q

إن أهمية التعليم مسألة لم تعد محل جدل أو نقاش في أي بقعة من بقاع العالم، فالتجارب المعاصرة أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك إن بداية التقدم والتطور الحقيقية هي التعليم , حيث يلعب التعليم الجامعي دوراً كبيراً في بناء المجتمعات حيث يعد هذا المستوى من التعليم الآلية الرئيسية التي تعمل على تنمية واعداد الطاقات والقوى البشرية التي ينصب اهتمامها في التنمية والتطور الاجتماعي، حيث كانت الغاية الاساسية للبحث في تناوله التعليم الجامعي بالذات لكونه يمثل المرحلة الاخيرة من مراحل التعليم وهي من المراحل المهمة التي ينصب اهتمام المجتمع بكامله عليها كونها تحمل طاقات بشرية كبيرة من كوادر التدريسين والطلاب الذي يعتبرون العمود الاساسي في نقل وتشكيل رأس المال المعرفي للمجتمع ، حيث يمثل رأس المال المعرفي اليوم أساس القوة التي يمتلكها المجتمع بكافة مؤسساته؟ لكن السؤال الاهم الذي اتضح لي من خلال ما نلاحظه عن التعليم الجامعي في العراق هو الى اي مدى يساهم التعليم الجامعي في احداث التطور والتغير وتحقيق التنمية في المجتمع العراقي بعد العناية الكبيرة والاهتمام الكبير الذي تلقاه من كافة مؤسسات المجتمع ؟ وهل يسعى الأفراد الى تكوين رؤية ايجابية اندماجية في المجتمع ام انهم يسعون الى تحقيق مصالحهم ومكاسبهم الشخصية؟.

وانسجاماً مع ما سبق سوف تتناول هذه الدراسة بيان مفهوم التعليم والتعليم الجامعي كونهما الاساس الذي تبنى عليه دراستنا الحالية، كما ستتناول أولاً: التعليم الجامعي والتنمية الاجتماعية كونها من اهم المؤسسات التربوية في المجتمع لأنها تحمل فئة كبيرة من جيل الشباب الذي يمثل العمود الاساسي لبناء المجتمع وتقدمة فيجب العناية بهذه الطاقة الشبابية والحذر من تشتتها وبعثرتها بشكل يؤدي الى انهيارها ومن ثم انهيار المجتمع ككل وتناولنا أيضا وظائف الجامعة، ثانياً: التعليم الجامعي وتحديث المجتمع العراقي، واخيراً تم الوصول الى بعض الاستنتاجات والتوصيات الخاصة بالدراسة التي تضفي الاهمية العلمية القصوى للدراسة.

مفهوم التعليم

يعرف التعليم على أنه عملية التدعيم، للدوافع التي تقوم بها الخبرات المعرفية المكتسبة عن طريق تعلم نماذج الفعل التي تصبح جزءاً من العادات الاجتماعية(1). أما التعليم من وجهة نظر علم الاجتماع يشير إلى عملية التكوين التدريجي للمعرفية الثقافية التي تعمل على تدعيم أو إضعاف الدوافع التي تجعل من نماذج الفعل جزء من العادات(2). وكذلك يعرف التعليم على انه نقل المعرفة من جيل الى جيل اخر بالتعليم المباشر، اي التعليم في بيئة تربوية متخصصة يقضي فيها الأفراد عدة سنوات من حياتهم(3).

حيث يعتبر التعليم هو مجموعة الطرق العلمية والمنهجية التي تزود الأفراد بالخبرة والمهارة والمعارف العامة بما يخلق حافزاً للأبداع والتجدد والابتكار ويعد من اهم العوامل لتقدم المجتمعات وتطورها ثقافياً واقتصادياً ومعرفياً ودينياً. حيث ان لكل مجتمع مؤهلاته وظروفه التي تجعل مؤسساته التعليمية اكثر فاعلية في صيرورة التغيير داخل المجتمع، وان توسع هذه المؤسسات وتطورها يعد في حد ذاته مؤشراً على تحسين مستوى العيش وتراجع نسب الأمية والفقر، كما انه يساعد على تحقيق التوازن الاجتماعي وتحقيق الاستقرار. ويقودنا هذا الى القول إلى إن دور التعليم في تغيير مجتمعاته تغييراً جذرياً يتوقف على مدى قدرته الإنتاجية المتطورة الفعالة التي تكون مناقضة تماماً لقدرته الانتاجية السائدة، وامتلاكه ايديولوجية مناهضة لأيديولوجية النظم السائدة ويعتبر علم الاجتماع التربوي والمعرفي هو من العلوم المهمة التي تناولت هذه الظاهرة بالتفسير والتحليل.

التعليم الجامعي

يقصد بالتعليم الجامعي هو التعليم الذي يقدم للأشخاص القدر الكبير من النضج العقلي والفكري نتيجة للمراحل الدراسية السابقة، وهو المتنوع بين الكليات او المعاهد الجامعية.(4)

اما التعريف لمفهوم التعليم الجامعي حديثاً فهو ذلك النوع من التعليم الذي يتيح للطلاب اكتساب المهارات والقدرات للتكيف مع كل جديد او حديث لاستيعاب كل ما هو جديد لمواجهة الاحتياجات الحالية والمستقبلية سواء للأفراد ام للمجتمع في مجال الانتاج والخدمات.(5)

بناءً على ما سبق ومقارنتاً بمراحل التعليم المختلفة التي مر بها الفرد فان التعليم الجامعي هو مرحلة عليا من مراحل التعليم تتم داخل اروقة الجامعات سواء كانت هذه الجامعات حكومية ام اهلية تتحدد بفترة زمنية معلومة يحصل خلالها الطالب على تعليم اكاديمي متخصص، حيث يبنى على اساس توافر مجموعة من المدخلات البشرية والمادية والادارية، حيث تقوم بدورها في اعداد مخرجات ذات كفاءة وفعالية عن طريق اكتساب مجموعة من المهارات والخبرات والمعارف والقدرات التي تساعد الكوادر البشرية على تحسين نوعية حياتهم لمواجهة كافت احتياجاتهم الحالية والمستقبلية تحقيقاً لتنمية حقيقة وشاملة.

اولاً: التعليم الجامعي والتنمية الاجتماعية

لقد غدا دور التعليم بصفة عامة والتعليم الجامعي بصفة خاصة في التنمية الاجتماعية بديهة من البديهيات التي لا تحتمل المناقشة. وإذا كان ذلك، فالجامعة مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى، بأن تلعب دوراً رائداً وإيجابياً في تحقيق التنمية الاجتماعية في كل المجتمعات مهما اختلفت نظمها الاجتماعية والاقتصادية، فلم تعد رسالة الجامعة مقصورة على تحقيق الأهداف التقليدية من حيث البحث عن المعرفة وتأصيلها ونشرها، كما كان الحال عندما كانت مقصورة على الآداب والعلوم البحتة، وانما اعتمدت تلك الرسالة حتى كادت تشمل كل نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعلمية والتكنولوجية. (6)

ان المتعارف عليه في كل المجتمعات وليس المجتمع العراقي فقط هو ان للجامعة الدور الكبير والافضل في انتاج والتطور وتنمية المجتمع فهي تتصف بالآلة التي لا تتوقف عن الانتاج على مر العصور وفي كل الازمان وهذا ما نلاحظه في كل فترات الزمن الانتاج الكبير للتعليم العالي (الجامعات)، كونها تفرز عقولاً يستفاد منها المجتمع مادياً ومعرفياً وثقافياً لذلك اتجهت كل الانظار الى الاهتمام بالجامعات والعمل على دعمها وتطورها، على الرغم من السلبيات التي نلاحظها اليوم في مجتمعنا العراقي في تردي التعليم الجامعي فقد اصبحت الجامعات العراقية ضعيفة وان كانت بنسبة قليلة، في الاهتمام بالعقول المعرفية والعمل على تلقينها بصورة صحيحة فقد اصبح التعليم الجامعي الغاية منه الحصول على الشهادة فقط اي اصبح الغاية منه الاستهلاك فقط بعيداً عن الانتاج، حيث أن العقبة الحقيقية التي تخنق التنمية وتوقف انطلاقها ليست أبداً في ندرة الموارد ولا نقص التمويل .. إنما تكمن العقبة الحقيقية في غياب أنسان التنمية .. فهو العنصر الأهم والأخطر من بين عناصر البناء والارتقاء والجامعة هي المسؤولة عن بناء وتكوين هذا العنصر، ولكن بدأت يتراجع كل شيء الى الخلف بسبب الحروب والنزاعات التي يعيشها مجتمعنا اليوم فقد سيطرت عليه الطائفية والتشتت الديني وكثرة الفساد الديني الذي ادى الى تشتت عقول الطلبة وانهيارها بشكل سلبي وجعلت الطالب ينظر الى التعليم على انه شيء ثانوي لا توجد تلك الحاجة الماسة له على الرغم من ان التعليم وبالأخص التعليم الجامعي هو من الفترات المهمة جداً التي يجب على الأفراد العناية بها واعطائها الاهمية القصوى، كون التعليم الجامعي الاساس في نقل المجتمع من مجتمع بدائي الى مجتمع نامي ومتطور قادر ومنتج بدرجة كبيرة جداً.

مما جعل من أهم واجبات الجامعة الحديثة هو أن تقابل مع المجتمع لبحث حاجاته والاستجابة لمتطلباته، ووضع الحلول لمشكلاته المتنوعة، ومن هذا المنطلق يمكننا أن نحدد فيما يلي دور الجامعة في التنمية الاجتماعية متمثلاً في ثلاث وظائف رئيسية متكاملة:

أ- الوظيفة الأولى: إعداد القوى البشرية العالية المستوى

ينظر الى التعليم الجامعي على اساس الدور الذي يلبيه في تقدم المجتمعات وتنميتها وذلك عن طريق اعداد الكوادر والطاقات البشرية والفنية والعلمية والثقافية والمهنية وكذلك اعداد القيادات الفكرية التي تعمل على تقدم المجتمع وتنميته(7) وفي العصر الحديث ظلت العلاقة بين التعليم والاقتصاد قوية ومازالت؛ فقد كانت نظم التعليم العام هي القوة الدافعة لبناء ما نسميه الآن بالثورة الصناعية. فإضافة إلى دورها التقليدي بوصفها مصدراً للمعرفة والثقافة كان للمدارس دوراً جديداً، تمثل في إعداد الشباب للعمل في المصانع والقطاعات الخدمية(8). مما لاشك فيه أن احتياجات التنمية لا تقتصر على المستلزمات المادية وحدها، واما تشمل أيضاً القوى البشرية اللازمة لتحقيق هذه التنمية. ومعنى ذلك أن المشروعات الاقتصادية تحتاج إلى رأس المال المادي، كما تحتاج أيضاً وبنفس الدرجة إلى رأس المال البشري، ذلك لأن الانسان هو العنصر الاساسي والرئيس في العملية الانتاجية. ويقوم التعليم بمؤسساته على اختلاف مستوياتها وأنواعها بإعداد وتدريب القوى البشرية اللازمة للتنمية الاجتماعية. أي أن المهمة الأولى والأساسية للجامعات بوصفها من مؤسسات التعليم المهمة في إعداد القوى البشرية العالية المستوى، وبذلك تكون الوظيفة الأساسية للجامعة هي القيام بالتعليم العالي لإعداد القوى البشرية ذات المهارات الفنية والإدارية من المستوى العالي في مختلف التخصصات التي يحتاج إليها المجتمع وفي مختلف مواقع العمل لبدء التنمية الاجتماعية وتحقيقها.

يعتبر العمود الاساسي للتقدم الاقتصادي والاجتماعي هو التعليم وبالأخص التعليم الجامعي الذي يعمل على تشكيل رؤى جديدة ومتطورة للملتحقين به من اجل تنمية وتطور مجتمعاتهم وإعداد الملاكات البشرية الرصينة والمتمكنة لقيادة عجلة التنمية والتقدم الى الامام بكل قدرة وجدارة .

ب- الوظيفة الثانية: البحث العلمي

يعد البحث العلمي نشاطاً أساسياً من نشاطات الجامعة حتى أنه يمكن القول أن البحث العلمي يشكل الخاصية الرئيسية التي تميز الجامعة عن غيرها من مؤسسات التعليم العالي الأخرى، حيث أن البحث العلمي الوسيلة الرئيسية لتعميق وتوسيع المعرفة التي تعتبر من صميم التعليم الجامعي(9).

ومن خلال ذلك عُدّ البحث العلمي المحرك الأساس لتقدم وتطور ورقي الجامعة فهو المنبع الاساسي الذي يستقي منه الفرد كل ما يحتاجه من المعلومات التي ترقي وتنمي المعرفة لديه وكذلك يحقق الانسجام والتواصل بين المجتمعات من خلال التواصل بين العقول العلمية المنتجة للعلم والمعرفة ، وهو أحد الوظائف الرئيسية للجامعة لكونه يشارك في رفد المجتمع بالجديد النافع المتطور ويعينه على تجاوز معوقاته التي تقف في طريقه في الرقي والوقوف جنباً الى جنب مع المجتمعات المتقدمة وتعتبر البحوث العلمية هي مفتاح كل تطور وهي المحرك الأساس للبحوث التطبيقية من خلال تلبيتها جميع الاحتياجات الإنسانية في مواصلة التقدم العلمي وانماء المعرفة إذ يلعب البحث العلمي دوراً مهماً في التغيير والاصلاح ويساهم مساهمة كبرى في تغيير المجتمع واصلاحه والتوصل إلى حلول لمشكلات محددة وتقدم المعرفة واستنباط طرق جديدة من أجل اكتشاف حقائق علمية ومعرفية جديدة، لما له من اهمية في تحقيق التقدم والتطور الحضاري واستمراريته ولبقاء الإنسان وأمنه ورفاهيته.

ت- الوظيفة الثالثة: نقل الثقافة وتحسينها

تتلخص الوظيفة الثالثة للجامعة في المشاركة في تقدم المعرفة وتشجيع القيم الأخلاقية والنهوض بالطبقات الاجتماعية التي تؤدي إلى التقدم الاجتماعي والاقتصادي، وذلك عن طريق دورها التثقيفي والإرشادي مع تبسيط المعارف الجديدة، والمحافظة عليها وتنميتها وتوصيلها إلى نسبة كبيرة من السكان في الصورة التي تخدم أهداف التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وتقوم بدراسة التراث الانساني بعلومه وفنونه وآدابه وغير ذلك من المكنونات الثقافية من خلال المحافظة على العناصر الاصلية الراسخة والصالحة منها للمجتمع مما يحقق استمرار الثقافة الانسانية وتجديدها ونشرها بين أفراد الشعب.(10)

بما أن الوظيفة الرئيسية للتعليم الجامعي هي وظيفة تثقيفية أي تزويد الطلبة بمعارف أساسية في كيفية نقل الثقافة وانتشارها بين الأفراد والمجتمعات. فقد تعتبر الوظيفة الثقافية عنصراً فاعلاً في تطوير آليات النمو بكل جوانبه المعرفية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، من خلال تدعيم المجهودات الفكرية والمعرفية للأفراد والمجتمعات التي تسخر للنهوض بمستويات الحياة، ولترقية الإنسان للأفضل والأرقى، والرفع من قدراته وتحسين أوضاعه في المجتمع. لان الثقافة والتراث الثقافي هي دعامة كبرى من دعائم الوحدة العربية، ومن أهم مقوماتها ويجب نقلها الى الأجيال ومعرفتهم بها وتطويرها من خلال البحث والتنقيب في رحاب العلم عن طريق البحوث العلمية الواسعة التي عملت على تنميتها وتطويرها مؤسسات العلم والمعرفة وكان من اهم هذه المؤسسات هي مؤسسات التعليم العالي (الجامعات)، ونظراً لأثر التعليم في انتاج المعرفة فقد حظى بأهمية كبيرة من قبل الحكومات المتنورة على الصعيد العالمي بكل رعاية واهتمام، حيث يعد التعليم مصدر المرونة والحيوية في بناء المجتمع، يعمل التعليم على تفكيك بنية الثقافة التقليدية التي تربط البشر بالمكان والسياق كما تشدهم الى الماضي وبهذه الطريقة يضعف روابط الإنسان بالمكان والماضي ويعتبر هذا نقطة الانطلاق الأولى للفرد في أي أتجاه.

ثانياً: التعليم الجامعي وتحديث المجتمع العراقي

للتحديث تأثير كبير في جوانب الحياة الاجتماعية. وقد يتمثل هذا التأثير في نشأة الصناعة الحديثة واكتساب المهارات الجديدة، وانتشار التعليم ووسائل الاتصال الحديثة(11). حيث يعتبر التعليم الأداة الفاعلة في تحديث المجتمع وتقدمه كونه النظام الذي يضخ المعارف والقيم الحديثة والمهمة التي تعمل على تفكك روابط الثقافة التقليدية للمجتمع , تلك التي تقف عائقاً في طريق تقدمه وتطوره المعرفي والثقافي . فضلاً عن أن التعليم يقوم بتزويد الملتحقين به بالمهارات والكفاءات والخبرات التي تساعدهم على مشاركتهم بفعالية في دفع عملية تحديث المجتمع وتثقيفه إلى الأمام . إلى جانب أن المتعلمين يكونون عادةً هم حلقة الوصل التي تربط المجتمع بالعالم الخارجي ومراكز أنتاج المعرفة لذلك نجد أن جهود التعليم في التحديث الثقافي وقعت في مختلف المجتمعات والجماعات وعملت على نمو وتقدم الأفراد(12).

اتضح من خلال ذلك ان التعليم وسيلة من وسائل الإصلاح الثقافي , فعن طريقه يمكن أزاله الكثير من المعوقات الثقافية التي تقف في طريق التقدم والتطور داخل اي مجتمع من المجتمعات وبالخص الاخص مجتمعنا العراقي الذي يعتبر من اكثر المجتمعات تمسكاً بالماضي والعادات والتقاليد التي تحط من عقول الأفراد وتجعلهم يرجعون الى الوراء، حيث يعمل التعليم العالي تحفيز الأفراد لتحقيق التقدم ويجعل النفوس أكثر استعدادا لتقبل التغيير فالإرادة الحرة الواعية هي محصلة التعليم وهي الركيزة الاساسية التي لا غنى عنها في احداث التنمية الثقافية وهي احدى القوى المحررة للأفراد والجماعات . وللتعليم دور أساسي وأثر كبير في القضاء على العادات والتقاليد التي تعيق عملية التنمية الثقافية والبشرية وله القدرة أيضاً على تعديل أنماط السلوك ونظم القيم والاتجاهات بما يتناسب مع توجهات التنمية في المجتمع. أن مهمة التعليم هو أنتاج تعليم مهني , اجتماعي وشخصي متوازن , يسهل النمو الشخصي والثقافي المتكامل للفرد، وإعداد المتعلمين لمهنة المستقبل , وأهم أهداف التعليم هو إعداد المتعلمين لمجتمع المعلومات، مجتمع التكنولوجيا والتطورات التي اصبحت مثل البركان الهائج بالنسبة لكل المجتمعات ويصعب السيطرة عليه الى عن طريق العقول البارعة المتعلمة والمثقفة بدرجة تليق بها في هذا المجال وأهم أهدافه هو التعامل مع المعرفة الثقافية، ويعد التعليم من العوامل المحفزة للتحديث الاجتماعي الذي يدعوا العقل العراقي بصورة خاصة والعربي بصورة عامة إلى التحول من صناعة الكلمات إلى صناعة الأشياء ومن اجترار المنظومات إلى نظم الفكر والحياة بل نظم تعليم المجتمع تنظيماً إبداعيا وثقافياً.

العناية الاجتماعية بالتعليم العالي (قراءة تحليلية)

يمثل التعليم العالي قناة اساسية من قنوات تطور وتغير المجتمع وحراكه مهنياً واقتصادياً وسياسياً اي ان التعليم هو العمود الاساسي الذي يستند عليه اي مجتمع من المجتمعات وبدون هذا العنصر المهم بل الاهم من اي شيء اخر في قيام المجتمع بكل قواه التنموية، يحتاج الى القدر الكبير من الرفد والدعم المادي والمعنوي والمالي والروحي ايضاً من قبل المجتمع بكافة مؤسساته ودوائره حتى تقوى المؤسسات العلمية بكوادرها الفنية والادارية وتصبح قادرة بشكل كبير على انتاج قدر مبير من الطاقات البشرية التي تحمل في طياتها العلم والمعرفة والعقول المنتجة التي تحمل البلد من حال الى حال اخر يكون على قدر كبير من الرفاهية والتمتع بحياة علمية واقتصادية متطورة يلحق بها البلدان المتقدمة.

حيث كلما اعطى المجتمع قدر كبير من الرعاية والاهتمام بالتعليم كلما حقق التعليم النمو المستمر والمتواصل، اعتبر التعليم هو العامل الرئيس في المجتمعات الحديثة وذلك بفضل الانجاز الكبير والتقدم الذي حققه واحرزه عبر العصور عن طريق زيادة الانتاج وازدهار الاسواق والتقليل من الصراعات والمنافسات بين طبقات المجتمع فأصبح الفرد ينظر الى الامور بعقلانية تامة حتى وان كانت تحيط به بعض الظروف والملابسات فأن التراكم المعرفي الذي حصل علية في السنوات التعليمية والمعرفية هي التي تغير نظرته حول امور كثيرة تصادفه في حياته العلمية والمهنية واليومية ايضاً، عن طريق نقل وانتشار الافكار الثقافية (تلاقح الثقافات) بين المجتمعات الانسانية ونقل التكنولوجيا ونظم المعلومات والاتصالات الى انحاء العالم المختلفة.

وبما ان للتعليم العالي دور كبير في تنفيذ وظائفه ومسوغاته التي يسعى جاهداً لتحقيقها فأن على كافة مؤسسات المجتمع ومن ضمنها المؤسسات التربوية الاهم في تناولنا هذه الدراسة ، ومن خلال لذلك يجب تحقيق التوسع في التعليم بكافة مراحله وانواعه واتاحته امام افراد المجتمع دون قيود او عوائق مادية او سياسية او اجتماعية او ثقافية وتحديداً التعليم الجامعي ، حيث انه يعد من معالم المجتمع الديمقراطية وتكافؤ الفرص التعليمية وتحقيق المساواة والعدالة امام ابناء الوطن الواحد، حيث يعد التعليم الجامعي الآلية المتاحة حتى الآن للتواصل والاندماج في مجتمع المعرفة والمعلومات لأن هذين النوعين من النظم التعليمية لديهم القدرة على التعاطي مع المستجدات، ويجب من خلال كل ما درسناه في هذا البحث هو تعزيز المهمة المؤسسية للتعليم الجامعي من خلال تأمين الجودة العالية في التعليم والتدريب والبحوث، والخدمات المجتمعية، والمشاركة في تقديم المعرفة الحية والقيم الاخلاقية وانكسار الحواجز بين السوق العالمية وتحليل السياسات وتبني الاساليب الحديثة. اتضح لنا ان هذه العناية الكبيرة والاهتمام الكبير الذي يحتاجه التعليم من قبل جهات المجتمع كافة وذلك باعتباره مؤسسة مجتمعية تهدف الى تهيئة الظروف المناسبة للتفاعل بين الطلاب والأساتذة من خلال الدراسة والبحث وصولاً الى تحقيق اهداف المجتمع ، وقيادة التغير فيه وتحقيق المراد في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، فأن رصيد المجتمع يزداد كلما تطور التعليم الى الافضل والاحسن فبدونه لا ترتقي المجتمعات.

الاستنتاجات

1- نستنتج من خلال هذه الدراسة أن التعليم العالي يساهم في الارتقاء المعرفي للأفراد وهذا يدل على أن الانتماء المتزايد للمؤسسات التعليمية والحصول من خلالها على أعلى الدرجات المعرفية والثقافية له أثر كبير في زيادة معرفة ومهارة الفرد.

2- بينت الدراسة الحالية أن التعليم الجامعي يزود الإنسان بالقدرة على التواصل والانتماء الفعال للمجتمع عن طريق البحث العلمي ونشر الثقافة والصعود بالسلم الاجتماعي من اجل حياة افضل حيث تبين ان للتعليم العالي دوراً قوياً جداً في الرقي الاجتماعي والتغير من وضع الى وضع أفضل.

3- اظهرت هذه الدراسة ان للتعليم الجامعي دور كبير في تحقيق الكفاءة المهنية أي تحقيق القدرة الذهنية والعقلية الكاملة الذي يمتلكها الفرد المتعلم على العكس من الفرد غير المتعلم وتغير مساره للأفضل وكيفية العناية بها لكي ينهض المجتمع ويزدهر في تقدمه العمراني والحضاري.

التوصيات

1- أن لمؤسسات التعليم العالي دور كبير في تبصير الطلبة بمتطلبات المرحلة التي يمر بها الوطن لكونها المؤسسة الأهم في المجتمع، وترسيخ مبدأ المواطنة والتسامح والعيش السلمي واحترام الآخر، وعدم الانجرار وراء بعض الأصوات التي تعمل على تخريب البلاد.

2- تغيير أسس القبول بالجامعات وترجيح القدرات والإمكانيات الشخصية وربط عدد المقبولين بكل تخصص بحجم الطلب المتوقع في الفترات القادمة.

3- إنشاء مراكز لتدريب الشباب على الصناعات الحرفية والفنية التي يزداد الطلب عليها في المجتمع، حيث يعتبر التعليم الجامعي هو المسؤول عن التنمية والتقدم الاجتماعي وهو الغاية الاولى والاساسية للتطور لذلك يجب ان يعد ويؤهل بكل المقومات التي تجعل الغاية منه هي احياء التطور والمعرفة.

4- ترسيخ الشعور نحو الدراسة من خلال المؤسسات الجامعية والثقافية، لكونها أحد الوسائل المهمة لنقل المعلومات، وليس الاقتصار على الحصول على الشهادة الجامعية. هذا ما نراه اليوم في جامعاتنا العراقية، لذا يتوجب أن تشترك كل أطراف العملية التربوية في حالة التغيير المنشود بما يؤمن التوجه الصحيح لمواكبة جميع التطورات الحاصلة في المجتمعات المتقدمة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر
1ـ محمد عاطف غيث، علم الاجتماع التطبيقي، (الإسكندرية : دار المعرفة الجامعية، 1989)، ص 112
2- جمال أسد مزعل ، التعليم في العراق، ( الموصل : مطابع جامعة الموصل، 1990)، ص 154 وما بعدها
3- انتوني غدنز، علم الاجتماع،(لبنان : مركز دراسات الوحدة العربية للتوزيع،2005) ص74.
4- A .Good c .v, Dictionary of Education, MC Hill Book Group, 1988, p.82.
5- مجدي عزيز ابراهيم، تطور التعليم في عصر العولمة, (القاهرة: مكتبة الانجلو المصرية، 2000)، ص231.
6- محيا زيتون، التعليم في الوطن العربي في ظل العولمة وثقافة السوق، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2005)، ص221.
7- هاشم فوزي العبادي، التعليم الجامعي من منظور إداري ـ قراءات وبحوث ، (عمان: م.ط، 2010)، ص27-28.
8-Caldwell, Brian. J. & Hayward, Donald. K(1998); The Future of Schools; Lessons from the Reform of Public Education, London; the Flamer Press. P. 3- 4.
9- احمد الخطيب، الادارة الجامعية ـ دراسات حديثة ، (الاردن : اربد، 2006)،ص32-36.
10- عبد العزيز بن عثمان التويجري، التنمية الثقافية من منظور إسلامي، (إيسيسكو : المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ،1996)، ص7.
11- عبد الله عامر الهمالي، التحديث الاجتماعي معالمه، ونماذج من تطبيقاته، (ط2)، (بنغازي: دار الكتب الوطنية، 2008)، ص7.
12-عدلي ابو طاحون، التغير الاجتماعي، (الاسكندرية: المكتب الجامعي الحديث، 2008) ، ص138.

اضف تعليق