عابرون فوق حدود خرائط الدول والأمم والشعوب والأقاليم، أولئك زوار الأربعين.

ملايين من المسلمين من شعوب الأرض، رجالا ونساءا، أطفالا وشبابا وشيوخا، أغنياء وفقراء، أصحاء ومرضى، ألسن شتى ووجوه مختلفة، أمواج مليونية من الموالين يجمعهم حب الحسين (ع)، وتوحدهم مسيرة الأربعين الى كعبة الأحرار وقبلة الثائرين.. الى كربلاء الحسين.

انه أضخم حدث ديني تعيشه شعوب الأمة الإسلامية كل عام:

من حيث العدد..

من حيث التنوع..

من حيث الطقوس..

إنهم الزوار الملايين الذين يرسمون السهول والقفار.. الصحارى والجبال بحب الحسين.. ينثرون دمائه مفاهيم لثورة الشعوب نحو الحرية، ويمنحون محبته رسالة للإسلام دين الإنسانية..

إنهم الزوار الملايين الذين يمدون فوق الأرض أشعة السلام ويزيحوا بإسلامهم عقائد الظلم والظلام..

إنهم الزوار الملايين الذين داسوا بأقدامهم أشواك كل العقبات والتهديدات والعوائق، لم تمنعهم اغتيالات الغدر في البحرين ولا قضبان السجون في القطيف ولا اعتداءات الظلاميون في القاهرة ولا مفخخات الإرهابيين في بغداد..

إنهم زوار الأربعين الذين يتحدوا كل عام الظروف الجوية والمناخ وتضاريس الأرض والسياسة والمال ليزرعوا خطى أقدامهم في دروب الولاء نحو قبلتهم في كربلاء..

مشهد مكرر: لقطة جاهلية

زعماء الشرك والظلم مجتمعون، وكما هي عادة الطواغيت اجتمعوا ليتآمروا بعد ان اتضح لهم ان الاسلام دين سلام وعدل وحقوق ورحمة أي ان لا مكان للجبابرة والظالمين والظلاميين.

قال احدهم – مثل هذا الدين لا تميته السيوف ولا يمحو اثره الظلم والفساد.

قال اخر – اذهبوا الى عين النبع وغيبوها.

- تقصد ان نجتمع على قتل محمد ونتخلص من نبوته.

لقطة اموية

- وان اجتمعت الامة على علي ابن ابي طالب فسنوقد عليه حربا هنا وهنا وهنا وهنا حتى يقتل او يسلم لنا الامة لنستعبدها.

لقطة اموية اخرى

- اقتلوا الحسين ولو وجدتموه متعلقا باستار الكعبة.

لقطة عباسية

- اهدموا قبر الحسين واجروا عليه الماء وغيبوه

لقطة من حكم البعث في العراق

- القوا القبض على من يظهر الحزن على الحسين او يشارك في زيارة الاربعين

لقطة معاصرة

- هل هناك أصل تاريخي لزيارة الأربعين ؟

لماذا التَّشكيكِ في زيارةِ الأربعين؟

لابد وان اجتماع شعوب الامة على حب الحين رمز الثورة ما يزل يقظ مضاجع بقايا الطواغيت والملوك الجبابرة..

لابد وان مسيرة الاربعين جمعت هتاف المتظاهرين في ميادين التحرير في تونس ومصر والبحرين في العراق والخليج واليمن وفلسطين، ومن الصين الى كربلاء الحسين..

والى كل المتسائلين بنبرة التشكيك والحقد الدفين وان كانت المسالة لا تحتاج سوى لسرد الادلة والبراهين ولكن:

- هل تحتاج الشعوب الى تأصيل تاريخي لزيارة امام الثائرين ؟

- هل يحتاج العاشقون الى تأييد للشعور بالحب ؟

- هل يحتاج الموالين الى موافقة المنافقين للسير في مسيرة الولاء والبراءة من الظالمين ؟

ذلك التشكيك نفثة حاقد أم غصة حاسد ناصب ال البيت العداء لأنهم رايات الإسلام وأعلام الإنسانية..

زيارة الأربعين.. تأصيل تاريخي

هناك في احدى الروايات التي ذكرت زيارة الاربعين قد ورد عن الإمام الحسن العسكريّ(ع) أنَّهُ قال: علاماتُ المؤمنِ خَمْس: صلاةُ إحدى وخمسين وزيارةُ الأربعين والجَهْرُ ببسْمِ اللهِ الرَّحمانِ الرَّحيم والتَّختُّمُ باليمين وتعفيرُ الجبين.

ودعوى المشككين ان "زيارةُ الأربعين" المذكورةِ في الحديث هي ليست زيارةُ الإمامِ الحسين(ع) في العشرينَ من صَفَر، وانما هي زيارةُ أربعينَ مؤمناً، فجعلوا زيارةَ أربعينَ مؤمناً.

وللرد على هذا التشكيك نقدم الردود الاتية:

اولا: ان حديث الامام العسكري (ع) هو في بيان علامات المؤمن الموالي لأهل بيت النبوة أي العلامات التي تميزه عن غيره، وهي علامات يختص بها في بيان موالاته لأهل البيت. فان قيل: وهل هذه العلامات هي وحدها ما يميز المؤمن الموالي نقول: لا ولكنها ما تزل من ابرز علائم الانسان الموالي واهم ما يميزه عن غيره.

ثانيا: ان علامات المؤمن في اطارها العام كثيرة وهي تتنوع في جميع المجالات العبادية والاخلاقية، في معاملاته وعباداته، في ظاهره وباطنه، سره وعلانيته، اما العلامات التي اشار اليها الامام العسكري (ع) فهي علامات ظاهرية تأطر لهوية الانسان الموالي لأهل البيت وتفصح عن ملمح من ملامح هويته العقائدية، مع ملاحظة ان الموالين لأهل البيت كانوا في عهد الامام العسكري يمرون بأشد المحن والاضطهادات من قبل السلطة الحاكمة واذنابها من الظالمين والنواصب والمنافقين، وقراءة سريعة لجرائم ذلك العصر التي ارتكبت بحق محبي ال بيت النبوة تبين مدى الخوف والارهاب الذي كان يتعرض له الانسان بسبب حبه وموالاته وكيف اصبحت هويته العقائدية امام امتحان اضطهاد السلطة.

ثالثا: إن زيارةَ أربعينَ مؤمناً ممّا حث عليهِ الإسلامُ بل أكثرَ من أربعين على فتراتٍ متقطِّعةٍ، فهيَ من علائمِ الإيمانِ عندَ الخاصَّةِ والعامَّة، ولم يُخَصَّ بها المؤمنونَ المُوالونَ ليمتازوا عن غيرِهِم، نَعَمْ زيارةُ الإمامِ الحسين (ع) يومَ الأربعينَ مِن صَفَرٍ ممّا يدعو إليها الإيمانُ الخالِصُ لأهلِ البيتِ (ع).

رابعا: هناك عشرات الروايات المروية عن الائمة المعصومين التي تذكر زيارة الاربعين وتفصل طقوسها وتبين اعمالها وتذكر نصوص ادعيتها وتبين اول من زار الحسين (ع) في العشرين من صفر وروايات كثيرة وتفاصيل اكثر واكثر.

ومن تلك الروايات التي تؤكد ما اثبتناه بان حديث الامام العسكري مختص بزيارة الامام الحسين (ع) ما رواه الشَّيخ أبو جعفر الطّوسيّ في التَّهذيب ج6 ص47، فإنَّهُ ـ رحِمَهُ الله ـ بعدَ أن روى الأحاديثَ في فضلِ زيارتِهِ المُطلقة، ذكَرَ بعدَها الزِّياراتِ المُقيَّدةِ بأوقاتٍ خاصَّةٍ ومنها يومُ عاشوراء، وبعدهُ روى هذا الحديث (علاماتُ المؤمِن خمْس).

وفي مصباح المتهجد ذكرـ رحمه الله تعالى ـ شهرَ صفر وما فيهِ مِنَ الحوادِثِ ثمَّ قال: وفي يومِ العشرينِ منهُ رجوعُ حُرَمِ أبي عبدِ اللهِ (ع) من الشَّامِ إلى المدينة، وورودُ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ الأنصاريّ (رضي الله تعالى عنه) إلى كربلاءَ لزيارةِ الإمامِ أبي عبدِ اللهِ(ع)، فكانَ أوَّلَ مَن زارَهُ منَ النَّاسِ وهي زيارةُ الأربعين.

وقال العلاّمة الحلّي في المنتهى كتاب الزيارات بعد الحجّ: يستحب زيارة الإمام الحسين (عليه السَّلام) في العشرين من صفر.. ثمّ قال: روى الشيخ عن الإمام أبي محمَّد العسكري (عليه السَّلام) أنّه قال: علامات المؤمن خمس..

وقال السيد ابن طاووس في الإقبال عند ذكر زيارة الإمام الحسين (عليه السَّلام) في العشرين من صفر قال: روينا بالإسناد إلى جدّي أبي جعفر الطّوسي فيما رواه بالإسناد إلى مولانا الحسن بن عليّ العسكري (عليه السَّلام) قال: علامات المؤمن خَمس...

ونقل العلاّمة المجلسي في مزار البحار هذا الحديث عن ذكر فضل زيارة الإمام الحسين (عليه السَّلام) يوم الأربعين، ووافقهم صاحب الحدائق في باب الزّيارات بعد الحجّ فقال: وزيارة الإمام الحسين (عليه السَّلام) في العشرين من صفر من علامات المؤمن.

وحكى الشيخ القمي في المفاتيح هذه الرواية عن التهذيب ومصباح المتهجد في الدّليل على رجحان الزيارة في الأربعين من دون تعقيب باحتمال إرادة أربعين مؤمناً.

والشيخ المفيد قال باستحباب الزيارة في العشرين من صفر في كتابه مسار الشيعة، والعلاّمة الحلّي في التذكرة والتحرير، وملا محسن الفيض في تقويم المحسنين.

خامسا: ان المقصود بـ "زيارة الاربعين" الواردة في كلام الإمام العسكري (عليه السَّلام) هو زيارة مولانا الإمام الحسين (عليه السَّلام) ومن دلائل ذلك دخول الألف واللام العهديةّ على كلمة "أربعين" إشارة للتنبيه على أنّ زيارة الأربعين كانت معروفة ومتعارف عليها بين محبي وموالي اهل البيت (ع) وهي متداولة بلفظها المتعارف عليه كما متداول الان من دلالة اللفظة المفردة (الاربعين ) فمن المعروف نحويا ان اللام العهديّة تدخل على المسنَد إليه للإشارة إلى فرد معهودٍ خارجاً بين المتخاطبين (جواهر البلاغة: ص132 المبحث الثامن في تعريف المسنَد إليه بأل)، وهذا نظير قوله تعالى: [كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً فعصى فرعونُ الرّسولَ] فالرّسول محلَّى باللام العهديّة التي دخلت على الإسم المسنَد إليه، فالرّسول في الآية كان معهوداً في زمن فرعون وهو موسى النبيّ، وفرعون الزنديق عصى موسى الرّسولَ المعهود يومذاك. فإنّ "الأربعين" اسمٌ أُسنِدَ إليه الألف واللام العهدية حيث إنّ زيارةَ الإمام يوم الأربعين من يوم شهادته أمرٌ معهودٌ بين الشيعة، لذا لم تقتضِ الضّرورةُ ذِكْرَ قيدٍ لفظيٍّ أو قرينةٍ لفظيّةٍ تحدِّدُ أو تقيِّدُ اللفظَ المذكور باليوم المعهود وهو العشرون من صفر، فثمة قرينة حالية أوجبت فهم العلماء الأعلام من هذا الجملة خصوص زيارة الإمام الحسين (عليه السَّلام)، والقرينة الحالية هي السيرة القائمة على زيارة الإمام (عليه السَّلام) في العشرين من صفر. والنتيجة انه لا توجد قرينة تدلّ على أنّ الأربعين هو أربعون مؤمناً، وحيث إنّ اللام تُفيد العهدَ، وحيث إنّ السيرة العمليّة للفقهاء والأعلام والمتدينين يحيون يوم العشرين من صفر وهذه السيرة مرتبطة ومتصلة بعمل الإمام زين العابدين (عليه السَّلام) وعقائل الوحي وبعض صحابة النبيّ كجابر، يتضح حينئذٍ استحباب ومشروعيّة زيارة الأربعين الحسينيّة، ولا يُقصَد من حديث الإمام العسكري (عليه السَّلام) ما توهّمه بعضُهم.

وبهذا التقريب يتضح أنّ المراد بزيارة الأربعين في الحديث هو زيارة الإمام الحسين المظلوم (عليه السَّلام).

* مقال نشر في شبكة النبأ المعلوماتية- 8/كانون الثاني/2012 - 14/صفر/1433

اضف تعليق