q

بعد الوليدين الطاهرين المباركين اللذين ازدان بهما البيت النبوي الشريف، الإمامين السبطين الحسن والحسين عليهما السلام، غمرت الفرحة من جديد قلوب أهله وساكنيه بولادة حفيدة المصطفى (صلى الله عليه وآله) زينب الطهر، كأول مولودة في هذا البيت الميمون.

كان مولدها (سلام الله عليها) في زمن جدها النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) في الخامس من شهر جمادى الأولى، في السنة الخامسة أو السادسة للهجرة على أشهر الروايات.

ويذكر أصحاب السير والتاريخ أن تسميتها كانت بأمر من الله سبحانه، وذلك حينما جاء بها أبوها الإمام أمير المؤمنين إلى النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، وسأله عن اسمها فقال (صلى الله عليه وآله): (ما كنت لأسبق ربي تعالى). فهبط الأمين جبرائيل (عليه السلام) يقرأ على النبي السلام من الله الجليل، وقال له: (سمّ هذه المولودة زينب، فقد اختار لها هذا الاسم). وفي هذه الواقعة دلالة على عظيم شأنها وعلو منزلتها وجلالة قدرها.

وتشير الروايات إلى أن النبي (صلى الله عليه وآله) بكى حينما أخبره جبرائيل (عليه السلام) بما يجري عليها من المحن والمصائب، وفي ذلك إشارة إلى الدور الرسالي الذي ستقوم به هذه الوليدة المباركة في نصرة الدين وحفظ الإمامة.

نشأت وتعلمت في أشرف البيوت نسباً وأجلهن حسباً، فبلغت أعلى المراتب في الشرف والكمال والرفعة، وحازت على عظيم الدرجات في العلم والفضل والتقوى والزهد والورع، حتى أصبحت شبيهة أمها الزهراء (عليها السلام) في العبادة والزهد.

وحظيت بمكانة عظيمة بين قومها وأهلها وأخوتها، ومما روته الكتب المعتبرة ويدل على مكانتها وعلو منزلتها، أن سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) كان يقوم لها إجلالاً عندما تأتي لزيارته، ويجلسها في مكانه، وقد أوصى إليها بتكفل حال النساء والأيتام، ولمّ شمل العائلة بعد استشهاده، وقد حفظت الوصية، وأدت الأمانة غير مبالية بما تلاقيه في سبيل خدمة الدين وإحقاق الحق.

ولا يخفى دورها العظيم، بعد واقعة الطف، والذي أثره إلى اليوم يشعل همم الأحرار ويهز عروش الطغاة، فقد قوضت حكم الطاغية يزيد وألبت الناس عليه، وأظهرت فسقه وزيف ادعاءاته، كما أعطت للدنيا درساً في الإباء والشموخ والسمو والشجاعة، حيث نطقت بالحق كل الحق أمام سلطان جائر كل الجور، ومرغت أنوف بني أمية وجللتهم بالخزي والعار حينما نالت من يزيد في مجلسه مخاطبة إياه (يا بن الطلقاء)، مثلما فضحت ابن زياد، وفي مجلسه أيضاً، وبلسان بليغ لا يعرف الخوف أو الانكسار: (ثكلتك أمك يا بن مرجانة)، حتى جعلت الناس حيارى يبكون، وقد أخذتهم الدهشة من فصاحتها وبلاغتها وشجاعتها في مواجهة الطغاة، وبذلك تكون قد أزاحت القناع عن الوجه الحقيقي لحقيقة الصراع بين معسكر الحق والإيمان الذي يقوده أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وبين معسكر الكفر والضلال الذي يمثله الحكم الأموي، فكانت عظيمة حقاً، عظيمة بولادتها وتسميتها وإعدادها وعظيمة بصبرها وجهادها ودفاعها عن الحق وأهله.

والسلام عليها في ذكرى ولادتها، والسلام على السائرين على دربها، والسلام على المقتدين بها، وعلى المحبين لها، والمدافعين عنها، والذائدين عن ضريحها.

اضف تعليق