q

يعد الأكراد الفيليون من المكونات العراقية الأصيلة التي اضطهدت خلال اغلب الحكومات الحديثة. ولعل إثارة تبعيتهم لبلد مجاور هو إجحاف وتشكيك في هويتهم العراقية من خلال العمل على تكريس جملة قوانين الجنسية التي تؤكد أن البلد انما هو من مخلفات الدولة العثمانية؛ وحتى وقت قريب كان العراقيون يطلقون على شهادة الجنسية (درجة أولى) التي تمنح بموجب المادة 4/أ شهادة عثمانية، وهذا اعتراف صريح أن العراق مازال يعمل وفق النظرية التركية التي كرست مذهباً معيناً وفرضه على الآخرين.

والحال لا يشمل العراق فقط بل حتى مصر عندما فُرض عليها العثمانيون ومن بعدهم أحفاد محمد علي باشا المذهب الحنفي برغم أن المصريين غالبتهم من المذهب الشافعي. عند انهيار الدولة العثمانية وتشكل الدولة العراقية 1921 تحت قيادة أولاد الشريف حسين، فان اغلب موظفي دولة الفتية كانوا من خدموا الدولة العثمانية وأصبحوا فيما بعد وزراء وقادة الجيش حتى أن شخصية مثل عبد المحسن السعدون كان يجد صعوبة في التحدث باللغة العربية لدرجة انه كتب وصيته قبل انتحاره باللغة التركية.

اذا نظام الدولة العراقية اعترف بالتبعية، ولكن فضل واحدة على أخرى نتيجة انحياز مذهبي معروف. ونجد في التعداد السكاني الذي جرى في العهد الملكي توصيف لبعض المكونات السكانية منها مفردة "الايرانيون"، ويمكن للقارئ مراجعة كتاب حسن علوي "الشيعة والدولة القومية في العراق"، وزاد من حدة التطرف المذهبي تعامل بعض الشخصيات ذات التوجه العروبي لحصر بعض الأكراد الشيعة في خانة (العجم) ولعل ساطع الحصري هو من كرس هذه النظرية حتى في بعض المناهج الدراسية.

إذا صراع الهوية الذي عاشه الأكراد الفيليون لم يكن ناجم عن مسألة قومية، بل للانتماء المذهبي دور كبير في تجريدهم من جنسيتهم العراقية حيث أشار المؤرخ العراقي حنا بطاطو في كتابه "الطبقات الاجتماعية" ص40 في تعليقه على إحصاء 1947 إلى مفردة " الشيعة الأكراد (الفيلية)" ونسبتهم السكانية، فقدم المذهب على القومية. ما يعكس ما ذهبنا إليه أن الأكراد الفيليين لم يضطهدوا من ناحية القومية، بل لكونهم من أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام ما جعلهم من أهداف جملة من قوانين الحكومات العراقية المتعاقبة منذ 1921، وربما الفترة الوحيدة التي شعر بها الفيليون بنوع من الارتياح فترة الزعيم عبد الكريم قاسم 1958- 1963.

وهناك حقيقة أخرى يجب التركيز عليها هي أن الأكراد " السنة " كانوا يعشون صراع قومي مع الدولة العراقية لم يكن للأكراد الفيليين هذا الحماس لأن المذهب تغلب على القومية عندهم. في حين لم تسحب جنسية من الأكراد السنة، وكان يجوز لهم دخول الأجهزة الأمنية وبعض المؤسسات الحاسة. في حين فرغت الكثير من الوزارات الحكومية من الأكراد الشيعة وتحول حتى المعلمين والمدرسين منهم إلى قراء مقايس، وحرموا من إكمال دراستهم العُليا وغيرها من أساليب النظام البائد.

وتعد فترة تولي حزب العبث السلطة هي الأسوأ على الأكراد عموما والفيليين خصوصاً لعل عملية التهجير القسري هي من أخطر القضايا المعاصرة وتواز الأنفال والحلجبة ومذبحة الأرمن ومجازر البوسنة الهرسك. مئات آلاف من العوائل تم تهجيرها إلى إيران ومصادرة أملاكهم مع اختفاء آلاف من الشباب في سجون النظام ليستخدموا فيما بعد كدروع بشرية لتفجير حقول الألغام في حرب الثمانينيات، ومازال حتى اليوم مصير هؤلاء الشباب مجهولا.

الأكراد الفيليون دفعوا ثمن ولائهم لمذهب أهل عليهم السلام بمزيد من التضحيات والتهجير والتهميش. لكن رغم كل هذه المعاناة استطاعوا أن يزرعوا هذا الحب المحمدي في جميع اقصاء المعمورة التي انتشروا فيها من خلال إحياء العشائر الدينية وبناء الحسينيات فضلا أن الأكراد الفيليين من الفئات العراقية التي لبت بناء المرجعية الدينية في فتوى الجهاد المقدس. ومن واجب الحكومة اليوم أن تعيد لهذه الشريحة العراقية الأصيلة بعض حقوقها وتعوضها الحيف الذي لحق بها من خلال إصدار قوانين منصفة.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق