q

يعيد المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) أسباب الإساءة عبر الرسوم الكاريكاتيرية في مجلة شارلي ايبدو الفرنسية، يعيدها الى امرين مهمين هما:

الاكاذيب والتلفيق في الاحاديث على لسان النبي (صلى الله عليه واله وسلم) والتي تزخر بها كتب الصحاح والتاريخ الرسمي للمسلمين، وهو ماحذر منه (صلى الله عليه وآله) بقوله: «كثرت عليّ الكذّابة وستكثر» وهم الذين يختلقون الأحاديث وينسبونها له، أو يلصقون بسيرته صلى الله عليه وآله ما ليس من سيرته. ومنها ما كتبوه في كتبهم استناداً إلى الأكاذيب المكذوبة على النبيّ صلى الله عليه وآله، أن (نبيّ الإسلام كان رجلاً مغرماً بالنساء، بل يسعى لتطليق من يهواها من زوجها لكي يصل إلى مبتغاه ثم كان يأتي بآيات مفتريات في ذلك).

هذه الأكاذيب والروايات الموضوعة تعدّ من الأسباب والعوامل المهمّة جدّاً وراء صدود غير المسلمين وعدم إقبالهم على الإسلام واعتناقه؛ لأن هذه الموضوعات قد عملت على تشويه سمعة وصورة النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله كثيراً ورسمت له بعض الحالات التي يتأبّى كثير من الناس العاديين أن يوصف بها. وإن هذه الرواية المدسوسة وأمثالها هي مادة دسمة لأعداء الإسلام الذين يسيئون للإسلام ولنبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله. فالكتب التي تثير ضجة في أوساط المسلمين في العالم وتسيء إلى الإسلام ونبيّه إنما تعتمد أمثال هذه المصادر والروايات لنشر إساءاتها ضدّ النبي صلى الله عليه وآله....

الامر الثاني الذي يشير اليه السيد المرجع هو أن الذين جاءوا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وقبل أمير المؤمنين صلوات الله عليه وبعده، كانوا قد شوّهوا صورة الإسلام بتصرّفاتهم وأسلوب حكمهم وإجرامهم وفسادهم وإفسادهم.

ومن جملة تلك الامور المفسدة على سبيل المثال، قتل الالاف من المسلمين اطفالا ونساء وشيوخا بسبب معارضتهم لتحول الحكم الى ملك عضوض.

ويتساءل السيد المرجع، هل هناك ما يستحقّ أن نعرضه للعالمين؟ هل نعرض عليهم ونعرّف لهم حكومة معاوية أم يزيد أم حكومة بني مروان أم هارون، أم المأمون، أم البهلوي، أم صدام، أم القذافي؟ فإذا عرّفنا للعالمين أيّ حاكم ممن حكموا في البلاد الإسلامية، عدا النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، فسيكون ذلك مدعاة على العار والخجل، فإنّ حاصل ما خلّفه أولئك الحكّام هو تحريف الإسلام وتحريف مسيرته.

وعن المظاهرات التي اُقيمت في دول الغرب، مناهضة للإسلام، والتي طالب فيها المتظاهرون برفض الإسلام ورفض بناء المساجد في بلدانهم، يرى السيد المرجع ان السبب في وقوع وحصول هذا الرفض وهذه المناهضات هي الصورة المشوّهة التي يراها العالم اليوم عن الإسلام من بعض المتلبّسين باسم الإسلام. فهل من الإسلام أن يقوم طفل أو أطفال وفي غير الحرب، بذبح الأشخاص مع ترديد هتاف الله أكبر؟!

هذان الامران يمكن تلمس الكثير من الدلائل على صحتهما، حيث يعتقد الكثيرون من الباحثين في الاجتماع والانثروبولوجيا، ان علاقة المسلمين بالإسلام والعصر اليوم متوترة وغير مستقرة، وتعاني من اختلالات وتأرجحات مختلفة، ويرجعون سبب ذلك التوتر الى ان بعضها يرجع إلى بعض المحمولات الدينية التي تتصادم مع التحديث، وبعضها الآخر مرتبط بطغيان الحداثة على الدين ومحاصرتها له، حيث لا تبقي له ولا تذر. ومن المؤكد في هذا السياق، أن هذا «التأرجح»، الذي يحكم الفعالية الحضارية العربية منذ مدة، ليست بالقصيرة، يؤثر على مصائر العرب والمسلمين في ميادين شتى سياسية وثقافية واجتماعية واقتصادية...

ويرى الباحث التونسي عبد المجيد الشرفي في مداخلة له بعنوان "تحوّلات المؤسّسة الدينيّة في زمن العولمة"، في ندوة عقدت بالرباط عن المؤسسة الدينية، أنّ المؤسّسة الدينيّة الرسميّة (السنية) أصبحت تزاحمها هياكل وتنظيمات اجتماعيّة أخرى تتحدّث باسم الإسلام، ولكن ليست لها نفس المرجعيّات التي تستند إليها المؤسّسة الدينيّة الرسميّة، بل إنّ هناك حركات دعويّة في العالم الإسلامي لا تتبع بالضرورة الدولة، وهي ما يدلّ على تشظّي المجال العمومي. والنتيجة المرتّبة على ذلك هي شيوع ظاهرة "الترميق" bricolage، فانتشرت أشكال من التديّن هجينة، وضاع المعنى نتيجة ذلك التشظّي وبرزت مؤسّسات جديدة، مثل "داعش" لا صلة لها بالمؤسّسة الدينيّة الرسميّة. ويعتقد الباحث ان مثل تلك التحولات هي نتيجة لما يعانيه الفكر الديني في الإسلام من صعوبة في تجديد مقولاته.

كيف تصل تلك الحمولات الدينية للمسلم المتلقي؟

تصل اليه من خلال خطب الجمعة، والتي يراها أحد الباحثين، تمثل خطابًا صادرًا عن فلسفة اجتماعية وسياسية، من خلال الموقع الذي تحتله في مختلف الأنظمة السياسية العربية والإسلامية وعبر مختلف الأطوار التاريخية التي مرّت بها.

وأنّ خطبة الجمعة هي انعكاس للسلطة السياسية اتساعًا وانغلاقًا: اتساعًا نحو أفق رحب عقلي وحجاجي توعوي، وانغلاقًا: على رأي فقهي أو سياسي أو مذهبي.

ويرى نفس الباحث إنّ الدور الإقناعي للخطبة يجعلها محطّ اهتمام الداعية والسياسي على السواء، فغايتها هي حمل السامع على التسليم بصحّة القول أو الفعل وصوابه أو عكس ذلك. فغاية الخطبة بذلك هي إذعان العقل وحمل الناس على فعل أو تركه.

الخطبة وغيرها من الوسائل الدعوية، تعمل على حضور الدين في الاجتماع، وبالتالي في الثقافة، وتجعل منه واقعة مادية يتعذّر نفيها.

التدين وهو السلوك الانساني كان ولازال على الدوام سبباً لموجات مزمنة من التوتر في الفضاء الاجتماعي، لا يتطابق تماماً مع الفضاء الديني ولا مع الفضاء الفردي.

لان التدين – في حقيقته – هو ممارسة الدين من داخل الاجتماع، ولذلك فهو في جميع الأحول ثقافة اجتماعية، وإن كان موضوعها الدين.

كيف تدخل الثقافة إلى بنية الدين الملزم؟

يؤكد الباحثون في علم الاجتماع الديني ان ذلك يتم من خلال مَدخَلين:

1- من خلال النص التأسيسي ذاته.

2- ثم من خلال الإضافات التي تتراكم عبر التعاطي مع النص بالتأويل وبالتنصيص.

ويؤكد اولئك الباحثون انه عبر التاريخ العام للتدين، كان الجيل الثاني (اللاحق على حقبة التأسيس) يبدأ في التحول من الدين إلى ثقافة التدين، حيث ينبثق الوعي بضرورة توثيق المواد الشفوية الصادرة عن المؤسس أو ذات الصلة به، وحيث تبدأ في التكوّن منظومات التدين النظري في الكلام والتفسير والفقه. ولكن عملية التوثيق لم تكن تُسفر عن ضربٍ من إعادة الهيكلة لبناء النص "الأصلي" فحسب، بل كانت تلعب على الدوام دوراً إنشائياً في تكوين بنية نصية جديدة أوسع من منطوق النص الأصلي. وهو مايمكن تسميته بـ "التنصيص"؛ أي اصطناع النص، أو نحل الوحي على الله عمداً، أو على سبيل الخلط الناجم عن تداخل المفاهيم.

 

اضف تعليق