q
العقيدة بالإمام المهدي هي من العقائد الراسخة رسوخ الإيمان بالرسالة والرسول (ص) وذلك لأن الإمام يُشكِّل امتداداً لجدِّه الرسول (ص) ومتمِّماً رسالته بتأويلها على أرض الواقع في الحياة الدنيا وهي العقيدة التي ورد فيها من الأحاديث والروايات ما يفوق أي عقيدة أخرى حتى التوحيد...

مقدمة عقائدية

العقيدة هي مسألة ترتبط بالقلب ويعقد عليها حتى تُسمى عقيدة، وبما أن القلب عرش الرب سبحانه وتعالى فأور العقيدة أول ما يتعلق بالله ورسله وكتبه وملائكته وقدره وكل غيب من عنده كل ذلك لا نعرف عنه شيء لولا أن يُخبرنا العليم الخبير عنه إما في كتابه وإما عن طريق رُسله وأوليائه (ع) الذين ارتبطوا به فأوحى إليهم بشكل من أشكال الوحي وعلمهم ما شاء من تلك العلوم التي خرج منها رشحات نورانية على البشرية ولولا ذلك ما عرفنا شيء عن تلك العوالم.

ومن تلك العقائد الحقَّة المحقة هي عقيدتنا بالمخلِّص في آخر الزمان، وهي عقيدة يؤمن بها كل أهل الأديان السماوية والأرضية المصطنعة، فالكل يبحث عندما تعضُّه الأيام والظروف عن المخلِّص الذي يتعلق قبله به عند ضيقته وينقطع الأمل من كل الأسباب فيتعلق القلب بشيء غائب هو الذي يُخلِّص وهو الذي يُنجي، وهو الذي يُنقذ وهو عند أتباع كل دين له اسم خاص فاليهود ينتظرون الماشيح اليهودي خاصة، والنصارى ينتظرون المسيح عيسى (ع)، والمسلمون ينتظرون الإمام المهدي المنتظر (عج)، وهنا لا تنظر إلى أقوال المهرِّجين من أتباع ابن تيمية وابن عبد الوهاب الحثالة الذين يُنكرون كل عقيدة إسلامية ويُشوِّهونها بعقائد باطلة استوردوها من التوراة ولكن ألبسوها لباس الإسلام كذباً ودجلاً أصبح مفضوحاً بحمد الله..

الإمام المهدي (ع) عقيدة راسخة

فالعقيدة بالإمام المهدي هي من العقائد الراسخة رسوخ الإيمان بالرسالة والرسول (ص) وذلك لأن الإمام يُشكِّل امتداداً لجدِّه الرسول (ص) ومتمِّماً رسالته بتأويلها على أرض الواقع في الحياة الدنيا وهي العقيدة التي ورد فيها من الأحاديث والروايات ما يفوق أي عقيدة أخرى حتى التوحيد، فقد ذكر العلماء أن لدينا موسوعة من الأحاديث تتفوَّق على ستة آلاف حديث ورواية شريفة تتحدث عن الإمام المهدي (ع) ودولته والفتن وإرهاصات ظهوره في آخر الزمان، فهل ورد في التوحيد أو النبوة كل هذا الكم الهائل من الروايات المباركة؟

فمسألة الإمام المهدي (ع) من المسائل العقائدية والواقعية الضرورية التي لا يتطرقها الشك إلا من أولئك الذين يُشككون بكل شيء، ويُكذِّبون بكل حقيقة وحتى ربهم شاب أمرد يركب على حمار ويلبس حذاء أحمر، ويضع رجله في النار ويجلس على الكرسي ويقطقط تحته ويُخفي تحت كرسيه يزيد الشر حتى لا تأخذه ملائكة العذاب إلى النار لقتله الإمام الحسين (ع)، وإلى غيرها من الهرطقات والكفريات التي جاد بها ابن تيمية وأكملها ونشرها ابن عبد الوهاب وأذنابه في هذه العصور المتأخرة والآن ظهروا على حقيقتهم الخبيثة حين ألقوا بأنفسهم في أحضان بني صهيون وغيرهم من أسيادهم في دول الاستكبار العالمي.

الإمام المهدي (عج) بشارة السماء

الباحث والمتأمل في كتاب الله القرآن الحكيم يجد أن الكثير من الآيات الكريمة تتحدَّث عن الإمام المهدي، تفسيراً وتأويلاً، حتى كُتبت الكتب في ذلك، كقوله سبحانه وتعالى: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) (القصص: 6)

فمنذ أن نزلت هذه الآية والأمة تبحث عن مصداقها فلم تجد ولن تجد إلا في دولة الإمام المهدي المنتظر (عج) فعن أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) قوله: (والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لتعطفن الدنيا علينا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها، وتلا عقيب ذلك: (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض)، وفي حديث آخر نقرأ عنه (عليه السلام) في تفسير الآية المتقدمة قوله: (هم آل محمّد (صلى الله عليه وآله) يبعث الله مهدّيهم بعد جهدهم فيعزّهم ويذل عدوّهم)، ونقرأ في حديث آخر عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) قوله: (والذي بعث محمّداً بالحقّ بشيراً ونذيراً، إنّ الأبرياء منّا أهل البيت وشيعتهم بمنزلة موسى وشيعته، وإن عدونا وأشياعهم بمنزلة فرعون وأشياعه)

ومن اللطيف أن الإمام الشيرازي الراحل (قدس سره الشريف) له في كتابه (حقائق عن الإمام المهدي (عج) شبه إحصائية روائية لبعض ما ورد في بعض الكتب بهذا الشأن حيث يقول: "إنّ الروايات المبشّرة بالإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) كثيرة جداً، جمع البعض منها 657 حديثاً، ومن بين هذه الأحاديث هناك: 389 حديثاً في (منتخب الأثر) تُصرّح أنّ المهدي الموعود (سلام الله عليه) من أهل البيت (عليهم السلام).

وأنّ 214 حديثاً تصرّح بأنّه (عليه السلام) من أولاد علي (عليه السلام).

و192 حديثاً تفيد أنّه من أولاد فاطمة وعلي (عليهما السلام)، أي أنّه ليس من ذرية محمّد بن الحنفية أو سائر أولاد أمير المؤمنين (عليه السلام).

و107 أحاديث تنصُّ على أنّه من أولاد الحسنين (عليهما السلام).

و185 حديثاً تدلّ أنّه من أولاد الإمام الحسين (عليه السلام)، وبذلك تصبح الدائرة أضيق.

و160 حديثاً تنصّ على أنّ المهدي الموعود (عليه السلام) من الأئمّة التسعة من أولاد الحسين (عليه السلام).

و148 حديثاً تصرّح أنّه التاسع من ذرّية الإمام الحسين (عليه السلام) وهم: الإمام السجّاد، الباقر، الصادق، الكاظم، الرضا، الجواد، الهادي، العسكري، والتاسع هو المهدي (عليهم أفضل الصلاة والسلام).

و185 حديثاً تدل على أنّه من أولاد علي بن الحسين (عليه السلام).

و103 أحاديث تدلّ على أنّه من ذرّية الإمام الباقر (عليه السلام).

و103 أحاديث تدل على أنه من ذرّية الإمام الصادق (عليه السلام).

و101 حديثاً تشير بأنّه من ذرّية الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام).

و98 حديثاً تدلّ على أنّه الابن الخامس للإمام الكاظم (عليه السلام).

و95 حديثاً تدلّ على أنّه الولد الرابع للرضا (عليه السلام).

و90 حديثاً تدلّ على أنّه الولد الثالث للجواد (عليه السلام).

و46 حديثاً تدلّ على أنّه من أولاد أبي محمّد (عليه السلام) يعني الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وقد ذكر باسمه واسم أبيه.

و123 حديثاً تنصّ على أنّه يملأ الأرض عدلاً وقسطاً". (حقائق عن الإمام المهدي: ص60)

ويأتيك مَنْ يُشكك بهذا الإمام الهمام، وهذا النور المبين، وهذا المنتظر العظيم، فهو من الحقائق التي لا تقبل الشك، ولا الريب، وقد بشَّر الله به، ورسوله وأولياؤه أيضاً ولا يشك أو يشكك فيه إلا جاهل أو جاحد، وعلى نفسه يجني ولن يغيِّر ذلك من الحضور المحتوم لصاحب الأمر (عج) لأنه من المحتوم الإلهي في هذه الدنيا التي تنتظره لتحقيق أمر الله وتأويل رسالته فيها.

الإمام المهدي (ع) يحقق العدالة في الأرض

الدنيا خُلقت للخير، والصلاح، وليس للشر والفساد، حاشا لله، فقد خلقها وبرأها وجعل هذا الإنسان المخلوق المكرم فيها ليستعمرها ويبنيها بالخير والصلاح والتقى والعبادة، وليس ليُطيع الشيطان بالفساد والإفساد فيها، بل كلما فسدت بعث فيها مَنْ يُصلحها، وجعل فيها دائماً وأبداً حُجة له عليهم؛ (ولو خلت الأرض من الحجة لساخت بأهلها)، وها هي الأرض يملأها الأشرار بكل أنواع وأشكال الفساد العالمي بل الكوني، فهل يتركهم رب العالمين ليتمادوا في ضلالهم وغيِّهم؟

فحسب الوعد الإلهي المتقدم في الآيات الكريمة أن الأرض وراثة لعباد الله الصالحين وليس الطالحين، تلك الوراثة الكريمة للناس الكريمة على الله، وذلك لا يتم إلا بدولة كريمة تُعز الإسلام وأهله ويُذل النفاق والكفر وأهله كما في نص دعاء الإفتتاح المبارك الذي نقرؤه في ليالي شهر رمضان الكريم، وحاكم تلك الحكومة العالمية العادلة هو الإمام المهدي المنتظر (عج).

يقول صاحب الأمثل: " حكومة المستضعفين العالمية؛ فهي بشارةٌ في صدد انتصار الحق على الباطل والإيمان على الكفر، وهي بشارةٌ لجميع الأحرار الذين يُريدون العدالة وحكومة العدل وانطواء بساط الظلم والجور.. والمثل الأكمل هو حكومة نبيّ الإسلام (صلى الله عليه وآله) وأصحابه بعد ظهور الإسلام.. حكومة الحفاة العفاة والمؤمنين المظلومين الذين كانوا موضع تحقير فراعنة زمانهم واستهزائهم ويرزحون تحت تأثير الضغوط «الظالمة» لأئمّة الكفر والشرك.

وكانت العاقبة أن الله فتح على أيدي هؤلاء المستضعفين أبواب قصور الأكاسرة والقياصرة، وأنزل أُولئك من أسرّةِ الحكم والقدرة وأرغم أنوفهم بالتراب.. والمثل الأكبر والأوسع هو ظهور حكومة الحق والعدالة على جميع وجه البسيطة ـ والكرة الأرضية ـ على يد «المهديّ» أرواحنا له الفداء".

هذا هو الأمل الذي نتطلع إليه وكل الأحرار والمؤمنون في العالم إلى ذلك اليوم الذي يُعلن فيه ظهور ذاك الإمام الذي إدَّخره الله لتحقيق دولته في آخر الزمان بالعدل العام والقسط الاجتماعي الذي ينعدم فيها كل أنواع الظلم والجور والفقر والحاجة والمسكنة وحتى الشياطين تُغل، والنفوس تُطهَّر والعقول تُكمل بتمرير يده الكريمة على الرؤوس فتكتمل العقول، ويعيش الناس في جنَّة مصغرة عن جنة الآخرة ولكن في هذه الدنيا، ففي الروايات الشريفة التي تصف حال تلك الدولة وذاك الزمان فيها؛ (ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر) من عظمتها وتطورها وتقدمها العلمي والتقني والتكنولوجي بحيث لا تُقارن بها كل هذه الثورات التقنية الناعمة.

وهنا يفاجئنا الإمام الشيرازي الراحل (رحمه الله) بقوله: "إنّ العدالة كلمة حلوة إلاّ أنّ طعمها مرّ - في بعض الأحيان - كمرارة الدواء، ولذلك ينبغي كما ندعو لتعجيل الفرج، وأن ندعو لكي يجعلنا الله مستعدين لظهوره فنقول في الدعاء: اللهمّ اجعلنا مستعدّين لظهور الإمام المهدي (عليه السلام) وخروجه.

وإلا فهل نحن مستعدون للعدالة التي يأتي بها الإمام (عليه السلام) في حكومته؟".

نعم تلك هي المسألة أين نحن من تلك الدولة؟ وأين الأمة من ذاك الإمام العظيم؟ فهل نحن مستعدون لنكون معه ومن جنده وخدامه إذا ما ظهر، أم أننا سنقول له كما في بعض النصوص أن الكثيرين سيقولون له: (ارجع يا ابن الحسن من حيث أتيت لا شغل لنا بك)، فنحن مشغولون بتوافه الدنيا وزخرفها وزبرجها، ونتقاتل ويقتل بعضنا بعضاً لنرضي أعداءنا وندمِّر أوطاننا وربما نُغيِّر ديننا لترضى اليهود والنصارى عنا ولن يرضوا حتى نخرج لهم من ديننا وأنفسنا وجلودنا.

فالإمام المهدي عقيدة وقد بشَّرت به السماء والأنبياء (ع) هو حُلم أهل الأرض بدولة العدل والقسط بين البشر ليعيشوا السعادة والهناء والرفاه الذي يبحثون عنه منذ أن خُلقوا على هذه الأرض ولم يجدوه وسيجدوه في تلك الدولة الربانية المنتظرة وذاك القائد الإلهي المنتظر.

اللهم عجل لوليك الفرج وسهِّل له المخرج واجعلنا من أشياعه وأتباعه ومقوية سلطانه ولا تستبدل بنا غيرنا يا كريم وثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد.

اضف تعليق