q
كان الإمام الحسن المجتبى عظيم الخوف والخشية من الله عز وجل، ومتوجه بكل مشاعره ووجوده نحو الله وحده؛ لأنه يعرف الله حق معرفته. ومن شدة خوفه وخشيته من الله عز وجل، أنه كان يتغير لونه عند الوضوء والتهيؤ للصلاة، وكانت فرائصه ترتعد عند وقوفه للصلاة...

عُرِف أئمة أهل البيت الأطهار (عليهم السلام) بكثرة الصلاة والعبادة والتهجد، فقد كانوا الأنموذج المثالي والبارز في العبادة والتقوى والورع والانقطاع إلى الله عز وجل، وإحياء الليالي بالعبادة والتهجد، وتلاوة القرآن الكريم، وقراءة الأدعية، ومناجاة لله سبحانه.

وقد تسالم المؤرخون والرواة على أن الإمام الحسن (عليه السلام) كان من أعبد الناس في زمانه، وقد روي عن الإمام زين العابدينَ (عليه السلام) أنه قال: «إنَّ الحَسَنَ بنَ عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ (عليه السلام) كانَ أعبَدَالناسِ في‏زَمانِهِ وَأزهَدَهُم وَأفضَلَهم»[1]. ولم يرَ في أي وقت من الأوقات إلا وهو يلهج بذكر الله تعالى.

وكان الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) عظيم الخوف والخشية من الله عز وجل، ومتوجه بكل مشاعره ووجوده نحو الله وحده؛ لأنه يعرف الله حق معرفته.

ومن شدة خوفه وخشيته من الله عز وجل، أنه كان يتغير لونه عند الوضوء والتهيؤ للصلاة، وكانت فرائصه ترتعد عند وقوفه للصلاة، لأنه يقف بين يدي الملك الجبار - كما قال الإمام -.

إن للصلاة منزلة عظيمة في الإسلام، فهي أفضل الأعمال الدينية، وأحب الأعمال إلى اللّه تعالى، وهي من أعظم الطاعات، وأفضل العبادات، وهي عمود الدين، إن قبلت قبل ما سواها، وإن ردت ردَّ ما سواها، وهي آخر وصايا الأنبياء والأئمة (عليهم السلام)، وهي معراج المؤمن اليومي إلى عالم الملكوت.

الصلاة الخاشعة

عرف الإمام الحسن (عليه السلام) بين الخاصة والعامة بكثرة العبادة والصلاة والانقطاع إلى الله تعالى، وكان الإمام يهتم بالكيفية، ويؤدي العبادة بكل خشوع وتذلل وسكينة ووقار؛ وقد كان للإمام (عليه السلام) حالات خاصة وكيفية معينة حين الاستعداد لأداء الصلاة وفي أثنائها وبعدها، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:

أ‌- يتغير لونه عند الوضوء:

كان الإمام الحسن بن علي (عليه السلام) إذا أرادَ أن يَتَوَضَّأَ تَغَيَّرَ لَونُهُ وارتعدت مفاصله، فَسُئِلَ عَن ذلِكَ، فَقالَ: «إنّي أُريدُ القِيامَ بَينَ يَدَيِ المَلِكِ الجَبّارِ»[2].

ب‌- الدعاء حين الدخول إلى المسجد:

رُوِيَ عَنِ الحَسَنِ‏ بنِ‏ عَلِيٍ‏ (عليه السلام) أنَّهُ كانَ إذا أَتى‏ بابَ المَسجِدِ رَفَعَ رَأسَهُ ويَقولُ: «إلهي، عَبدُكَ بِبابِكَ، يا مُحسِنُ قَد أَتاكَ المُسي‏ءُ، وَقَد أَمَرتَ المُحسِنَ مِنّا أَن يَتَجاوَزَ عَنِ المُسي‏ءِ، فَأَنتَ المُحسِنُ وَأَنَا المُسي‏ءُ، فَتَجاوَز عَن قَبيحِ ما عِندي بِجَميلِ ما عِندَكَ يا كَريمُ» ثُمَّ دَخَلَ المَسجِدَ[3].

ت‌- ارتعاد فرائصه أثناء الصلاة:

كان من مظاهر خشية الإمام الحسن (عليه السلام) من الله عز وجل أن فرائصه كانت ترتعد عند الوقوف للصلاة لأنه يستشعر وقوفه بين يدي الملك الجبار، فقد روي عن الإمام زين العابدين أنه قال: «إنَّ الحَسَنَ بنَ عَليٍّ (عليهما السلام)... كانَ إذا قامَ في صَلاتِهِ تَرتَعِدُ فَرائِصُهُ بَينَ يَدَي رَبِّهِ عز و جلِ»[4].

ث‌- الانقطاع الكامل إلى الله تعالى:

كان الإمام الحسن (عليه السلام) لا يشغله شاغل أثناء الانشغال بأداء الصلاة، حيث ينقطع بكامل مشاعره وجوارحه وكيانه إلى الله تعالى، فقد روي عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) أنه قال: كانَ الحَسَنُ‏ بنُ‏ عَليِ‏ بنِ‏ أبي‏ طالِبٍ (عليهما السلام) يُصَلّي، فَمَرَّ بَينَ يَدَيهِ رَجُلٌ‏ فَنَهاهُ بَعضُ جُلَسائِهِ، فَلَمَّا انصَرَفَ مِن صَلاتِهِ قالَ لَهُ: لِمَ نَهَيتَ الرَّجُلَ؟

قالَ: يَا بنَ رَسَولِ اللّهِ حَظَرَ فيما بَينَكَ وبَينَ المِحرابِ.

فَقالَ: وَيحَكَ! إنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ أقرَبُ إلَيَّ مِن أن يَحظُرَ فيما بَيني و بَينَهُ أحَدٌ[5].

ج‌- التزين للصلاة:

كانَ الحَسَنُ بنُ عَليٍّ ( عليهما السلام ) إذا قامَ إلَى الصَّلاةِ لَبِسَ أجوَدَ ثيابِهِ، فَقيلَ لَهُ: يَا بنَ رَسولِ اللهِ، لِمَ تَلبَسُ أجوَدَ ثيابِكَ؟

فَقالَ: إنَّ اللهَ تَعالى جَميلٌ يُحِبُّ الجَمالَ، فَأَتَجَمَّلُ لِرَبّي وهُوَ يَقولُ: ﴿خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾[6] فأُحِبُّ أن ألبَسَ أجوَدَ ثيابي[7].

ح‌- التعقيب بعد الصلاة:

كان الإمام الحسن (عليه السلام) إذا فرغ من صلاة الفجر جلس في مصلاه ما بين تال للقرآن الكريم، وقارئ للدعاء، ومسبح الله عز وجل حتى تطلع الشمس، فقد ورد في أمالي الصدوق: عن عمير بن مأمون العطاردي قال: رأيت الحسن بن علي (عليه السلام) يقعد في مجلسه حين يصلي الفجر حتى تطلع الشمس، وسمعته يقول: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: «من صلى الفجر ثم جلس في مجلسه يذكر الله عز وجل حتى تطلع الشمس، ستره الله عز وجل من النار، ستره الله عز وجل من النار، ستره الله عز وجل من النار»[8].

وروى ابن شهر آشوب: «إن الحسن (عليه السلام) كان إذا فرغ من الفجر لم يتكلم حتى تطلع الشمس وإن زحزح، أي وإن أريد تنحيه من ذلك باستنطاق ما يهم»[9].

وقال ابن كثير: «كان الحسن إذا صلى الغداة في مسجد رسول الله يجلس في مصلاه يذكر الله حتى ترتفع الشمس»[10].

وروى الحاكم النيسابوري بإسناده عن عائشة عن الحسن بن علي، قال: «علمني رسول الله (صلى الله عليه وآله) في وتري، إذا رفعت رأسي ولم يبق إلاّ السجود: اللّهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنّك تقضي ولا يقضى عليك، إنّه لا يذل من واليت، تباركت وتعاليت»[11].

وروى ابن الأثير عن عمير بن مأمون قال: «سمعت الحسن بن علي يقول: سمعت رسول الله يقول: من صلى صلاة الغداة فجلس في مصلاه حتى تطلع الشمس كان له حجابٌ من النار، أو قال: سترٌ من النار»[12].

وروى الهيثمي في مجمع الزوائد عن الحسن بن علي قال:، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من قرأ آية الكرسي في دبر الصلاة المكتوبة كان في ذمة الله إلى الصلاة الأخرى»[13].

ومما سبق ذكره من مظاهر عبادة الإمام الحسن (عليه السلام) وحالاته الخاصة عند الصلاة، إنما يدل على قوة عبادته، وكثرة صلاته وتهجده، واهتمامه بالعبادة الخالصة، والصلاة الخاشعة، والذكر الدائم لله تعالى، فهو أعبد الناس في زمانه كما شهد له بذلك الخاصة والعامة.

فالإنسان كلما ازداد معرفة بالله عز وجل كثرت عبادته، وخلصت نيته، وعظم خوفه، وازداد حبه لله سبحانه وتعالى، واشتدت طاعته وتسليمه للخالق، ولا يوجد من هو أكثر معرفة بالله تعالى من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأئمة أهل البيت الأطهار.

....................................
الهوامش:
[1] بحار الأنوار: ج 43، ص 331، ح 1.
[2] تنبيه الغافلين: ص 539 ح 871.
[3] تنبيه الغافلين: ص 539 ح 871.
[4] عدّة الداعي: ص 139 عن المفضّل بن عمر عن الإمام الصادق عن أبيه عليهما السلام.
[5] التوحيد: 184/ 22 عن منيف عن الإمام الصادق عن أبيه عليهما السلام.
[6] سورة الأعراف: الآية 31.
[7] وسائل الشيعة: الحر العاملي، ج 4، ص 455، ح 5704.
[8] الأمالي: الشيخ الصدوق، ص 672، ح 901/3.
[9] مناقب آل أبي طالب: ج 4، ص 17. بحار الأنوار: ج 43، ص 339.
[10] البداية والنهاية: ج 6، ص 81.
[11] المستدرك على الصحيحين: الحاكم النيسابوري، ج 3، ص 188، ح 4800. أسد الغابة: ج 2، ص 14.
[12] أسد الغابة: ابن الأثير، ج 2، ص 14.
[13] مجمع الزوائد: الهيثمي، ج 2، ص 148. الترغيب والترهيب: ج 2، ص 453، ح 2469.

اضف تعليق