q
منوعات - علوم

أوراق في فلسفة الفيزياء

الحلقة الأولى

لقد عرف عن معنى الإستقراء هو أسلوب يستخدم لنقل معرفة الحقائق والوقائع المنفردة إلى العموميّات أو التعميمات. وقد تبنّت العديد من النظريات هذا الأسلوب في الكثير من الأعمال العمليّة العلميّة.

لقد مرّ الإنسان بالعديد من التغييرات على ذهنه وعقله عموماً ووصل الى المستوى الذي يجعله يقارع مكنونات عديدة بهذا العقل. لكنّه يصاب أحياناً بغرور قاتل! والذي يجعلني أقول هذا هو البحث أو الأبحاث التي آلت الى إكتشاف الجسيم هيغز أو بوزون هيغز Higgsboson والذي أثار موضوعه شجون الكثير من الناس.

لقد إتّصل بي أحد الأخوة الباحثين في مجال الفيزياء ليناقش هذا العمل الخلاّق والمثابر والذي سيغيّر الكثير من المفاهيم عند الكثير من الناس! (كما قال لي متبجّحاً!) وقد آثرت أن أثير الموضوع بطريق آخر ربّما لا يرضي بعض السادة والسيدات!

لقد راقبت ميزة من المميزات التي باتت موروثاً عند العديد من الناس! هي، إنْ أثَرْنا موضوعاً يتعلّق بمستوى بحث من هذا النوع (خاصة وأنّ الباحثين(العلماء) من النوع الذي حصل أغلبهم على جائزة نوبل المعروفة في مجالات الفيزياء والفلك وغيرها)، قيل لنا ما لكم والكلام بلا عمل! كيف لواحد مثلنا يقارع مثل هؤلاء العلماء، خاصّة وقد عرف عنّا نحن العرب أو الشرقيّون بأنّنا قوم نتكلّم كثيراً بلا أيّ تقدّم في عمل ولا حركة بإتّجاه العلم والعلميّة! وكيف لنا أن نتكلّم وسط هذا الحشد من العلماء والخبراء وأهل الدراية بما هم إكتشفوه! فهل يحقّ لنا نحن أهل التخلّف!! أن نتكلّم وسط هذا العالم المتقدّم، خاصّة وقد بلغت جامعاتنا مستوى من الانحطاط العلمي والتقني والبحثي لم تبلغه منذ عشرات السنين ولأسباب عديدة سأوردها في مقال آخر؟!

لقد عانى ويعاني الكثير من العرب والمسلمين من مشكلة عويصة وصعبة هي كيفية الخروج من الإتّهام بالتخلّف الذي لحق بهذه الأمّة، إن كانت بالفعل قد وصلت الى ماوصلت اليه من تقدّم ذكره التاريخ!

حيث أشير إلى صفحات عديدة من هذا التقدّم الذي يسجّل لأمّة العرب والمسلمين!

من هذه الصفحات، تحديد بداية ونهاية لهذا الكون، بل هناك العديد من طرق التفسير الرائعة حول إستمرار الكون في التوسّع والنضوج وتحديد اسلوب الانكماش أو الانقضاء والانكفاء ليعود هذا الكون الى شكله الذي تمثله النظريتان (العلمية الطبيعية والاسلامية!) باللاشكل أي نقطة عديمة الأبعاد.

لا تستغرب من هذا القول! سيأتيك الجواب تباعاً.

لا استطيع القول بالنظرية الدينية (بالعام المطلق!) للاختلاف الكبير بين النظرية الاسلامية والتصورات الاخرى في الاديان السماوية (المسيحية واليهودية وغيرها) وغير السماوية (كالهندوسية والبوذية وغيرها).

لقد وقع الكثير في اشكال حسّاس هو، هل القرآن الكريم كتاب علم كي نتحدّث عن علمية طبيعية في القرآن الكريم؟! وهل يحقّ للعلم الطبيعي القول بأنّ النظريات العلمية أو بعضها يلتقي مع بعض الآيات أو الكلمات المُنزَلة من السماء؟!

لقد ذكر الكثير من العلماء والفقهاء وغيرهم عن لا إلتقاء ما بين العلم والدين، بل لا يمكن الحديث عن هذا ابداً! وقد ذكر الكثير الى أنّ العلم والدين خصمان في اسلوبيهما وفي طرائقهما، واحيانا في نتائجهما. وقد خدم هذا التصور العديد من الآراء والنظريات العلمية كنظرية دارون للتطور ونظرية ماركس في الاقتصاد ونظرية انشتاين في الفيزياء والرياضيات، وربما نظريات أخرى.

لقد نسي الكثير من هؤلاء أنّ مهد الفلسفة التي تسبق أيّ خطوة من الخطوات العلميّة المتقدّمة، كان في الشرق، وبدقّة نقول: لا يعرف، هذا المهد ما إذا كان في اليونان أم في بلاد الشرق الذي نحن جزء منه! وليس غريباً علينا أن ندلي بدلونا في هذا المضمار فليس بالعيب أن لا تتوفّر لنا أسس البحث لانّنا لا نمتلك أدوات البحث لسنوات طويلة منذ أكثر من مئة عام! بل ما زلنا نبحث عن ربيع عربيّ! وربيع نختلف على تسميته! ومازال الإستبداد يغطي الكثير من بقع هذه الأرض المسمّاة بالأرض العربيّة. ونزيد من الشعر بيتاً، أنّ المال الضروريّ للبحث والتقدم العلمي توفّر في أيدي لا تجيد القراءة والكتابة وإن أجادت فإنّها مازالت تبحث عن ضرورة الإنتماء الى فئة، للقضاء على الفئة الأخرى! من طائفة ومن حزب ومن قومية ومن دين! والموضوع طويل سنحاول أن نأتي عليه في وقت ما كما قلت آنفاً، إن شاء الله تعالى.

لندخل الآن عمّاذا نريد قوله: ونبدأ من المادة. لنتطرّق الى الضرورة من عمليّة وجود أو عدم وجود هذه المادة.

يسأل الإنسان دائماً عن ماهيّة المادة؟

لقد لوحظ أنّ للمادة معان عديدة وفق التصوّر الذي وصله الإنسان ووفق التطور التأريخيّ لمفهوم المادة عبر العصور. من مفهوم فلسفيّ إلى مفهوم علميّ متطوّر. لقد ذكر أرباب علم الفيزياء الكلاسيكيّة تعريفاً غريباً للمادة، ولا أدري كيف المزج بين هذا المفهوم ومفهوم المادة المتعلقة بذات الكون! من الناحية الفلسفية! حيث ذكر في الفيزياء أنّ المادة (في الفيزياء الكلاسيكيّة بالطبع!) هي كلّ شيء له كتلة وحجم ويشغل حيّزا من الفراغ. ولهذه المادة أو الشيء كلّ الخصائص التي تتصف بها من الحجميّة والكتلويّة والكثافة والحيزيّة وغير ذلك. أي أنّ هذا الشيء أو المادة يكون في حقيقة الأمر ملموساً. ونقول أنّ من الأشياء التي عيب فيها على الفيزياء الكلاسيكيّة هو هذا التصوّر للشيء الذي أطلق عليه مفهوم المادة! حيث قيل في هذا الحقل من العلم أنّ المادة هي كلّ شيء له كتلة وحجم ويشغل حيّزاً من الفراغ (كما أشرنا) مع الخصائص الأنفة، لتشكّل ما يعرف بالكون. وفي الفيزياء الحديثة التي تلت تجارب ماكسويل وأنشتاين تحوّل الكثير من المفاهيم الى مفاهيم جديدة، منها مفهوم المادة. حيث إرتبط مفهومها وخواصّها وما يترتّب عنها بإصطلاح جديد له علاقة وثيقة بالمادة ويكاد لا يتمّ الفصل بينهما أثناء التعامل مع مفهوم المادة ذاتها ذلك هو الطاقة.

ومفهوم الطاقة إصطلاح يدلّ على القدرة الماديّة لنظام ماديّ لإداء شغل ما. وهذه الطاقة موجودة في عدّة أشكال مثل الحرارة (فإرتبطت بما إصطلح عليه بالطاقة الحراريّة)، الطاقة الحركية أو الميكانيكية، الضوء، الطاقة الكامنة، الكهربائية، أو أشكال أخرى. ووفقا لقانون حفظ هذه الطاقة، تبقى الكميّة أو المجموع الكليّ لهذه الطاقة محفوظاً ولا يجري عليه أيّ فناء! على الرغم من أنّها قد تتحوّل إلى شكل آخر من أشكالها. وكلمة الفناء فيها الكثير من المعنى! نحاول بلا ملل أن نشير اليه لاحقاً! لكن نشير الى أنّ الوحدات التي تستخدم في الطاقة وفق النظام العالميّ للوحدات (الجول والذي هو عبارة عن وحدة النيوتن في المتر أو وحدات القوة في وحدات إزاحة) هي نفسها التي تستخدم في الشغل. وهذا ما يسبّب الكثير من الإلتباس لدى طلابنا! فمفهوم الشغل وإرتباطه بالطاقة يحتاج الى تصوّر فلسفي قليل لا يتوفّر شرحه عند الكثير من مدرّسي وأساتذة الفيزياء أنفسهم! وقد وضع العلماء العديد من العلاقات التي تربط بين مفهوم المادة وكيفيّة تحوّلها أو تشكّلها. وقد كان العالم ألبرت أنشتاين قد وضع العلاقة المعروفة والتي تكتب على صورتين بمفهومين هما:

E=mc^2

أو

∆E=∆mc^2

حيث تمثّل المعنى الذي ينصّ على أنّ أيّ تغيير في كتلة ما مضروباً في مربّع سرعة الضوء يساوي التغيّر في الطاقة. وقد إكتشف العديد من العلماء نسبة تشكّل المادة، حيث كانت 27% من كتلة الكون، لتتضمّن المادة الطبيعيّة التي تشكّل نسبة 4% والتي تشمل المادة غير المضيئة والمادة المضيئة التي تشكّل 0.4% من كتلة الكون بينما تشكّل المادة غير المضيئة نسبة 3.6% من كتلة الكون المذكور. أما الـ23% الأخرى فهي المادة المظلمة، والـ73% الباقية هي الطاقة المظلمة. وتكون المادة بأشكال متعدّدة منها ما يكون طبيعيّاً ومنها ما يكون إصطناعيّاً أي ينتج في المختبر بالإضافة الى حالات نادرة أخرى (كالنجوم النيوترونيّة).

لقد قلت في إحدى مقالاتي ما يلي وللأهمية سأشير لذلك ليكون الموضوع مترابطاً.

سؤال ربّما يخطر في بال القريب والبعيد، بذهن العالم وغيره، ما الذي حدث أو كان قد حدث قبل عمليّة الإنفجار العظيم؟

من الأسئلة المحيّرة أيضاً هو هل أنّ هذا الفضاء آيل إلى الأبديّة أي اللانهاية؟ من أين جاء أو جيء بالبشر أو الكيفية التي تشكّل بها كوكب الأرض والكواكب الأخرى؟ ويبقى اللغز الكبير هو نفس السؤال أو قل نفس الجواب هو العود إلى قول أنّ الأصل النهائي لكلّ الأشياء توعز إلى الانفجار الكبير. ولكن ما سبب ذلك؟ هو أيضاً سؤال آخر نحتار كما إحتار غيرنا في الإجابة عليه!

نعم لقد توصّل بعض العرفاء الى نتائج رائعة في الولوج في مكنونات العالم الفوقي والتحتي لحلّ الكثير من الاشكالات لكن بقي الموضوع حبيس أذهانهم لا يمكن لهم ان يقنعوا الآخر العاشق لكلّ ما هو معبّر عنه رياضياً أو تجريبيّاً. لقد حلّت العديد من المشاكل ذهنيا بالفعل، لكن بقي الطريق أو الوسيلة المناسبة كي تصل هذه الحلول الى الاخر والا فهي في ذهن الاخر عبارة عن هرطقات كما يسمونها هم!

هل حدث الحدث بدون سبب أو بدون علّة؟ هل حدث الذي حدث إعتباطاً لا دخل لشيء أو غيره بما حدث وبما يحدث؟ ما الذي تسبّب في هذا الذي حدث؟ وهل يمكن أن يحدث ثانية؟ ما هي نسبة حدوث الحدث ثانية؟ وهكذا هناك أسئلة كثيرة يمكن بل من حقّ المرء أن يطرحها بهذا الشكل أو بغيره. لكنّ المزعج حين يطرح مثل هذا السؤال حول خلق الكون ثمّ الإسترسال في عملية الخلق (والعياذ بالله تعالى). من الأمور التي ينبغي الإشارة لها هو أنّ البعض ممّن إبتلى نفسه بإخفاء الحقيقة هي المراوغة في القول والإدّعاء بأن لا بداية لهذا الكون، وأنه موجود منذ الأزل. وينبغي أن نقول للأسف، هناك أسباب علمية كثيرة وراء هذه الفكرة الواضحة وغير السليمة.

المشكلة الكبيرة التي تواجه العلماء هي ما الذي كان وما الذي حدث قبل عمليّة الإنفجار العظيم؟ حيث الكثير من الناس ومن متخصصي الإقتصاد يثيرون المشكلة الأخرى التي تتطرّق إلى ماهيّة الضرورة التي تجعل من هذا الصرف والتسخير المالي لمثل هكذا بحوث؟! ومن حقّ الناس إثارة مثل هكذا مواضيع خاصّة في فترة الأزمات الماليّة التي تعصف بالعديد من الدول التي أخذت على عاتقها هذا التوجّه العلميّ لحلّ العديد من المشاكل في هذا الإتّجاه.

إنّ عمليّة الإنفجار العظيم الذي تتطرق له هذه النظريّة المرتبطة بإيجاد التفسير المقبول لنشأة الكون، لم تكن عمليّة فجائيّة (على الأقل من الناحية العلميّة!) إنّما سبقتها عدّة تحضيرات لقيام هذا الإنفجار من ضغط ودرجة حرارة وكثافة وكمون طاقيّ يمكن أن يهيئ الأمر لهكذا إنفجار. وكذلك ما الذي يمكننا أن نتحدّث عنه من ناحية مفهوم الزمن والمكان! وقد أثرت الكثير من الأسئلة حول العديد من هذه الأمور، والتي يجب عليّ الإجابة عليها ما إستطعت إذن يمكن القول من خلال ما أشير أنّ المادة (كما عرّفوها) في التركيب المعروف: مركّبات ـ عناصر ـ جزيئات ـ ذرات ـ جسيمات تشمل البروتونات والنيوترونات التي تشكّل نواة الذرّة، وجسيمات الإلكترونات التي تدور في مدارات الذرة. ومكوّنات الجسيمات النوويّة التي تشمل الكواركات واللبتونات والبوزونات والتي يطلق عليها بالجسيمات الأوليّة.

من هذا نلاحظ أنّ كل شيء، يتكون من ذرات (الذرات هي اللبنات الأساسية في الكون): كل شيء في الطبيعة، وجميع الأشياء من حولنا تتكون من ذرات. هناك نحو 100 نوع مختلف من الذرات. ولكنّها يمكن أن تكون مجتمعة لتشكيل جميع المواد التي نعرفها في هذا المحيط أو في هذا الكون. حالياً يعرف الباحثون حوالي 20 مليون نوع من مختلف المواد.

لقد إختلفوا في تعريف المادة ولكنّهم إتّفقوا على ماهيّتها في العديد من الدراسات. حيث قيل أنّ المادة تعني شيئاً ما أو أشياء عدّة. المادة كلّ شيء موجود، نحسّه (والمعروف في ذلك أن نحسّه مباشرة أو غير مباشر من خلال التأثيرات التي تتركها أو تترك آثاراً تدلّ عليها) و (أو) نلمسه أو نتعامل معه.

لدينا على كوكب الأرض الكثير من المواد التي لا يمكن تخيّلها أو فهمها تقريباً. بينما الكثير من المواد التي تحيط بنا مثل الحجر، الأرض، الماء والهواء هي أمثلة على المواد التي تحدث بشكل طبيعيّ. ولكن لدينا أيضاً مواد تخلق بإستمرار أي نشوء مواد جديدة بشكل مستمر. هذه المواد مثل البلاستيك والزجاج والفولاذ المقاوم للصدأ وغير ذلك.

هناك ما يزيد قليلا عن مئات من أنواع مختلفة من الذرات. من هذه الذرات يمكن تشكيل المواد المتوفّرة في الطبيعة وفي أيّ وقت من الأوقات. وهذه المواد يمكن تقسيمها إلى مجموعتين هي العناصر والمركّبات الكيميائيّة.

إنتهت الحلقة الأولى

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق