q

خلال مناسبة إحياء ذكرى الامام الحسين، عليه السلام، في شهري محرم الحرام وصفر الخير، أجمع الكتاب والخطباء والعلماء على أنه، عليه السلام، منار للقيم والفضائل وبوصلة للإصلاح والتغيير في الفرد والمجتمع، والى جانب البعد الانساني، فهو تجسيد للبعد الديني كونه الشهيد الذي بذل كل ما لديه للحفاظ على روح الاسلام؛ هذه الرسالة وصلت من خلال المجالس الحسينية والشعائر الحسينية المختلفة، بل ومجمل مظاهر الحزن والعزاء التي انطلقت بمعظمها من الحسينيات والهيئات في كل مكان بالعالم، ولاسيما في العراق، فهل يجب ان ننتظر عاماً آخر لاستذكار كل هذه الدروس والعبر؟ وهل للحسينيات وقت محدد للعمل (دوام رسمي حسب التعبير العراقي)، كما هو حال بعض الدوائر والمؤسسات؟

الحسينيات روح النهضة الحسينية

عندما نتحدث عن القيم والفضائل التي جسدها الامام الحسين، عليه السلام، وأنها نفذت في النفوس والضمائر، فهذا يعني أنها تواكب حياة الانسان طوال حياته، وليس فقط في شهري محرم وصفر، فمثلاً؛ في شهر ربيع الاول القادم، وسائر الشهور، كيف يتحسس الناس هذه القيم والعبر من النهضة الحسينية، وكيف تكون حيّة نابضة في نفوسهم لتنعكس على سلوكهم وتصرفاتهم وطريقة تفكيرهم؟

الحسينيات والهيئات وحتى المواكب الخدمية قامت بدورها العظيم في تخليد ذكرى واقعة الطف خلال الشهرين الماضيين، وتركت آثاراً واضحة في النفوس على الاصعدة الاخلاقية والدينية والثقافية وحتى الاجتماعية، والى جانب الرثاء واستذكار المصيبة، يجدر بالحسينيات الاستفادة من هذه الطراوة النفسية واللين القلبي وتجسيد القيم والمبادئ الحسينية بفتح ابواب الحسينيات على مدار السنة، لتكون نقطة انطلاق الإصلاح الذي ضحى من أجله الامام الحسين، عليه السلام، بدمه وأهل بيته، وذلك بجملة مشاريع نذكر منها:

المكتبة العامة

لا يختلف اثنان اليوم على دور الكتاب في ضخ الوعي وصناعة الثقافة الاصيلة، وكلما اتسعت معارف الانسان وزادت معلوماته، كان أقرب الى حل مشكلاته، بل والتطلّع الى الافضل في حياته.

إن المكتبة الموجودة في الحسينية، لهي أحسن مكان لعقد الصداقة بين القارئ والكتاب، وتكريس ثقافة المطالعة في نفوس الجميع؛ من الطفل الصغير مروراً بالشباب وحتى الكبار بالسنّ، والحُسن هنا يكمن في أن الناس سيجدون الكتب التي لا تتعارض مع قيم النهضة الحسينية من حيث الافكار الواردة فيها، فالحديث عن الحرية والكرامة الانسانية والاستقلال والظلم وصفات اخلاقية مثل الوفاء والشجاعة و الايثار والتكافل وغيرها من المفاهيم والقيم، يكون مسنجماً من حيث المبدأ مع هذه النهضة المباركة، يبقى التفاوت في الطرح والاسلوب، وهذا متروك لإبداع الكاتب وقدرته على إيصال الفكرة الصحيحة الى القارئ.

الندوات والملتقيات

الحديث عن حرية الرأي والتعبير تبدو كلمات جميلة في ظاهرها اللفظي وتبقى جامدة على ارض الواقع تبحث عن مصاديق عملية، وهل حرية التعبير عن الرأي والفكرة، مقتصرٌ على فئة الكتاب والمثقفين والعلماء والخطباء؟

إن وجود مساحة جماهيرية تمكن الجميع من إبداء آرائهم في مختلف الامور؛ نقداً أو تطويراً أو تقويماً، وايضاً الافصاح عما يدور في اذهانهم من اشكاليات، من شأنها ان تحل الكثير من العقد والمشاكل التي نلاحظ التخبط فيها بشكل فضيع يترك آثاره على السلوك والعادات في اوساط المجتمع.

وربما تكون الظواهر السلبية والمشاكل ما يقضّ مضاجع الناس في الوقت الحاضر بحثاً عن الحل، بيد أن هذه الملتقيات من شأنها ايضاً ان تفتح آفاق التطوير والتنمية، لاسيما ما يتعلق بالشباب والطفل والمرأة، في ميادين التربية والتعليم والتنمية البشرية.

وفي خطوة لاحقة بعد التنظير، تكون الخطوة المكملة في التطبيق من قبل الجهات المختصة بعد أن تتحول هذه الملتقيات الى رأي عام يحمل قضية مشكلة بحاجة الى معالجة بامكانات كبيرة، مثل النظافة في الاحياء السكنية أو تعبيد الطرق، وملاحقة ظواهر شاذّة مثل اطلاق العيارات النارية او التسكّع في الطرقات وغيرها.

في هكذا أجواء ودّية وفي ظل كيان ملهم للنفوس، وهو الحسينية، يستشعر الانسان بقيمة الثقافة والفكرة وانها لن تكون دائماً حبيسة الكتب وتنظير المنظرين، انما ترسم خارطة طريق لافراد المجتمع والامة لتجنب الخطأ وتحقيق الأفضل في الحياة الاجتماعية او الاقتصادية والسياسية ايضاً.

مركز ثقافي تنموي للشباب

في جميع المجتمعات الاسلامية – بلا استثناء- التي تحظى بنسبة لا بأس بها من الشباب بين تعداد نفوسها، لا أحد يتذكر الشباب ولا يتحدث عنهم إلا عندما تصطبغ هذه الشريحة الفتية والمقتدرة بلون المشكلة او الظاهرة السلبية، مثل ظاهرة الادمان على التدخين او ظاهرة البطالة او ظاهرة التجاوز على حرية وكرامة الجنس الآخر، بما يسمى اليوم بـ "التحرش الجنسي"، أو ظواهر اخرى نجدها خطيرة ويصرف الخبراء والعلماء الاوقات والامكانات للبحث في الاسباب والعوامل، بل حتى ينظرون للحل، وهو كله حسنٌ، بيد أن الأحسن؛ الوقاية من الداء بدلاً من التفكير بالعلاج.

عندما تكون الحسينيات مركزاً لتجمع الشباب طيلة أيام السنة، فان المفيد في هذا صياغة ثقافة واحدة مستوحاة من فكر أصيل وعقيدة سامية نراها متجسدة بالقرآن الكريم وسيرة حياة أهل البيت، عليهم السلام، فعندما تكون الرسالة باتجاه طاعة الوالدين والمودّة لهما وإعطائهما حقهما في الاطار المنصوص عليه، ستكون لدينا قاعدة ثابتة في طريقة التعامل الأسري يستفيد منها الطالب الجامعي والأب الكادح والأم، ربة البيت، وسائر افراد العائلة، بقطع النظر عن المستوى العلمي والثقافي للأبوين، او حتى مزاجهما وأخلاقهما في التعامل، ولن يكون بعد ذلك، أحدٌ بحاجة لوضع قوانين خاصة به او فرض ارادات في ضوء افكار من وراء الحدود، وهي التي نراها تخلق مشاكل ليس أقلها ترك الأبوان الشاب يعمل ما يريد للتخلص من وجع الرأس!

اذا وجد الشاب وايضاً الأسرة، مركزاً يفتح فيه كل الملفات ويجري فيه الحديث بكل صراحة ومسؤولية، عن جميع شؤون الحياة الخاصة بالشباب، من تنظيم العلاقات مع المجتمع واختيار الاصدقاء والتحكم بالعواطف والغرائز وحتى النزول الى أسواق العمل وغيرها من الامور الجزئية والصغيرة، فان المجتمع سيكون امام مستقبل مشرق وآمن من حيث نشوء جيل محصّن فكرياً وثقافياً يتطلع نحو التطور والتقدم.

إن اغلاق ابواب الحسينيات طيلة تسعة أشهر أشهر في السنة، مع احتساب شهر رمضان المبارك، من شأنه ان يفتح ابواب أخرى امام الشباب والشابات وحتى الاطفال للتوجه الى مصادر معرفية أخرى متوفرة في وسائل الاتصال الاجتماعي والانترنت، ربما تلحق بهم ضرراً في عقيدتهم و اخلاقهم.

اضف تعليق