q
إسلاميات - المرجع الشيرازي

الرحمة جوهر الإسلام في النهج النبوي

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

ثمة مآسي كبيرة يعيشها العالم الإسلامي اليوم، بسبب ابتعاده عن النهج الاخلاقي التربوي لنبيّ الرحمة، محمد صلى الله عليه وآله، فهناك من ينتمي للاسلام ويتخذ منه دينا بالاسم فقط، ولا يعمل بتعاليمه الصحيحة، ولا يتخذ من السيرة النبوية منهجا له، وكأنه يكتفي بالاسم فقط، ولا تعنيه الاخلاق الاسلامية بشيء!!، والسبب أننا أصبحنا بعيدين كل البعد عن عن الرحمة والرأفة التي كان نبينا الكريم يتخذ منها طريق حياة فعلي واخلاقي وتربوي، فيكسب بذلك جميع القلوب، حتى اعداءه لا يجدون سببا واحدا يجعلهم يستمرون في معادة الاسلام، كونه دين الرحمة والانسانية الحقة.

وهنا يتساءل سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في احدى كلماته التوجيهية القيّمة، قائلا: (لماذا نفقد التعامل الأخلاقي الراقي؟ لا شكّ ان السبب في ذلك هو ضعف إتّباعنا لنبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله(. نعم إن المشهد الراهن يثبت أن هناك ممن ينتسب للاسلام، أساء بسلوكه وافكاره للمسلمين وللاسلام على حد سواء، فصار بعيدا كل البعد عن التعامل الرحيم مع الآخرين، مناقضا بذلك أهم ما تمخضّت عنه السيرة النبوية المباركة، ألا وهو الرحمة والرأفة والعفو.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في كلمته المذكورة نفسها: إن (التعامل الراقي لنبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله، الذي عمل به المجدّد الشيرازي الكبير، أي الرأفة والرحمة مع الجميع والكلّ، حتى مع الأعداء، يمكنه أن يحكم العالم ويديره بأقلّ ما يمكن من إراقة للدماء(.

لذا بدلا من العنف والتطرف والعمل على إراقة الدماء، هناك اسلوب آخر لاسترداد الحقوق او الحريات وسواها، هذا الاسلوب ينبع من النهج النبوي نفسه، حيث الرحمة والرأفة، هما طريق واسلوب ناجع للتعامل مع الآخرين، مؤيدين أو مخالفين، بمعنى حتى الاعداء لا يصح التعامل معهم وفق منهج العنف وإراقة الدماء، كما تقوم الآن بعض الجماعات التي تدعي انتسابها للاسلام ودفاعها عنه، باسلوب الذبح او التفجيرات وما شابه.

لذا يتساءل سماحة المرجع الشيرازي في كلمته هذه، هل هذا الاسلوب المتطرف له علاقة بنهج النبي صلى الله عليه وآله، ويسأل سماحته المسيئين للاسلام: (هل من الإسلام أن يقوم طفل أو أطفال في غير الحرب، بذبح الأشخاص مع ترديد هتاف الله أكبر؟!).

مظاهرات مناهضة للاسلام

تُرى أين تكمن مصلحة المسلمين والاسلام، وأين المنهج النبوي من موجات التطرف التي تغذيها جهات خفية ومعلنة، وتنفذها جماعات وافراد تتخذ من العنف طريقا لها، فتسيء بذلك للاسلام والمسلمين، فتؤدي الى تأجيج حالات العداء في الغرب ومعظم دول العالم ضد الاسلام!!، تُرى هل هذا هو الاسلوب الصحيح الذي يمكن أن يدافع به المسلمون عن دينهم؟، ولماذا يبتعدون في سلوكهم هذا ويناقضون النهج النبوي الذي استطاع أن يكسب حتى الاعداء، ألم يكن لهم درسا عفو النبي الكريم قائد دولة الاسلام عندما اصبح اهل قريش ومكة تحت رحمة جيش المسلمين، ألم يقل لهم قائد الاسم صلى الله عليه وآله (اذهبوا فأنتم الطلقاء)؟، علما انهم طيلة عشرين عاما قاتلوا المسلمين ونهبوا بيوتهم وشردوهم واستولوا على املاكهم وعذبوهم، ومع ذلك كانت الرحمة والرأفة من نصيبهم!، أليس هذا هو المنهج النبوي الاسلامي الصحيح؟ أم تأليب الاعداء ومضاعفتهم ضد الاسلام هو الصحيح؟ فتقوم المظاهرات احتجاجا على العنف والتفجير والذبح باسم الاسلام وهو منه براء.

يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب: (لقد أُقيمت مظاهرات عديدة في دول الغرب، مناهضة للإسلام، وطالب المتظاهرون برفض الإسلام ورفض بناء المساجد في بلدانهم. وسبب هذا الرفض هي الصورة المشوّهة التي يراها العالم اليوم عن الإسلام من بعض المتلبّسين باسم الإسلام).

تٌرى هل يصح هذا المنهج المتطرف في دعم الاسلام، وهل قام المسلمون بما يكفي في توضيح الصورة المشرّفة للاسلام وبيان النهج النبوي الكريم القائم على التراحم والرأفة والعفو؟ ألم يكن من ابسط الواجبات الملقاة على عاتق المسلم، أنه يسعى لتوضيح النهج الصحيح للاسلام، ويرفض ويعرّي زيف المتأسلمين زورا وبهتانا.

هنا يتساءل سماحة المرجع الشيرازي بوضوح تام قائلا: (أليس من الجدير أن يتصدّى المؤمنون، رجالاً ونساء وشباباً، لهذه المسؤولية المهمّة، وهي أن يعلنوا للعالم ويبيّنوا له بأنه: يا أهل العالم هذه التصرّفات، الذبح والتفجيرات وغيرها، هي ليست من الإسلام، والإسلام منها براء). نعم هذه التفجيرات وجميع اعمال العنف لا تمت بصلة لمبادئ الدين الاسلامي، وليست لها علاقة من بعيد او قريب بالنهج النبوي القائم على العفو والتسامح والعقلانية.

هذه هي مهمة من يؤمن بالاسلام الحق، ومهمة من يؤمن بالسيرة النبوية الشريفة، وبالمنهج النبوي الذي تعامل وفقا له النبي الكريم صلى الله عليه وآله، فثبّت بذلك أركان الاسلام، ونشر تعاليمه في مجتمع كان قائما على التعصب والتطرف والجهل، فصار بعد الاسلام من المجتمعات الراقية التي بنت دولة تضاهي أكثر دول العالم آنذاك تطورا وتقدما واستقرارا وحرية وقوة.

مسؤوليتنا تجاه الإسلام

استنادا الى ما تقدم، حول ما ورد آنفا عن التطرف والمحاولات المستهجَنة والمستمرة التي يقوم بها، افراد وجماعات تحاول الإساءة للإسلام وتشويه صورته وجوهره، لذا لابد للمسلمين الذين يؤمنون بالمنهج النبوي الشريف القائم على الرحمة والرأفة والاخلاق الحسنة، أن يقوموا بدورهم، ومسؤولياتهم ازاء ما يحدث من تشويه لجوهر الاسلام، وأن يتصدوا لمحاولات التشويه، والقيام بتوضيح النهج الاصيل للاسلام، وهو اسلام النبي محمد صلى الله عليه وآله القائم على الاخلاق الانسانية والتسامح والعفو.

ويذكِّر سماحة المرجع الشيرازي المسلمين بالمنهج النبوي، ذاكرا هذا المثال المأخوذ من سيرة الرسول الأكرم مع أشد أعدائه من المشركين، بعد فتح مكة وأسر هؤلاء الاعداء، فماذا كان مصيرهم؟؟، يقول سماحة المرجع الشيرازي في كلمته نفسها: (يجب علينا أن نبيّن للعالم، كيف تعامل نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله بعد فتحه مكّة، مع المشركين الذين مارسوا أشدّ أنواع الأذى مع نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله ومع المسلمين طيلة عشرين سنة، من قتل وتهجير ومصادرة للأموال والممتلكات والمقاطعة الاقتصادية والاجتماعية وغيرها. فليعرف العالم ان نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله قد عفا عنهم جميعاً، وعن كل ما صدر منهم).

يجب ان يعرف العالم اجمع، هذا هو النهج النبوي المستمَّد من تعاليم الاسلام الصحيح، وليس ما يقوم به المتطرفون من حالات ذبح وتفجير وما شابه من اعمال لا علاقة لها بتعاليم الاسلام السمحاء، لذلك تقع علينا جميعا مسؤولية توضيح الجوهر الحقيقي المشرق للاسلام، بالوسائل المتاحة كافة، كل من موقعه، وحسب قدرته، مستخدمين وسائل التوصيل والاعلام كافة، لتقديم البديل الأسلم والأصح للاسلام، مقابل ما يفعله ويقدمه من يدّعون الانتساب للدين الاسلامي وهو منهم براء، بسبب أفعالهم وتعصبهم الذي لا يمت للمنهج النبوي الرحيم بأية صلة.

لذلك يدعو سماحة المرجع الشيرازي جميع المسلمين المؤمنين بالنهج النبوي الشريف، الى التصدي لهذه المسؤولية الكبيرة والقيام بها على أكمل وجه بالسبل السلمية المتاحة، وكل حسب قدراته مهما كبرت أو صغرت، قائلا سماحته في هذا المجال: (علينا أن نبيّن للعالم، رأفة الإسلام، ورحمة الإسلام، وأخلاق الإسلام. ولنقم بهذه المسؤولية من هذه الساعة ومن هذا اليوم، كل بمقدار إمكانه واستطاعته، وبكل السبل الشرعية والسلمية والحديثة، من خطابة وتأليف وإذاعة وتلفاز وقنوات فضائية وما شابه ذلك، وغيرها).

اضف تعليق