q
في ظل أزمة العراق الاقتصادية الحالية، لماذا لم تبادر إحدى الحكومات العراقية المتعاقبة، بتأسيس صندوق سيادي، على غرار بعض دول العالم، ومنها دول إقليمية، كدولة الكويت التي تعد تاريخيا أول دولة أنشأت هذا النوع من الصناديق؟ الجواب من يهدر الثروات والأموال بطريقة منظمة، من المحال أن يرد في باله أو خططه الاقتصادية...

صندوق الثروة السيادية أو الصندوق السيادي، هو صندوق مملوك من قبل دولة، يتكون من أصول مثل الأراضي، أو الأسهم، أو السندات أو أجهزة استثمارية أخرى. من الممكن وصف هذه الصناديق ككيانات تدير فوائض الدولة من أجل الاستثمار. وهي مجموعة من الأموال تعد بمليارات الدولارات تستثمرها الدول في الأسهم والسندات.

السؤال الأهم في ظل أزمة العراق الاقتصادية الحالية، لماذا لم تبادر إحدى الحكومات العراقية المتعاقبة، بتأسيس صندوق سيادي، على غرار بعض دول العالم، ومنها دول إقليمية، كدولة الكويت التي تعد تاريخيا أول دولة أنشأت هذا النوع من الصناديق؟

الجواب واضح بطبيعة الحال، فمن يهدر الثروات والأموال بطريقة منظمة، من المحال أن يرد في باله أو خططه الاقتصادية، تأسيس هذا النوع من الصناديق التي تؤمن حاضر ومستقبل الشعوب.

سؤال آخر يتردد بين أوساط العراقيين مفادهُ، حين تُصبح الحكومة عاجزة عن دفع رواتب موظفيها، هل يمكنها وأد الفساد؟؟

الإجابة عن هذا السؤال بمسؤولية وصدق، من قبل السلطات الثلاث، التنفيذية والقضائية والتشريعية، قد تشكل بداية لمعالجات جادّة، كي يضع العراقيون هذا الملف المعقّد والخطير خلف ظهورهم، وينشغلوا بالتقدم والتطور الذي ينشغل به العالم المتقدم، ويتنافس فيه الجميع بلا هوادة لتحقيق السبق أو التفوق على الآخر.

لماذا لم تستطع السلطات العراقية معالجة هذا الملف، على الرغم من أن العراق يعاني منذ عقود متتالية من سوء الإدارة لثرواتهم، فبات يسودهم الفقر بشكل دائم، ويحيل أحلامهم إلى هباء، ويقظتهم إلى واقع قاهر يغصّ بالظلم والفقر والحرمان، ولا يتعلق سوء الإدارة بفشل السلطات أعلاه فقط، بل هناك جانب آخر يتعلّق بهدر الثروات وتبديدها بشكل منتظَّم، فما هو؟؟

ليس جديدا الحديث عن ثروات العراق وخيراته، وكما يُقال (من فمكَ أدينك) كما صرّح مسؤولون عبر وسائل الإعلام المختلفة عن غنى العراق بثرواته المتنوعة، النفط والغاز والمعادن والتمور وسواها، إذ تشير المعلومات إلى أن أرض العراق تضم في طياتها ثروات هائلة، ويكفي التذكير بأن الاحتياطي النفطي العراقي يقع ضمن المراكز الثلاثة الأولى على مستوى العالم، كما تشير تقارير متخصصة حديثة إلى ذلك بما لا يقبل التشكيك.

العراق بلد غني عبر التاريخ

هناك معلومات وتصريحات أطلقها مسؤولون من ضمن السلطات الثلاث، حيث صرّح في وقت سابق أحد أعضاء لجنة النفط والغاز النيابية، أن حجم احتياطي النفط العراقي المثبت بحسب المسح الجيولوجي الزلزالي يبلغ نحو 350 مليار برميل، ليتجاوز بذلك احتياطي السعودية الذي يبلغ أكثر من 260 مليار برميل والتي تتصدر حاليا الترتيب العالمي بحجم احتياطها النفطي، وهي معلومات ليست جديدة، كما أن المنظمات الدولية المتخصصة تحتفظ بها وتشير إليها في مؤتمراتها الاقتصادية الدورية.

غنى العراق ليس طارئا، ولا يتعلق بثروة النفط، فهو بلد السواد لكثرة بساتينه وخيراته، لكنه في العصر الحديث امتلك ثروات نفطية ومعدنية، لهذا من الإنصاف أن تكون موارده المالية هائلة أيضا، وهذا ما تؤكده الأموال الضخمة التي حصل عليها العراق مقابل تصديره للنفط، وتؤكده الميزانيات الانفجارية أيضا، لكن ما يحز بنفوس العراقيين أن هذه الثروات الكبيرة والميزانيات الانفجارية تحوّلت إلى هباءً منثورا.

من الغرابة بمكان أن يبقى العراق وشعبه في دائرة البلدان الفقيرة رغم ثرواته هذه، فقد أعلن حكوميون مختصون من السلطة التشريعية وسواها، أن ديون العراق بلغت مع تمرير قانون الاقتراض الأخير 160 مليار دولارا!!، بسبب سوء الإدارة والفساد المالي والإداري، وهو سبب رافق جميع الحكومات العراقية، ولا يمكن لأحد من الحكومات السابقة أن يتنصل من هذه المسؤولية وهذا الإخفاق المدمِّر.

فالأسباب واضحة وجلية، يعرفها أعضاء السلطات الثلاث ورؤساء الكتل والأحزاب السياسية، مما تسبب في هدر خطير تعرضت له ثروات العراقيين ولا تزال، يساند هذا الهدر الإدارة الفاشلة للأموال الضخمة في غياب التخطيط السليم وضعف الضوابط الرادعة، وتراجع تطبيق القوانين التي تحافظ على المال العام.

من أسباب الديون العراقية وتضخمها المستمر، انتشار ظاهرة تعد من اخطر الظواهر، وأشدها فتكا بالمجتمع وقيمه وأخلاقياته، فضلا عن موارده التي تتعرض للسرقة والتجاوز في وضح النهار، تلك الظاهرة التي بلغت أقصاها في الأعوام الأخيرة، وهي عبارة عن عمليات فساد وسطو على أموال وحقوق الشعب، تتم بطرائق عديدة تحمل شتى أنواع الاحتيال، تقوم بها مافيات دولية ومحلية كي تنهب ثروات العراقيين، وكأن البلد مفتوح الأبواب للجميع دون رادع أو قانون أو سيادة.

الرقابة والحوكمة هي الحلّ

ومما يثير الدهشة والمزيد من التساؤلات ذلك العجز الخطير للسلطات العراقية، إزاء وقف الفساد المنظَّم، حيث عجزت حتى الآن عن معالجة ظاهرة تبديد الثروة، كونها لا تتمكن من حماية المال العام بسبب التعقيدات السياسية والصفقات المتبادلة، وتفضيل المصالح الفردية والحزبية على مصلحة الشعب، في غياب منظومة القيم الأخلاقية، فضلا عن غياب الرقابة والحوكمة، والإجراءات القادرة على حماية ثروات العراق واستقلالية قراراته.

ولابد من الإشارة والتأكيد هنا على أن جميع الحكومات التي تعاقبت على حكم العراقيين، تفننت في تبديد هذه الثروات، رغم أن الجهات المعنية تقول بأنها تكافح الفساد، لكن ما نراه ونلمسه، أن ظاهرة تبديد الثروة لا تزال حاضرة بيننا، يرافق هذا التبديد المنظّم، تلكّؤ أو غياب شبه تام للاستثمار، إلا بمقدار ذر الرماد في العيون، وهذا أمر مكشوف لأبسط العراقيين، فالفساد وأربابه لا يزالون يتسببون بهدر منظّم للثروات العراقية دون خوف أو تردد.

أما المطلوب منّا كعراقيين، ومن الجهات ذات العلاقة، كي نتخلص من المشكلات الاقتصادية المتفاقمة، وكما يحصل اليوم في واقعنا الاقتصادي المتهالك، فإن الصمت على ما يجري لم يعد مقبولا على ظاهرة تبديد الثروة بشكل واضح بل ومدروس ومنظّم، لأن أية ظاهرة لا يمكن لها الديمومة والاستمرار ما لم تكن مدعومة بالتخطيط، فضلا عن عجز السلطات المختصة في مواجهتها بالجدية الحاسمة.

الحلول واضحة للسلطة التنفيذية ولغيرها، ولا سبيل أمام الجهات الحكومية المعنية، لإنكار التبديد المنظَّم لثروات العراقيين، بمن فيهم الأجيال اللاحقة، وعلى تلك الجهات أن تحوّل هذا التبديد المدروس للثروة، إلى استثمار مدروس، يخدم الشعب في الحاضر والمستقبل، وهذا أقلّ ما يستوجب على الجهات المعنية القيام به بإرادة لا تلين، أما الحملات التي تشنها السلطة التنفيذية بين حين وآخر، عبر تشكيل لجان عليا لمحاربة الفساد، فهي لم تثبت حتى الآن بأنها قادرة على وقف الفساد، فكيف يمكنها القضاء عليه؟؟

اضف تعليق