q
ملفات - عاشوراء

الأربعين ذكرى وزيارة

(زيارة الأربعين) تجمع الحزن كله، وتستحضر ما وقع على أهل البيت من الظلم كله، وتستحضر إباء أهل البيت وشموخهم وشجاعتهم ونبلهم، فيكون المحب والزائر أمام مواقف عظيمة يتوهج فيها عزمه ليكون في أعلى مراتب الورع والتقى، وتهز مشاعره ليكون في أعلى حالات النبل والعطاء، فأحزان...

تطل (زيارة الأربعين) على فواجع يوم عاشوراء، حيث يُرشق الإمام السبط بالسهام والنبال حتى صار درعه كالقنفذ، ثم يأتيه حجرٌ فيقع على جبهته، وبينما يأخذ الثوب ليمسح الدم عن عينه، يأتيه سهم محدّد مسموم له ثلاث شعب، فيقع في صدره على قلبه، فيقول (عليه السلام): (بسم الله وبالله، وفي سبيل الله، وعلى ملّة رسول الله)، ثم يرفع رأسه إلى السماء ويقول: (إلهي إنك تعلم أنّهم يقتلون رجلاً، ليس على وجه الأرض ابن نبيّ غيره).

وتطل (زيارة الأربعين) على أحزان ما بعد يوم عاشوراء، حيث (زينب بنت علي) في ليلة الحادي عشر من المحرّم الحرام/61هـ، وقد باتت العائلة النبوية مفجوعة، فالرجال صرعى مرمّلون بدمائهم، والظهور والمتون قد سوّدتها السياط وكعاب الرماح، وليس لهم طعام حتى يقدّموه إلى مَنْ تبقّى من الأطفال. وحيث يقول الإمام زين العابدين (عليه السلام): (فتحت عيني ليلة الحاديّة عشر من المحرّم، وإذا أنا أرى عمّتي زينب تصلّي نافلة الليل وهي جالسة، فقلتُ لها: يا عمّة، أتصلين وأنت جالسة؟ قالت: نعم يابن أخي، والله إنّ رجلي لا تحملني).

وتطل (زيارة الأربعين) على مصائب ما بعد يوم عاشوراء، وقد أراد ابن زياد ان يتشفى من عزيزة نبي الإسلام، الحوراء زينب، فقال: "الحمد لله الذي فضحكم وأكذب احدوثتكم". فقالت (عليها السلام): (إنما يفتضح الفاسق، ويكذب الفاجر وهو غيرنا). فقال ابن زياد: "كيف رأيت صنع الله بأخيك وأهل بيتك". فقالت: (ما رأيتُ إلا جميلاً، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل، فبرزوا الى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم، فانظر لمن الفلج يومئذ، ثكلتك امك يا ابن مرجانة).

إن (زيارة الأربعين) تجمع الحزن كله، وتستحضر ما وقع على أهل البيت من الظلم كله، وتستحضر إباء أهل البيت وشموخهم وشجاعتهم ونبلهم، فيكون المحب والزائر أمام مواقف عظيمة يتوهج فيها عزمه ليكون في أعلى مراتب الورع والتقى، وتهز مشاعره ليكون في أعلى حالات النبل والعطاء، فأحزان عاشوراء تدفع المؤمن والمؤمنة الى التعبير العملي عن حبه لسيد الشهداء (عليه السلام) بالكلمة الطيبة والعمل الصالح، والارتقاء بورعه، وتشذيب خلقه وسلوكه، وزيادة علمه، ونظم أمور دنياه وآخرته، وقول كلمة حق عند حاكم فاسد أو عالم سوء، وأعمال تنفع الناس فـ(خير الناس من نفع الناس).

إن زيارة الأربعين وما تنطوي عليه من حالة باهرة من تآلف الناس وتعاونهم فيما بينهم، دليل على استعداد وقدرة هؤلاء الناس على الإنجاز، وإزاء هذا تبقى ماثلة مسؤولية تأهيل هذا الحضور الأربعيني والارتقاء به (ورعاً وعبادة وسلوكاً وأداء وخدمة وقولاً وعملاً) وهي مسؤولية الجميع.

ومن الواقع، فإن استثنائية العطاء في الأموال والأنفس، والمودة الصادقة لـ(محمد وآل محمد)، ما زالت لم تُوظَف كما ينبغي، وإن لزيارة الأربعين خصوصية في تحفيز المؤمنين والمؤمنات نحو الأهداف السامية، ما يلزم أن تُستثمر هذه الزيارة في مشروع ثقافي يستنهض قدرات الأربعينيين في خطة عمل إيمانية وحياتية شاملة.

ويبقى الهدف المحور، في زيارة الأربعين، هو ذات الهدف النبوي، فقد قال النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله): (إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق). وصولاً إلى تجسيد ثقافة أهل البيت (عليهم السلام) على أرض الواقع، وهي الثقافة التي فيها الخير والسلام والرفعة والرفاه للعباد والبلاد، وهي الثقافة التي بأمّس الحاجة إليها البشرية اليوم، حيث تضمن للإنسان السعادة وللأمة العزة.

اضف تعليق