q
يومان فقط بقيا من عمر السنة الحالية 2020، ثم تلفظ أنفاسها لتمضي كسابقاتها إلى مقبرة الزمن، آخذةً معها أحداثا جساماً على الأصعدة كافة، لكن الحدث المحوري الأصعب والأقسى، والأكثر خطرا على العالم والبشرية كلّها والذي لن يرحل برحيل 2020، هو الجائحة التي ضربت الأرض من أقصاها إلى أدناها...

يومان فقط بقيا من عمر السنة الحالية 2020، ثم تلفظ أنفاسها لتمضي كسابقاتها إلى مقبرة الزمن، آخذةً معها أحداثا جساماً على الأصعدة كافة، لكن الحدث المحوري الأصعب والأقسى، والأكثر خطرا على العالم والبشرية كلّها والذي لن يرحل برحيل 2020، هو الجائحة التي ضربت الأرض من أقصاها إلى أدناها، ونعني بذلك وباء كوفيد 19.

لم تكن سنة 2020 كغيرها أو كسابقاتها، ليس على الصعيد الصحي العالمي فحسب، فقد انسحب الوباء الجديد على أصعدة أخرى، لاسيما الاقتصاد العالمي الذي تعرّض لشلل شبه كامل، قاده إلى فقدان نموّه بنسبة كبيرة، فالاقتصاد لم يتوقف فحسب ولم تُشلّ حركة الاستثمار العالمي، وإنما تراجعت إلى ما تحت الصفر، وهذا ما أكدته دراسات اقتصادية عالمية متخصصة.

لو أتينا للعراق وما أحاط به من أحداث جسام في 2020، فهذا البلد الذي حاول التعافي من أمراضه منذ أكثر من عقد ونصف، قست عليه هذه السنة كثيرا، وجعلته يدور في دوّامات متعددة الأذرع، فهو من الناحية الصحية سقط كغيره من البلدان في قبضة وباء كورونا المستجد.

على الصعيد الاقتصادي تفاقم الطابع الريعي فيه، وظل يعاني من الترهل الوظيفي، وبقيَ اعتماد ميزانيته على النفط كمورد وحيد قائما، ومما زاد الطين بلّة ذلك الاضطراب السياسي المتفاقم بفعل مظاهرات تشرين، وتداعياتها التي أطاحت بحكومة ملتبسة، وأتت بحكومة أخرى أكثر التباساً.

المشهد الصحي الاقتصادي السياسي للعراق، لا يبشر بخير إذن، لاسيما في ظل ما يسمى بـ (الحرب بالوكالة)، واختيار العراق كساحة لتصفية الحسابات بين قوى إقليمية ودولية (إيران ومحور المقاومة من جهة، وأمريكا وحلفائها من جهة أخرى)، فلنتصور مأساتنا حين يؤول الأمر بجعل العراق ساحة حرب لهذين الطرفين المتحاربين منذ عدة عقود.

أزمة ثلاثية الأبعاد

في ظل هذا الوضع المعقّد، هل يمكن أن تنتهي بنا سنة 2020 إلى أخرى جديدة أفضل؟؟، لقد تصاعدت الأزمة الثلاثية في العراق، ونعني بها (الاقتصادية، السياسية، الصحية)، لنصل إلى إجراءات قاسية على الصعيد الاقتصادي، منها (خفض قيمة الدينار العراقي أمام الدولار)، في حين كان يُفترض أن يحدث العكس لو كانت هناك خطط اقتصادية محنكة وقادة محنّكون!

عجز الدولة والحكومة عن دفع رواتب موظفيها، مؤشر آخر عن خطورة الوضع الاقتصادي الذي وصل إليه العراق، والمشكلات التي تتفرع عن المشكلة الأم كثيرة، فهناك بالإضافة إلى العجز عن دفع الرواتب، تدهور قطاع الكهرباء، بسبب وقف توريد الغاز الايراني للعراق الذي يطفو على بحار من الغاز المهدور بالحرق المصاحِب، يُضاف إلى ذلك ارتفاع أسعار السلع، وأخطرها (الغذائية).

هذه كلّها مؤشرات عن أزمات كثيرة متداخلة مع بعضها، يستحيل حلّها دفعة واحدة، أو تفكيكها بشكل سريع، لذلك سوف يتم تدويرها (شئنا أم أبينا) إلى السنة القادمة الجديدة 2021، التي تنبئ بأزمات مستجدة ومخبّأة في قادم الأيام، سواءً على الصعيد الصحي المجهول (سلالات جديدة لكورونا)، أو السياسي (الانتخابات المبكرة)، أو على صعيد مستقبل الصراع (الإيراني الأمريكي).

مشكلات سنة 2020 ليست غامضة أو مجهولة، كلها ظاهرة وواضحة للعيان، لكنها متداخلة ومعقدة، وأسبابها أيضا معروفة، وإذا عُرف السبب بطل العجب، بمعنى حين نعاني من مشكلات مؤلمة، لأسباب معروفة علينا أن نبادر لوضع الحلول في سنتنا الجديدة 2021.

هل تتمكن الأحزاب والكتل السياسية في العراق، والتي تمتلك سلطة صناعة القرار، وإدارة شؤون البلاد السياسية والاقتصادية والصحية، من التصدي السليم للأزمات التي سيتم تناقلها بين سنة ستمضي وأخرى سوف تُقبِل علينا؟

فرصة الخلاص من حافة الهاوية

كثيرون يقولون إن هذه الطبقة بأحزابها وقادتها، سوف تكون عاجزة عن نقل البلاد إلى السنة الجديدة دون أن تنقل الأزمات والمشكلات نفسها معها، بمعنى سوف يعيش العراقيون سنة جديدة (2021)، لكنها مستنسخة عن سنة (2020) بكل أزماتها ومشكلاتها، إن لم تحمل في طيّاتها أزمات مخبأة أعقد وأخطر.

هذا الاستنتاج ليس بعيدا عن الواقع، بسبب طبيعة التركيبة السياسية في البلاد، بالإضافة إلى طبيعة الأوضاع الدولية والإقليمية، هذا على الصعيد السياسي، أما الاقتصادي والتعويل على إصلاحات الورقة البيضاء، فليس هناك مؤشرات قاطعة في هذا الخصوص، لاسيما أن من وضع محتوى الورقة البيضاء أكد على السقف الزمني الطويل لتطبيقها وجني ثمارها، هذا إذا توافرت إرادة التطبيق السليمة.

بالطبع ليس منطقيا أن يأمل العراقيون بخلاص تام من الأزمات المتراكمة، ولكن أليس من حقهم أن يطمحوا بدولة خالية من الأزمات الاقتصادية في ظل ثرواتهم الهائلة؟؟، نعم هذا هو استحقاق العراقيين في السنة القادمة، ولكن آلية التطبيق والتحقيق من يضعها؟؟ وكيف يتم تنفيذها؟؟

هذه هي الأسئلة التي كانت ولا تزال تتكرر في نهاية كل سنة منذ 2003 وإلى يومنا هذا، كيف ننهض بدولة العراق المدنية الحامية للحقوق والحريات والرأي والإعلام، نعم نحن أمام مشهد يزداد تعقيدا، ولكن لابد من نهاية لمسلسل التدهور المتواصل، لابد أن يتم إيقاف هذا الانحدار قبل بلوغ الهاوية بعد أن أصبحنا اليوم عند حافتها.

هناك من يرى ويعتقد ويقول، بأن محطة الإنقاذ سوف تتمثل بالانتخابات المبكرة المزمع إقامتها في حزيران القادم 2021، وهو قول قد يقترب من الصحة بشروط محددة ومعروفة، وقابل لعد التصديق والتحقق لأسباب معروفة أيضا.

ولكن في كل الأحوال لابد أن نعترف كعراقيين، بأن الفرص التي تم هدرها من قبل القادة السياسيين وكتلهم وأحزابهم، لا يمكن أن تتكرر، وقد تكون محطة الانتخابات المبكرة هي الأخيرة من بين مسلسل الفرص الكبيرة التي أتيحت لتصحيح مسار العملية السياسية وإنقاذ العراق.

إذاً فلتكن سنة 2021 سنة مختلفة في سياق الزمن العراقي، على الصعيد السياسي أولا، وليس هناك خيارات كثيرة أمام القادة المتحكمين بالمدخلات والمخرجات معا، ومع أننا نتفق على تعقيد المشهد وغموضه وتداخله، إلا أننا يجب أن نؤكد على أن هناك محطة إنقاذ قادمة حقيقية، ونعني بها الانتخابات المبكرة.

فإن آمن السياسيون بأنها (الانتخابات المبكرة)، فرصة أخيرة لمستقبلهم السياسي، ولحاضر ومستقبل العراق، فإن عليهم العمل بقوة وإيمان وحرص وتعاون وثقة، على توفير فرص إنجاح هذه الانتخابات، وهي شروط معلنة ومعروفة لهم جميعا، وعليهم النظر إليها بجدّية قاطعة، على أنها فرصة الجميع للإنقاذ، ساسةً، وشعباً، وبلداً اسمهُ العراق.

اضف تعليق