q

مما لا شك فيها ان المجتمع العراقي عانى الكثير من المشاكل الاجتماعية جعلته يعيش في حالة فوضى وخراب وتنافر بين افراده في ظل غياب القوى الضبطية للدولة والقانون والقضاء وهذا ما جعل من العشيرة ان تمسك زمام أمور المجتمع بكافة جوانبه سواء في حالة غياب القانون او في ظل حدوث هجمات إرهابية، وعليه فقد اصبحت العشيرة هي القانون غير الرسمي في ضبط سلوكيات وتصرفات افرادها المنتمين لها وهذا ما سمح للعشيرة ان تأخذ مكانة اجتماعية واقتصادية وسياسية في حل وفض النزاعات التي تحدث بين الافراد بالإضافة الى ذلك ان عشائر العراق تتميز بالقوة والمحبة فيما بينها من اجل حل الخلافات التي تحدث بين افرادها فان هذا الأمور يمكن تحقيق عن طريق القانون العرفي لكل عشيرة اذ ان القانون العرفي هو بمثابة قانون غير مكتوب في جوانبه الموضوعية والاجرائية والأخلاقية وزيادة على ذلك يعتبر الصلح في الأعراف العشائرية سيد الاحكام بلا منازع وهو من اهم الإجراءات العشائرية في انهاء الخصام وإزالة ما علق في النفوس من الاثار النفسية للجريمة وفتح المجال امام استئناف علاقات تقوم على أسس جديدة من التسامح والود والوئام وتحقيق العدالة الاجتماعية بين المتخاصمين وعليه فان معظم القضايا العشائرية بين الأطراف المتنازعة تنتهي بأجراء الصلح.

وعليه فان هذه الدراسة سوف تتطرق الى مفهوم الصلح العشائري وشروطه وكيفية اجراء الصلح العشائري واهمية وانواعه بالإضافة الى مفهوم العدالة الاجتماعية واهميتها من الناحية الإسلامية وشروط تحقيقها وابعاده وانواعها واخير وقبل الاخير الروية التحليلية للصلح العشائري ودوره في تحقيق العدالة الاجتماعية ومن ثم نضع بعض التوصيات والمقترحات.

أولاً: مفهوم الصلح العشائري

عرف الصلح العشائري على انه عقد تتقابل فيه الالتزامات يعقد بإرادة الطرفين ويسفر عن النزول عن العقوبة كلها او بعضها مقابل التزامات معينة يجب على المسؤول اداءها او هو اجراء من شانه ان ينهي الخصومة والعداوة في النفوس المتنازعة، وهو كل تنازل من أصحاب الحق عن حقهم في متابعة إنزال العقوبة بالجاني سواء كان في صورة صلح او عفو سواء تضمن مقابلا للصل او لم يتضمن (1).

كما عرفه الصلح العشائري بانه أسلوب او منهج معتمد بين العشائر يرتكز على أسس وجسور مبنية ونظم وقواعد متوارثة جيلا بعد جيل لفض المنازعات وحل الخلافات وما يرتبط به من عادات وتقاليد واعراف ويمتاز بالسرعة في البت في النزاعات والوساطة والإصلاح وصفاء القلوب ويغلب علية الطابع الجنائي وله قوة الزامية سلطة الجاه والوجه وقوة العشيرة والعزوة والمصالح المشتركة دون وجود سلطية تنفيذية ويسود تبعا للروابط العائلية، وهو عقد ملزم بين الطرفين لا يجوز الرجوع عنه وتسقط به دعوى المدعي (2).

ثانياً: شروط الصلح

لما كان الصلح وسيلة من الوسائل المنهية للنزاع فقد اعتبره الفقهاء عقدا من العقود القانونية التي يمكن من خلال إشاعة الامن والسلام بين المتنازعين.

1- وجود نزاع قائم أو محتمل: إذا لم يكن هناك نزاع قائم أو في القليل نزاع محتمل، لم يكن العقد صالحاً، فإما أن تكون المطالبة القضائية قائمة ومحاولة الصلح يكون كإجراء أثناء سير الخصومة أو قد يكون مجرد مصالح متعارضة مع إمكانية المطالبة القضائية أي مجرد إحتمال النزاع يكفي، فإذا كان هناك نزاع قائم مطروح أمام القضاء وحسمه الطرفان بالصلح كان هذا الصلح قضائيا، وإذا كان النزاع محتملا بين الطرفين فيكون الصلح التوقي هذا النزاع ويكون في هذه الحالة صلحا غير قضائيا, فالمهم أن يكون هناك نزاع جدي قائم أو محتمل ولو كان أحد الطرفين هو المحق دون الآخر وكان حقه واضحاً مادام هو غير متأكد من حقه (3).

2-نية إنهاء النزاع: أي أن يقصد الطرفان بالصلح حسم النزاع بينهما، إما بإنهائه إذا كان قائما أو بتوقيه إذا كان محتملا، وليس من الضروري أن ينهي الصلح جميع المسائل المتنازع فيها فقد ينهي بعضها لتبت المحكمة في الباقي، كما يجوز للطرفين أن يتصالحا لإنهاء النزاع ويتفقان على أن يستصدرا حكما من المحكمة بما يتصالحا عليه فيكون هذا صلحا بالرغم من صدور الحكم.

3-النزول المتبادل عن الإدعاءات: فإذ الم ينزل أحدهما عن شيء مما يزعمه وترك الطرف الأخر كل ما يدعيه، فلا نكون بصدد الصلح بل مجرد نزول عن الإدعاءات، إذ يجب أن يكون التنازل على وجه التقابل وعن جزء من الإدعاءات وليس من الضروري أن تكون التضحية من الجانبين متعادلة كما لا يشترط أن يكون التنازل على جزء من أصل الحق فقد يكون حتى على المصاريف القضائية أو جزء منها فيكون صلحا مهما كانت تضحية الطرف الأخر قليلة بالنسبة إلى تضحية الطرف الأول.

ثالثاً: إجراءات الصلح العشائري

ان القضايا الكبرى عن العشائر لابد فيها من إجراءات عاجلة لتطويق النزاعات ووقف ردود الفعل التي تتبع ارتكاب الجرائم خاصة جرائم القتل والعرض ورغم ان العشائر قد اعتادة على اتخاذ إجراءات العطوة والجاهة والصلح في اغلب القضايا البسيطة وفي كل القضايا الخطيرة الا ان الدقة واهمية هذه الأمور تزداد عندما تكون القضية من صنف القتل او العرض او تقطيع الوجه واختراق حرمة البيت كما ان اخلال في اتباع الأعراف قد يؤدي الى مزيد من المشاكل والتعقيدات وعادة ما تجري إجراءات الصلح على النحو التالي:

1-الاتصالات الأولية: بعد الموافقة على العطوة واختيار أعضاء الجاهة تبدأ إجراءات الصلح العشائري وفقا للترتيب التالي: يجري كبير الجاهة الاتصالات الأولية مع ممثل عشيرة المجني علية وقد يكون هذا الممثل شيخ العشيرة كلها وقد يستعين كبير الجاهة بشيوخ اخرين إذا واجهت مهمته صعوبات في المحادثات الأولية ويبقى الضغط مستمر على أقارب المجني عليه حتى يقبلوا بمبدأ اجراء الصلح.

ومتى لمس الوسطاء نية الصلح فانهم يخبرون عشيرة الجاني بذلك لتقوم بدورها فيما بينها واتخاذ التدابير اللازمة لهذه الغاية، وعندما تلقي المساعي نصيبها من النجاح تؤلف هيئة الصلح(الجاهة) من وجهاء القوم، وتبدأ إجراءات الجاهة وعملها بالاتصال بالوجهاء والأعضاء فيها والمدعوين لتحديد مكان وزمان التجمع والانطلاق.

2-تحديد الزمان والمكان: يعين المتوسطون بالصلح الجاهة بالاتفاق مع اهل الجاني مكاناً ويوماً معيناً لأجراء الصلح ومراسيمه ويعلنونه للطرفين المتخاصمين يهتم أقارب الجاني عندئذ بجمع عدد من المشايخ ذوي الوجاهة في العشيرة ومن غير العشيرة ان أمكن.

3-اجتماع وتكامل أعضاء الجاهة: عند اجتماع الجاهة في المكان والزمان المحددين وغالباً ما يكون في مضافة رئيس الجاهة او في بيته وحين يكتمل عددهم يتشاورن في الأمور ويناقشون جميع الاحتمالات ويستعدون للذهاب الى البيت المخصص لاستقبالهم والجذير بالذكر ان الجاهة يجب ان لا تضم احداً من أقرباء المتسبب بالحادث وكلما ارتفع عدد افراد الجاهة ارتفعت مكانتها وكلما ارتفعت المكانة الاجتماعية لأعضائها ازدادت أهميتها.

4-انتقال الجاهة: يتجه افراد الجاهة من البيت الذي تجمعوا فيه الى بيت الصلح الذي أعدته عشيرة المجني عليه.

5-استعداد اهل المجني عليه: يجتمع اهل المجني عليه في بيت الصلح ويتفقون على راي واحد ويختارون شخصاً للتحدث باسمهم وغالباً ما يكون هذا الشخص كبير القوم او رئيسهم.

6-وصول الجاهة واستقبالهم: تحضر الجاهة في يوم الصلح يرافقها المدعون وهي في العادة جاهة كبيرة من وجهاء العشائر والقبائل الأخرى المعروفة ومن الطرف المحايد الذي يتبنى إجراءات الصلح وتستقبل الجاهة ومن يرافقها من قبل شيخ عشيرة المجني عليه وافرادها بالاحترام والترحيب وبعد تبادل السلام والمصافحة والمعانقة مع عشيرة المجني عليه يجلس افراد الجاهة في الأماكن المخصصة لهم وبعد ان يستقر المقام بالجاهة تبدأ حديثها بالسلام والمجاملة.

7-المفاوضات والمداولات: تتم المفاوضات والمداولات على تقد الصلح عن طريق الجاهة فبعد ان يستقر المقام بالجاهة تتبع الخطوات التالية : يتولى امر المفاوضة اكبر المشايخ الموجودين وتجلس الجاهة في صمت مهيب ثم يقطعه كبيرة الجاهة وعادة ما يكون معروفاً بمركزه الاجتماعي وسط جموع الحاضرين فيطلب القهوة وتبدا الجاهة بالسلام والمجاملة ثم التحدث في الموضوع قيد الخلاف وهنا تبرز اهمية رئيس الجاهة وقوة شخصيته ومنطقه في الحديث وتسلسل أفكاره سواء بالاستشهاد بالقران الكريم او بالاحاديث النبوية او بأبراد الأمثلة عن التسامح والكرم والشهامة وإبراز عناصر الخير عن اهل المجني علية وتحفيزها للانتصار على عوامل الغضب والحقد والشر.

8-صعب القهوة: وللجاهة تقاليدها المعروفة فهي تكون بزعامة أحد الشيوخ البارزين الذي يطلب ان تصب القهوة ويصب ولي دم المحني عليه فنجانا من القهوة ويقدمه الى كبير الجاهة وفي بعض الأحيان الى افراد الجاهة.

9-الامتناع عن شرب القهوة: يضع كبير وأعضاء الجاهة فناجين القهوة امامهم دلالة على انهم يرفضون شربها الا إذا وعدهم صاحب البيت وعشيرته بتنفيذ ما جاءت الجاهة من اجله من حل الخلاف وعقد الصلح (4).

10-شرب القهوة ورد اهل المجني عليه: يتحدث وجيه عشيرة المجني عليه في القضية وظروفها وما سببته من الم ومصائب وقد يطلب مبلغاً من المال ويكون مرتفعاً عادة يتم التنازل عنه الى الديه الشرعية او الى ما يسمحون به، وفي نهاية المساجلة التي تحدث بينه وبين الجاهة يقول موجها كلامه الى الجاهة معبرا عن كرمه (اشربوا قهوتكم) ويعني ذلك إجابة الطلب.

11-موافقة الجاهة على المطالب: مع ان طلبات الدية غالباً ما تكون كثيرة وكلفتها باهظة وشروطها قاسية فان الجاهة تقبل بها كلها وبدون أي اعتراض وذلك من باب المجاملة وارضاء رغبات اهل المجني عليه ونزواتهم اذ تعلن الجاهة موافقتها على المطالب واستعدادها لما يفرض عليها ويعلن كذلك من ينوب عن القاتل رضاه واستعداده لدفع جميع مطالبهم.

12-كفلاء الصلح: وجود الكفلاء امر ضروري لإلزام الأطراف المتنازعة بتنفيذ ما اتفق عليه ويعتبر وضع الكفيل ومركزه الذي عادة ما يكون من وجوه العشائر المعروفين ضماناً لصاحب الحق وللصلح كفيلان هما:

أ-كفيل الوفاء: هو الكفيل الذي يكفل اهل المجني عليه في تنفيذ الاحكام التي يتم تحديها في الصلح وقبل الدخول بالطلبات فان شيخ عشيرة المجني عليه يطلب من الجاهة ان تعين كفيل وفاء يضمن تسديد الالتزامات التي ستكون له عند عشيرة الجاني نتيجة للصلح.

ب-كفيل الدفاع: وهو كفيل الحماية لحماية الجاني واقاربه من اعتداء عشيرة المجني عليه حين المواجهة وبعد الصلح وضمان امنهم وسلامتهم وارواحهم واموالهم حتى ينتهي النزاع وتنفذ احكام الصلح وكذلك ضمان عدم التعرض لهم فيما بعد.

13-صدك الصلح: تنتهي العطوة بعقد الصلح الذي يبرم بين الجاني والمجني عليه او ذويه فبعد المفاوضات التي تجري بين الجاهة وذوي المجني عليه وبعد موافقه هؤلاء على ان يصبح المقدار المتفق عليه مساوياً لمبلغ الدية المقررة وبعد احضار الجاني وخمسته واتمام مراسيم عقد الصلح والتصافح والمعانقة بين عشيرتي الجاني والمجني عليه وبعد ان يتم تعين كفلاء الصلح تبدا الجاهة بتنظيم صك الصلح ويوقع عليه الطرفان والجاهة والكفلاء والشهود الحاضرون فصك الصلح هو الوثيقة المكتوبة التي تعبر عن اتخاذ الإجراءات العشائرية والمتضمنة انهاء القضية عشائرياً وأسقاط كافة الحقوق الشخصية والمدنية لدى المحاكم وفي الوقت الحاضر أصبحت قرارات الصلح تنشر في الصحف والانترنيت ومجالس الحكم العشائري وخلاصة ذلك ان صك الصلح هو عقد الصلح الذي يبرم بين ذوي الجاني وذوب المجني عليه وينص فيه على انتهاء الخلاف وحالة العداء والصراع القائمة بينهما بسبب الجريمة.

رابعاً: انواع الصلح العشائري

ينقسم الصلح الى الصلح التام والصلح الناقص او المشروط:

1-الصلح التام: ينهي هذا الصلح جميع الأمور العالقة ويعيد المياه الى مجاريها بين الطرفين المتنازعين وكأن شيئا لم يكن ولا يوجد في هذا الصلح أي تحفظات من أي طرف تجاه الاخرين لذلك اعتبر هذا الصلح تاماً فهو ينهي النزاع بشكل نهائي ويسوي جميع الأمور التي نتجت عن ذلك النزاع.

2-الصلح الناقص او المشروط: ويعتبر ان هذا الصلح قد شمل الفاعل مبدئياً على ان يتقيد الفاعل بتنفيذ القيود المنصوص عليها في صك الصلح فاذا أخل الفاعل بذلك فانه يخالف شروط الصلح وبالتالي يمكن ان يتعرض لأعمال ثأرية عليه فهذا الصلح ينهي النزاع بين الطرفين ضمن شروط معينة جرى الاتفاق عليها اثناء إجراءات الصلح ويلاحظ ان استمرار هذا الصلح يرتبط الى حد كبير باستمرار العمل بالشروط المتفق عليها فاذا أخل بها أي من الطرفين فانه يصبح بالإمكان تجدد النزاع (5).

خامساً: أهمية الصلح تبرز أهمية الصلح في الجوانب التالية:

1-تخفيف العبء عن الخصوم: ان فض النزاع القائم بين الخصوم صلحاً يودي الى الإسراع في انهاء المنازعات والخلافات بعيداً عن إجراءات المحكمة وسير الدعوى ودفع الرسوم واجور المحامين فيتفرغ المصلحون لفض النزاع القائم بين الخصوم مما يؤدي الى تخفيف العبء عنهم ومن ناحية أخرى فان طلب جميع ما يستحقه الانسان من خصمة قد يؤدي الى الانكار لا سيما عن الاعسار وقيد فساد عظيم فان المدعي اذ اقام البينة تكثر العداوة وتهيج الفتن بين المدعي والمدعي عليه والشهود والقاضي فيبقى الصلح خيراً وأحسن.

2-تخفيف العبء عن القضاء: الصلح له مكانة كبيرة بين جميع مكونات المجتمع وله إثر عملي فهو يحسم النزاع القائم ويضح حداً له إذا كانت الدعوى مرفوعة اما القضاء وهو ما يسمى بالصلح القضائي ومن جهة أخرى قد يتم الصلح بين الخصوم قبل رفع الدعوى اما القضاء وفي كلتا الحالتين فانة يخفف العبء الواقع على القضاء.

3-تحقيق العدالة: ان انهاء الخصومة بعقد الصلح ادعى الى الانصاف وأقرب الى تحقيق العدالة لان طرفي الخصومة اعلم بما يستحقه كل منهما وفي انهاء الخصومة بعقد الصلح عن تراض منهما وتشاور تحقيق العدالة التي قد لا يحققها حكم قضائي يكون فيه أحد الخصوم الحن من الاخر بحجته.

4-نشر الامن والسلام بين افراد المجتمع: عندما يتم حسم النزاع عن طريق عقد الصلح فان ذلك يسهم في نشر الامن والسلم الاجتماعي بين افراد المجتمع لانه يستأصل الخصومة ويجمع بين القلوب المتنافرة ويبعد الخصومة والاحقاد والضغائن عن نفوس الخصوم وكل هذه الأمور لا ينهيها الحكم القضائي بل قد تشعل النار الحقد والكراهية وتلهب جذوتها ويظل كل طرف يتربص بخصمه وقد يدفعه ذلك الى ارتكاب جريمة من اجل استرداد حقه الذي يعتقد به فيكون من الاجدر ان يتم انهاء الخصومة عن طريق الصلح (6).

سادساً: مفهوم العدالة الاجتماعية

هي تلك الحالة التي ينتهي فيها الظلم والاستغلال والقهر والحرمان من الثروة او السلطة او من كليهما والتي يعيب فيها الفقر والتهميش والاقصاء الاجتماعي وتنعدم الفروق غير المقبولة اجتماعياً بين الافراد والجماعات والاقاليم داخل الدولة والتي يتمتع فيها الجميع بحقوق اقتصادية واجتماعية وسياسية وبيئية متساوية وحريات متكافئة والتي يعم فيها الشعور بالإنصاف والتكافل والتضامن والمشاركة الاجتماعية والتي يتاح فيها لأعضاء المجتمع فرص متكافئة لتنمية قدراتهم وملكياتهم واطلاق طاقاتهم من مكامنها وحسن توظيفها لصالح الفرد وبما يكفل له إمكانية الحراك الاجتماعي الصاعد من جهة ولصالح المجتمع في الوقت نفسه من جهة أخرى والتي لا يتعرض فيها المجتمع للاستغلال الاقتصادي وغيره من مظاهر التبعية من جانب مجتمع او مجتمعات أخرى (7).

سابعاً: أهمية العدالة الاجتماعية في الفكر الإسلامي

إن لفظة العدالة نقلها الشرع في الكتاب والسنة من أصل الوضع اللغوي العام وقصرها على الدلالة التي يستفاد من جهة الشرع وضعها وهي:(الاستقامة في الدين والدنيا) وهذه الدلالة مستقاة من المعاني المختلفة الموضوعة من جهة الشرع للفظة العدالة كلفظ مشترك، فتكون بهذا لفظة مشتركة دلت على أزيد من معنى واحد مختلفة في حقائقها على الظهور بوضع واحد وفي كونها لفظة واحدة ينتفي إثبات التباين والترادف في حقها لانهما لا يقعان إلا في مجموع الألفاظ لفظتين فصاعداً وفي كونها دالة على أزيد من معنى واحد احتراز عن اللفظة المفردة التي لا تدل إلا على معنى واحد، وفي كونها مختلفة في حقائقها احتراز عن المتواطئة فإن اختلافها ليس في الحقائق وإنما اختلافها في العدد وفي كونها أمراً ظاهراً احتراز عن الألفاظ المشتبهة التي تدل على أكثر من حقيقة واحدة مختلفة في حقائقها.

وعليه، فإن الناظر في النصوص القرآنية والحديثية يجد نصوصاً متعددة قد أوردت لفظة العدالة سواء بصيغة الفعل أو المصدر تدل في معظمها على معانٍ متباينة تظهر من خلال السياق اللفظي وقد تتساوى المعاني التي وضعت لها عند انتقاء القرينة مما يؤدي إلى احتمال كون كل معنى منها مراداً في تلك المواطن فيختلف المجتهدون في حمل ذلك اللفظ على أي من معانيه التي وضع لها، أو عليها كلها (8).

ففي الكتاب المطهر وردت لفظة العَدالَة بمشتقاتها في ثمانية وعشرين موضعاً بمعانٍ متباينة نبيّن أصولها:

1-الاستقامة: ومنه قوله تعالى :  إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ((سورة النحل: الاية9)). فقد أمر الله تعالى عباده بالعدل وهو الاستقامة على الحق اذ ان العدل في هذا الموضوع هو استواء السريرة والعلانية من كل عامل لله عملاً، فاشتملت على العدل العام الآمر بالاستقامة على الحق. وفي قوله تعالى أيضا ذكرت لفظة العدالة في الآية الكريمة  هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (( سورة النحل : الآية 76)).

2- إعطـاء كل ذي حق حقه: ومنه قول الله تعالى:  وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ  ((سورة النساء: الآية 57)). فهذا أمر منه تعالى بالحكم بالعدل بين الناس والحكم بالعدل بين الناس حكماً مطلقاً شاملاً دون النظر إلى لون أو جنس أو قرابة وأي صلة كانت من مصلحة أو منفعة، بل إعطاء كل ذي حق حقه، لا فرق بين أفراد المجتمع، فالضعيف قوي حتى يُعطى حقه، والقوي ضعيف حتى يُؤخذ الحق منه، ومنه قول الله تعالى:  فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ ءَامَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ((سورة الشورى: الآية 19))، والعدل في الحكم كما أمر الله بإعطاء كل ذي حق حقه. ومنه قوله تعالى : فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ  (سورة الحجرات: الآية 15).

3- الإنصاف : ومنه قول الله تعالى :  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى  ((سورة المائدة: الاية8)) .فالآية تضمنت النهي للذين آمنوا من أن يحملهم بغضهم لقوم على أن لا ينصفوا لهم ويعدلوا معهم، لأن من يبغض قوماً يحمله بغضه على أن يكون ظالماً لهم، أو جائراً عليهم، أو معتدياً على حقوقهم في قوله، أو فعله أو حكمه أو لا بد أن يركب مركب الجريمة، ومنـه قــول الله تعالـى :  وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ . ((سورة النساء: الآية 129)).

4- المرضي المقنع في الحكم والشَّهادَة: ومنه قوله تعالى: :  إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ ءَاخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ .((سورة المائدة : الآية 106)) وقوله تعالى:  وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ (( سورة البقرة: الآية 282)).

5- الفديــة: ومنه قوله تعالى:  وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا ( سورة الانعام: الآية 70). ومنها قوله تعالى:  وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ  (سورة البقرة: الآية 48)

6-الميل والانحراف والإشراك: ومنـه قولـه تعالــى:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا (سورة النساء :الآية 15). ومنه قولـه تعالـى:  الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ  سورة الانعام: الآية 1)

7-الاستواء في الأشياء: ومن قول الله تعالى:  الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (سورة الانفطار: الاية7)

8-الوسطية:« والوسط في الشيء أعدله وخياره » وقَالَ رسول الله  في قولـه تعــالى:  وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا (سورة البقرة: الآية 143) فالعدل هو الوسط والوسط هو العدل والأمة الإسْلاميَّة هي « أمة تتصف من الله بالعَدالَة وأنها خيار »

ثامناً: شروط تحقيق العدالة الاجتماعية في المجتمع

1-وجود شريعة عادلة لان المجتمع الذي لا شريعة له مجتمع جاهل لا يعرف تنظيم اموره فيسوده الفوضى والدمار والتفكك وإذ كان له شريعة لكنها غير عادلة فان يسوده الظلم والاستبداد والطغيان لذلك فانه من اجل نعم الله على المسلمين ان انزل على الرسول(ص) شريعة قيمة عادلة حيث قال تعالى (ان هذا القران يهدي للتي هي أقوم) (سورة الاسراء: الآية 9) وقال ((والله يقول الحق وهو يهدي السبيل)) (سورة الأحزاب: الآية 4).

2-ان يفهم المجتمع شريعته وهذا يتطلب ان تكون الشريعة واضحة يفهمها افراد المجتمع لان المجتمع الذي يفهم شريعته يعتبر مجتمعاً جاهلاً لا يستفيد من شريعته كذلك الاختلاف في فهم الشريعة يؤدي الى الفوضى والتناحر وعدم الاستفادة الكاملة لذلك فان كل امة تهتم بدراسة شريعتها وتقيم الندوات والمؤتمرات للوصول الى فهم مشترك لقواعدها للمحافظة على وحدة المجتمع وتماسكه من الناحية الفكرية والاجتماعية والسياسية والإدارية وإذ كان المجتمع يفهمون شريعتهم لكنهم يخالفون احكامها لغلبة الشهوة وهوى النفس فان هذا الفرد فاسد والمجتمع الذي يتكون من هذه الافراد يعتبر مجتمعاً فاسداً.

3-ان سعادة تطبيق هذه الشريعة واتخاذها معياراً تعرض عليها اعمال الفرد والمجتمع فاذا قلنا (العدالة ان يرد لكل ماله من الحقوق وإعطاء كل حقه فان الحق يعرف الشريعة او تعريفها بانه الالتزام كل عمله الخاص وعدم التدخل في شؤون الغير).

تاسعاً: أنواع العدالة

تنقسم العدالة باعتبار حقوق الحياة التي تعالجها الى عدة اقسام منها:

1-العدالة التعويضية: هي التي تضبط علاقات الافراد فيما بينهم سواء في العلاقات الارادية ام في العلاقات اللاإرادية والعدل هنا المساواة المطلقة فليس يهم مطلقاً ان يكون رجل نابه اخذ مال رجل خامل او يكون خامل الذكر استولى على مال رجال نابه كذلك لا يهم ان يكون الذي ارتكب الجريمة رجلا نابه الذكر او خاملا فالعدل هنا لا ينظر الى الفرد بين الجرائم ويعامل الأشخاص كأنهم متساوون مساواة مطلقة وبالتبعية وهو انما يبحث فيما اذا كان الواحد جانياً وما اذا كان اخر مجنياً عليه وفيما اذا كان الواحد ارتكب اضراراً وما اذا كان الاخر قد لحقه الضرر.

وبالتبعية يجتهد القاضي في المجتمع الريفي ام الحضري ان يسوي هذا الظلم بالعقوبة التي يحكم بجرد الخصم الظالم من الربح الذي ربحه جراء اخذ مال الخصم الاخر ويدفع خسارة الخصم المظلوم فينقلب ربح الظالم الى خسارة المظلوم الى ربح من اجل ذلك كلما وقعت المنازعات التجأ الخصمان الي القاضي لأنه الذي يمسك بين طرفي الخصمين ويسوي بين الأشياء فهو بصدد نصيب مقسوم الى جزئيين غير متساويين اكبرهما يربو على اصغرهما بنصف الفرق بينها يقطع القاضي ما زاد في الجزء الأكبر ويصله بالجزء الأصغر ثم متى قام الكل مقسوماً الى قسمين متساوين تماماً فكل واحد من المترافعين يعرف بان عنده النصيب الذي يجب ان يؤول اليه كما قال تعالى (( وان عاقبتهم فعاقبوا بمثل ما عقوبتهم به)) (سورة النحل: الآية 126)، وقال عز وجل (( وجزاء شيئةٍ سيئةُ مثلها) (سورة غافر: الآية 40). وبما ن العدل خير وفضيلة فان العدل لا يهدف الى ظلم الظالم بل يهدف الى انصاف المظلوم لذلك فان يقوم بحرث مال غيره او اتلافه فان العدل لا يعمد الى رق بيت الظالم او اتلاف ماله بل يحكم عليه بان يدفع للمظلوم مثل ما أتلفه وان لم يود فيحكم بأداء قيمة ما أتلفه حيث قال الرسول(ص) (لا ضرر ولا ضرار).

2-العدالة التوزيعية: هي عبارة عن حقوق الافراد على المجتمع او على شيخ العشيرة الذي يمثل الدولة في المجتمع الريفي فيجب على السلطة التنفيذية أي شيخ العشيرة او القضاء القيام بأداء هذه الحقوق لذا قال فقهاء الإسلام (تصرف الامام على الرعية منوط بالمصلحة)، وعلية فان تصرفات أصحاب الولايات تنطبق عليها احكام تصرفات الولي عن القائلين بأنهم يتصرفون بالولاية وتنطبق عليها احكام عند القائلين بأنهم وكلاء عن أمتهم.

وبما ان الدولة تنشأ لعدم استقلال الفرد بسد حاجاته بنفسه وافتقاره الى معاونة الاخرين لكي نحافظ على تماسك المجتمع وقوة الدولة لابد من تحقيق العدالة في توزيع الكرامات والثروة والوظائف وسائر المزايا التي يمكن ان تقسم بين الأعضاء أي بين افراد المجني عليه وعلى رئيس الدولة ان يعدل في هذه القسمة ومعيار العدل هنا المساواة النسبية برعاية الوضع الخاص لكل منهم وظروفه المختلفة من حيث الإمكانيات ومن حيث الحاجة والتناسب في الصفات والمؤهلات ونوعية الفعل الاجرامي فالمساواة في المرتب او الاجر يقتضي مساواة شخصين او اكثر في الكفاءة والمؤهلات ومساواة عملهم نقول عمل احدهما يساوي عمل الاخر وكفاءة احدهما تساوي كفاءة الاخر أي يستحقان اجوراً متساوية فلو طلب احدهما اجراً اكثر على عكس ذلك فهو ظالم لان يريد اكثر مما ينبغي ان يأخذ والذي يقع عليه الظلم يأخذ اقل من حقه ولكم الامر عكس ذلك فيما يتعلق بالضرر لان الضرر الأصغر على الضرر الأكبر(9).

3-العدالة الإصلاحية الجنائية: هي بمثابة نهج لمعالجة الجرائم والنزاعات الأساسية الضارة بالأشخاص والعلاقات وتسعى لدعم الأشخاص المتضررين (الضحايا، الجناة، أعضاء المجتمع) وتمكينهم من المشاركة والتواصل قصد تعزيز وتأكيد المسؤولية والإصلاح وترقية الإحساس بالارتياح لراب الصدع وطي الخلاف، كما يشار اليها البعض بانها مسار من خلاله يشارك المعنيون بالجريمة في إيجاد حل لعواقبها والتعامل مع تداعياتها المستقبلية (10).

4-العدالة الانتقالية: هي الاستجابة للانتهاكات المنهجية او الواسعة النطاق لحقوق الانسان بهدف تحقيق الاعتراف الواجب بما كابده الضحايا من انتهاكات وتعزيز إمكانيات تحقيق السلام والمصالحة والديمقراطية أي انها تكييف للعدالة على النحو الي يلائم مجتمعات تخوض مرحلة من التحولات في اعقاب حقبة من تفشي انتهاكات حقوق الانسان سواء حدثت هذه التحولات فجأة او على مدى عقود طويلة (11).

عاشراً: ابعاد العدالة الاجتماعية: للعدالة الاجتماعية عدة ابعاد منها

1-البعد الاجتماعي: الذي يتعلق بمشكلات التمييز والحرمان والفقر والاقصاء الاجتماعي وما تستجوبه معالجتها من سياسات لتمكين الفئات المحرومة من تحسين أوضاعها على نحو مستدام ان تمكين الفئات المحرومة يتطلب الانفاق على التعليم والصحة بحيث تتم اتاحة فرص متساوية في المجتمع بعيداً عن الفجوات بين الدخول.

2-البعد الاقتصادي: المتعلق بمدى اشتراك افراد المجتمع في العملية الإنتاجية وفي جني ثمارها وهو ما يقود الى قضية المساواة في الفرص والحقوق الاقتصادية في مجال العمل وملكية الإنتاج والحصول على الخدمات والمعلومات دون تمييز وكذلك قضية إعادة التوزيع الموارد.

3-البعد البشري: الذي ينصب على مسالة الوفاء بحقوق الانسان ومسالة تكافؤ الفرص امام الجميع لتنمية قدراتهم وتوسيع حرياتهم ومن المتعارف عليه ان حقوق الانسان تعبير اشمل من مجرد بعض الحقوق السياسية والانتهاكات الأمنية بل يتضمن أيضا حق الانسان في العمل والمسكن الملائم والغذاء والشراب كما يتضمن المساواة بين الرجل والمرأة في العمل وضمان حقوق ذوي الاحتياجات المختلفة وتوفير تلك الحياة الكريمة في مثل هذا الوضع الاقتصادي يمثل تحدياً كبيراً للحكومات المختلفة.

4-البعد الإقليمي: المتعلق بالتفاوتات في توزيع الموارد والدخل القومي بين أقاليم الدولة والذي يتطلب الانتباه الى دور السياسات العامة في توسيع هذه التفاوتات او تقليصها كما يتطلب التحول التدريجي نحو اللامركزية.

5-البعد الجيلي: الذي يتعلق بالعدالة بين الأجيال الحاضرة والاجيال القادمة ليس فقط في توزيع الموارد الطبيعية وتحمل كلفة التلوث وانما أيضا في تحمل أعباء الدين العام.

6-البعد المؤسسي: الذي يتعلق بقضايا الحريات والحقوق السياسية والتمكين السياسي من خلال مؤسسات تكفل المشاركة الشعبية في صنع القرار.

7- البعد الثقافي: أهمية تنمية القيم التي تحض على الابداع والعمل والاجتهاد والمنافسة والاعتراف بالأخر والحوار والحلول الوسيطة (12).

الحادي عشر: الصلح العشائري ودور في تحقيق العدالة الاجتماعية دراسة تحليلية

في ضوء الازمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتعاقبة التي عانى منها المجتمع العراقي وما نتج عنها من مشاكل القت بظلالها على افراده ولعل أخطر تلك المشاكل هي كثرة الهجمات الإرهابية التي عاشها افراد المجتمع وهذا ما جعل من المجتمع يعاني فجوة واضحة وكبيرة منها غير قادر على ضبط سلوك افراده الخارجين عن القانون فضلا عن غياب وضعف قوة القانون الرسمي المتمثل بقانون الدولة في تحقيق الصلح والعدالة الاجتماعية بين افراد الذين يرتكبون جرائم تمس امن المجتمع اذ دفع هذا الامر ان تلجاً العشائر الى فرض القانون العرفي في حل الخلافات والمنازعات بين الافراد فضلا عن قيامها بدور الصلح بين الافراد المتنازعون بين العشيرة الواحدة ام بين عشيرة الأخرى.

وعلية فان لكل عشيرة من العشائر العراقية لها اعرافها وعاداتها التي يمكن من خلالها تحديد المسؤولية الجنائية ومقدار التعويض لكل جريمة وهذا الامر جعل من الأعراف والعادات العشائر ان تكون قاعدة قانونية يسير عليها الافراد في تنظيم حياتهم الاجتماعية وفق السنن التي تستخدمها العشيرة في حل الخلافات وأيضا في ضبط سلوك الافراد وامن المجتمع الريفي والحضري اذ ان هذه السنن تتنوع بتنوع الجماعات القرابية مهما كان حجمها ودورها فكل جماعة تسن عدداً من الاحكام العقابية التي تستخدم في البت في المنازعات العشائرية والمشكلات الحاصلة بين افراد العشيرة او مع غيرها من العشائر دون تدخل السلطات الحكومية في شؤونها الداخلية، ويجوز تدخل بعض سلطات الحكومة كطرف لفعل الخير بموافقة شيخ العشيرة.

ومن الجدير بالذكر فان الصلح العشائري الذي تقوم به العشائر في حل الخلافات والمنازعات يعتبر من اهم النظم الاجتماعية والقانونية والأخلاقية القديمة التي عرفها الانسان اذا ادرك الافراد انهم اذا عاشوا معاً بعيدا عن الخلافات والمنازعات أدى ذلك الى اشباع حاجاتهم الضرورية والعيش سوية مما يدعو الى وضع قواعد تنظم شؤون حياتهم من الوجوه وعلية اذا أراد المجتمع ان يستمر في وجوده الاجتماعي، عليه ان يمتلك شروطاً وضوابطاً خاصه بهِ لضبط وتوجيه افراده نحو الالتزام بقواعده ومعاييره وقيمه التي وضعها ووجدها كوسائل ضبطيه تربطهم بأهدافه ونواميسه من اجل جعلهم متماثلين في سلوكهم وتفكيرهم.

بالإضافة لذلك فان الصلح العشائري يعد حكماً عرفياً يلتزم به افراد العشائر لحل المشاكل لذلك يرفض هذا الحكم على الجميع حيث يشترك فيه جميع الرجال من العشيرة فقد دون النساء والأطفال لذلك فهو فرض واجب على المنتمي الى العشيرة سواء رضي او لم يرضي حيث ان هذا الامر يعتبر حكما ملزماً يبعد افراد العشيرة من المشاكل ويعبر عن ارتباط وثيق بينها لذلك فان الرفض وعدم الالتزام بالصلح العشائري يعتبر من احكام القانون العرفي في طرد الفرد الذي لا يستجيب لهذا الصلح العشائري.

وعلية فالصلح العشائري ليس بديلاً عن القانون، ولكنه يساعد القانون في حل القضايا التي تحدث بين الافراد اذ فالقضايا في الحكم القانوني تأخذ وقتاً كبيراً في المحاكم بخلاف الحكم العشائري الذي يحل الامور في وقت أقصر بكثير، وفي نهاية المطاف حتى لو نفذ الحكم في قاتل على سبيل المثال، فالحكم القانوني لا يكون كافياً في أحيان كثيرة لأهل الضحية ولا يسد حق العشيرة كما الحكم العشائري، لأن القضاء العشائري يعمل على تهدئة النفوس واصلاح ذات البين بين المتخاصمين، فعلى سبيل المثال في حوادث القتل يتدخل الحكم العشائري ويفرض هدنة مدة ثلاثة أيام او أكثر، وذلك لتهدئة النفوس وبعد الحرص على عدم حدوث أية أعمال انتقامية، وبالتالي هنا يكمن الدور التكاملي فبعد قيام دور العشائر بدورها يأتي دور القانون الذي سيأخذ مجراه، فالعشائر تحاول مساعدة القانون لا عرقلته.

لذلك فان العدل(العدالة) هو المعيار الذى يدرك من خلاله مدى ثبات المجتمع واستقراره فالمجتمع الذي يتفشى فيه الظلم وتضيع فيه الحقوق وتغيب بين افراده الواجبات فهو مجتمع جاهلي فوضوي وغير قادر على توفير كافة الامتيازات لأفراد وهذا ما يجعل افراده يتسمون بهيجان النفس واضطراب القلب وشرود الفكر وذهاب العقل من جراء الخوف والظلم وعدم الشعور بالاستقرار والامن فيسود بينهم النزاع والشقاق وتتفشى فيهم الجريمة وكل ذلك من جراء خراب المجتمعات فما قامت الصراعات والثورات وتغيرت الحكومات والأنظمة السياسية والاجتماعية الا نفوراً من الظلم وبحثاً عن العدل(العدالة).

اما المجتمع يسود فيها العدل وتعرف فيه الحقوق وتؤدي فيها الواجبات فهو مجتمع يتسم بالثبات والاستقرار حيث تسكن فيه النفوس وتطمأن فيها القلوب فتهدا فيها الضمائر وتهتدى فيها العقول لشعورهم بالأمان والاستقرار اذ ان الانسان الذي يعيش في مجتمع معين ويحظى بحماية المجتمع له في نفسه وماله وعرضة عليه ان يساهم في حماية المجتمع وديمومته ورقية لذا عليه المساهمة في الدفاع عنه في حالة الحرب حسبن قدرته وعلية إغاثة الملهوف وعليه أيضا الكف عن كل عمل يؤدي الى زعزعة الامن كالقتل والسرقة والزنا وغريها من الاعمال المخلة بالأمن والاستقرار .

وهذا يدل على افراد المجتمع ان يلزموا بالقوانين سواء اكانت رسمية ام غير رسمية ويتعاونوا فيما بينهم ليسود الحب والسلام وتستقر العلاقات الاجتماعية ويسود الامن والاستقرار فاذا ساد هذا العدل الاجتماعي عن طرق الصلح العشائري في المجتمع وتعود الناس عليه أصبح العدل الاجتماعي محققا لكل.

الثاني عشر: التوصيات والمقترحات

1-نوصي بناء دولة مدنية ديمقراطية قائمه على أسس قانونية ومؤسسات دستورية يمكن من خلالها حل المشاكل العالقة في المحاكم العراقية وأيضا فرض القانون وتحقيق العدالة الاجتماعية.

2-نوصي مكافحة التفاوت والتهميش الاجتماعي بين الافراد والتخلص من النهج الطائفي واعتماد مبدا المواطنة والانتماء للوطن واحد.

3-نوصي محاربة الفساد الادارية في المحاكم العراقية باعتباره الوجه الاخر للإرهاب وتخريب مؤسسات الدولة والمجتمع.

4-نوصي تخليص المرأة العراقية من القضايا العشائرية المتمثلة بالفصل العشائري وأيضا من تخليصها من التخلف والاجتماعي والظلم والتهميش وتشريع قانون أحوال الشخصية يضمن حقوقها ومساواتها الاجتماعية والاقتصادية بأخيها الرجل.

5-العمل على تحقيق العدالة في توزيع الخدمات بين جميع افراد المجتمع وضمان حرية الراي والتعبير وذلك عن طريق حق التصويت والانتخاب.

6-ضروري تكافؤ الفرص اما الجميع وذلك من خلال توفير فرص العمل القائم على مبدا الكفاءة.

7-ضرورة نشر وترسيخ ثقافة السلام والديمقراطية وحقوق الانسان.

8-نقترح اجراء دراسة ميدانية عن الصلح العشائري والقضاء القانوني من اجل الوقوف على المعالجات والحلول القانونية والعرفي بين المتخاصمين.

9-نقترح اجراء دراسة بين الصلح العشائر وتأثيره في تحقيق العدالة الانتقالية في المجتمع العراقي.

10-نقترح اجراء دراسة عن دور الاعلام في تعزيز قيم العدالة الاجتماعية في المجتمع.

-------------------------------------------------
المصادر
1-نادرة شلهوب ومصطفى عبد الباقي: القضاء والصلح العشائري وأثرهما على القضاء النظامي في فلسطين، سلسلة العدالة الجنائية، معهد الحقوق، جامعة بيرزت، فلسطين، 2003، ص29.
2-ادريس محمد جردات: الصلح العشائري وحل النزاعات، جامعة النجاح الوطنية، نابلس، 2014ـ ص29.
3- عبد الرزاق السنهوري: الوسيط في شرح القانون المدني، الجزء الخامس، دار إحياء التراث العربي بيروت - لبنان، ص67.
4-نادرة شلهوب ومصطفى عبد الباقي: القضاء والصلح العشائري وأثرهما على القضاء النظامي في فلسطين، سلسلة العدالة الجنائية، معهد الحقوق، جامعة بيرزت، فلسطين، 2003، ص30-32.
5-المصدر نفسه: ص32-34.
6-احمد محمود صالح: الصلح وتطبيقاته في الأحوال الشخصية، رسالة ماجستير في القضاء الشرعي، منشور على الانترنيت، جامعة الخليل، كلية الدراسات العليا، قسم القضاء الشرعي، 2007، ص8-9.
7-إبراهيم العيسوي: الافاق المستقبلية لتحقيق العدالة والتنمية في اقتصاد الربيع العربي، حالة مصر، المعهد العربي للتخطيط، الأردن، 2012، ص7-8.
8-محمد احمد عبد الغني: العدالة الاجتماعية في ضوء الفكر الإسلامي المعاصر، أطروحة دكتوراه في الدراسات الإسلامية، جامعة نايف، الرياض، 2014، ص102.
9-د. محمد احمد مصطفى الكزني/ العدالة (تعريفها مكانتها في الشريعة الإسلامية، واهم أنواعها)، www.gaznai.com
10-عبد الرحمن بن النصيب: العدالة التصالحية البديل للعدالة الجنائية، مجلة الفكر، العدد (15) جامعة الحاج لخضر بائنة، ص363.
11-محمد السيد سعيد: عن العدالة الانتقالية والعزل السياسي، مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان/ بحث متاح على الموقع الالكتروني التالي www.cihrs.org/?page_id=2772
12- الطريق الى العدالة الاجتماعية: www.cipe-arabia.org/files/pdf/Democratic

اضف تعليق