q

تعاني البلدان العربية من مشكلات وازمات كبيرة ومستمرة، أثرت سلبا على حياة المواطن العربي الذي أصبح اليوم يعيش في واقع مؤلم بسبب بعض القيود والقوانين المشددة، التي فرضتها العديد من الحكومات بعد ما بات يعرف بثورات الربيع العربي، وكانت سببا في قمع الحريات، وسجن وتعذيب الجهات المعارضة وتقيد حرية الإعلام الذي أصبح يخضع لرقابة مستمرة. وبحسب بعض التقارير الخاصة فأن حرية الصحافة وفي العالم العربي، قد شهدت تراجعاً خطيرا في السنوات الاخيرة، حيث تعرض العديد من الصحفيين والإعلاميين لمضايقات كثيرة والتهديدات والاتهامات مختلفة.

وفيما يخص اخر تطورات هذا الملف قالت سلطات السجن ومحام إن صحفيا بريطانيا جزائريا توفي بعد أن أضرب عن الطعام لمدة ستة أشهر في الجزائر احتجاجا على سجنه لنشره مقالات اعتبرت مناهضة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة. وطالبت جماعات مدافعة عن حقوق الإنسان بالتحقيق في وفاة الصحفي محمد تامالت وقالت منظمة مراسلون بلا حدود إن نبأ وفاته "صفعة قوية لكل من يدافع عن حرية المعلومات في الجزائر."

وقالت إدارة السجن في بيان إن المدون والصحفي الذي يعمل بالقطعة البالغ من العمر 42 عاما توفي متأثرا بإصابته بالتهاب رئوي في مستشفى بالجزائر. وقال محاميه أمين سدهم على فيسبوك "تأكيد وفاة الصحفي محمد تامالت بمستشفى باب الواد بعد إضراب عن الطعام دام أكثر من ثلاثة أشهر وغيبوبة دامت ثلاثة أشهر." واعتقل تامالت الذي يقيم في لندن في الجزائر في بسبب تدوينات على فيسبوك اعتبرت انتقادا للسلطات الجزائرية.

وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بحقوق الإنسان إن تامالت حبس احتياطيا في اتهامات تتعلق بالإساءة للرئيس وإهانة هيئة نظامية ثم صدر عليه حكم بالسجن عامين. وقالت ياسمين كاشا مديرة مراسلون بلا حدود في شمال أفريقيا "من الضروري السماح للمحامين بالاطلاع على الملف الطبي للصحفي." وقالت في بيان "يتعين تقديم اعتذار علني لأسرة الصحفي وفتح تحقيق على الفور." وقالت إدارة السجون الجزائرية إن المستشفى كان يعالج تامالت من التهاب رئوي وإنه كان يتلقى علاجا يوميا منذ أن بدأ إضرابه عن الطعام في أواخر يونيو حزيران.

دول الخليج

الى جانب ذلك دعت منظمة هيومن رايتس ووتش دول الخليج إلى إجراء إصلاحات بدل وضع المعارضين خلف القضبان، منددة بقمعهم. وقالت مديرة المنظمة إن هذه الدول "تشن هجوما منظما وجيد التمويل على حرية التعبير". وباستثناء البحرين وسلطنة عمان، لم تشهد دول مجلس التعاون الخليجي أي توتر أو أعمال عنف بعد الربيع العربي. ويضم مجلس التعاون لدول الخليج السعودية والبحرين والكويت وعمان وقطر والإمارات.

ولجأ عدد كبير من المعارضين في هذه الدول التي تحظر غالبيتها الأحزاب السياسية والتجمعات، إلى شبكات التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيس بوك ويوتيوب للتعبير عن أرائهم. وطالبت "هيومن رايتس ووتش" بإجراء إصلاحات في دول الخليج، وذلك بعد إطلاق موقع تفاعلي عليه صور ونبذات عن 140 معارض معروف، في لفتة إلى حد الـ140 حرفا الذي يفرضه موقع تويتر.

وبين هؤلاء المعارضين البحريني نبيل رجب المتهم بـ"إهانة" السلطات في المنامة والرياض والناشط السعودي وليد أبو الخير الذي يقضي عقوبة بالسجن لمدة 15 عاما. وأعلنت مديرة مكتب المنظمة في الشرق الأوسط سارة ليا ويتسون، "تشن دول الخليج هجوما منظما وجيد التمويل على حرية التعبير، لوقف التغيير الذي قد تحدثه وسائل الإعلام الاجتماعي وتكنولوجيا الإنترنت". بحسب فرانس برس.

وتابعت ويتسون "بدل سجن المنتقدين السلميين على الإنترنت، على الحكومات الخليجية توسيع النقاش بين أفراد المجتمع، وتنفيذ الإصلاحات التي تشتد الحاجة إليها والتي طالب بها العديد من هؤلاء النشطاء لسنوات". ومنذ العام 2011، شددت دول الخليج قوانينها لـ"مواصلة تقليص حرية التعبير، ومعاقبة خطاب يرونه ‘إجراميا‘، خصوصا عبر الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي"، بحسب "هيومن رايتس ووتش".

الجزائر

على صعيد متصل أوقف الناشط الحقوقي المسجون كمال الدين فخار اضرابا عن الطعام بداه قبل 108 ايام في سجن الاغواط جنوب الجزائر، حسبما اعلن محاميه. ونص تصريح مكتوب نشره المحامي صلاح دبوز "لم تستطع عزيمتي وإصراري على الاستمرار إلى النهاية، أن تصمد طويلا أمام طلبات، نصائح، رجاء، وحتى غضب أفراد العائلة، وأصدقائي(...) لوضع حد للإضراب عن الطعام".

وكان حقوقيون وصحافيون طالبوا في التاسع من نيسان/ابريل باطلاق سراح فخار، كما يقوم محاميه دبوز منذ ستة ايام بمسيرة من العاصمة نحو الاغواط على مسافة 400 كلم "للمطالبة باطلاق سراح موكله وكل مساجين الرأي. وذكر فخار انه اختار ان يوقف اضرابه بمناسة الاحتفال ب"الربيع الامازيغي" في اشارة الى احداث 20نيسان/ابريل 1980 التي شهدتها منطقة القبائل بشرق الجزائر للمطالبة بالديمقراطية والاعتراف ب"الهوية الامازيغية". وفخار من منطقة وادي ميزاب الامازيغية.

واشار فخار وهو طبيب الى انه يعاني من التهاب فيروسي كبدي وان الاطباء نصحوه بتوقيف الاضراب عن الطعام "حتى يستعيد قواه لمباشرة العلاج" و"لكي تكون لي القدرة على مواصلة النضال السلمي مع الجميع لتسليط الضوء والكشف عن كل الحقائق في أحداث غرداية". ووجهت الى الناشط في حقوق الانسان في غرداية في التاسع من تموز/يوليو 2015 اتهامات فاق عددها العشرين، كما صرح دبوز سابقا. بحسب فرانس برس.

وكان المحامي اكد "توجيه عشرين تهمة لفخار بينها ثلاث عقوبتها الاعدام مثل المساس بامن الدولة والارهاب والنداء الى حمل السلاح". وابرز تهمة وجهت الى فخار المضرب عن الطعام منذ الثالث من كانون الثاني/يناير 2017 هي "الدعوة الى انفصال ولاية غرداية عن الدولة الجزائرية"، وهي تهمة نفاها على لسان محاميه. وينتظر فخار ان تفصل المحكمة العليا في الطعن ضد قرار غرفة الاتهام الذي رفعته الى النيابة العامة. وشهدت غرداية الواحة الجنوبية للجزائر مطلع 2015 مواجهات بين العرب والامازيغ اسفرت عن مقتل 23 شخصا وتوقيف اكثر من مئة بينهم فخار الذي القي عليه القبض في 9 تموز/يوليو. وحوكم بعض المتهمين وحكم عليهم بالسجن.

قطر

في السياق ذاته أعلنت منظمة حقوقية خليجية أن السلطات القطرية منعت من السفر المحامي الناشط في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان نجيب النعيمي، الذي سبق أن دافع عن شاعر سجن لخمسة أعوام وكان ضمن فريق الدفاع عن صدام حسين. وقال "مركز الخليج لحقوق الإنسان" الذي يتخذ من بيروت وكوبنهاغن مركزا، في بيان إنه بتاريخ السابع من شباط/فبراير "منعت السلطات في قطر محامي حقوق الإنسان البارز الدكتور نجيب النعيمي من السفر بدون إبلاغه عن أي من الأسباب المحتملة". وأضاف أن النيابة العامة في قطر وضعت النعيمي على قائمة الأفراد الذين لا يسمح لهم بالسفر خارج الدولة "بدون أي توضيح مسبق أو توجيه أي تهمة ضده".

والنعيمي بحسب المركز محام "معروف" في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان "وقد دافع بشكل تطوعي عن سجناء الرأي في قطر بما في ذلك الشاعر محمد راشد العجمي". وكان النعيمي، وهو وزير عدل سابق، أحد اعضاء فريق الدفاع عن الرئيس السابق صدام حسين. كما أنه تراس لجنة في العام 2003 للدفاع عن إسلاميين مسجونين في غوانتانامو. وسجن العجمي بين عامي 2011 و2016 بتهمة التحريض على نظام الحكم على خلفية قصيدة تناولت أحداث الربيع العربي وتضمنت انتقادا لأمير البلاد السابق الشيخ حمد بن خليفة كتبها في 2010، بحسب ناشطين. بحسب فرانس برس.

وحكم على الشاعر الملقب بابن الذيب بالسجن 15 عاما لكن السلطات أطلقت سراحه في آذار/مارس 2016 بعدما حظي بعفو أميري. ودعا المركز قطر إلى رفع حظر السفر عن النعيمي "فورا ودون أي شروط"، وضمان ممارسة جميع المدافعين عن حقوق الإنسان في قطر "وبكل الظروف" عملهم "المشروع في مجال حقوق الإنسان دون خوف من الانتقام". بدورها، نددت منظمة العفو الدولية بمنع النعيمي من السفر وطالبت في بيان "الحكومة القطرية بالمسارعة إلى" العودة عن هذا القرار "أو أن تبلغه (النعيمي) في شكل مكتوب بالأسباب القانونية التي دفعتها إلى القيام بذلك".

جرائم حرب

من جهة اخرى قالت منظمة العفو الدولية إن فصائل إسلامية ارتكبت جرائم حرب في محافظتي حلب وإدلب بسوريا. ويعتقد أنها تحظى بدعم دول عربية وغربية بحسب التقرير. وتمارس الاختطاف وأشكال تعذيب مختلفة بحق من يحاولون انتقادها، أو عدم التزامهم بالقيود التي تفرضها عليهم. وقال مدير برنامج "الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" في المنظمة فيليب لوثر "يحيا الكثير من المدنيين في ظل خوف دائم من التعرض للاختطاف إذا تجرأوا على انتقاد سلوك الجماعات المسلحة الممسكة بزمام الأمور، أو في حال عدم تقيدهم بالقواعد الصارمة التي فرضتها بعض تلك الجماعات في مناطقهم".

وأضاف لوثر "للجماعات المسلحة في حلب وإدلب اليوم مطلق الحرية في ارتكاب جرائم حرب وغير ذلك من خروقات القانون الإنساني الدولي مع إفلاتها من العقاب". وبحسب التقرير، يعتقد أن بعض تلك الفصائل المقاتلة يحظى بدعم دول "مثل قطر والسعودية وتركيا والولايات المتحدة". ودعا لوثر الدول الداعمة لتلك الفصائل إلى أن "تتوقف عن نقل أي أسلحة وعدم توصيل أشكال الدعم الأخرى للجماعات المتورطة في ارتكاب جرائم حرب وغير ذلك من الانتهاكات الجسيمة".

وتطرق التقرير إلى انتهاكات ارتكبتها خمسة فصائل إسلامية وهي "حركة نور الدين زنكي والجبهة الشامية والفرقة 16" في حلب، و"جبهة النصرة وحركة أحرار الشام الإسلامية في إدلب". وتسيطر فصائل إسلامية مقاتلة منذ العام 2012 على مناطق واسعة من ريف حلب الشمالي والغربي والجنوبي كما على الأحياء الشرقية في مدينة حلب. ويبسط "جيش الفتح"، وهو عبارة عن تحالف فصائل إسلامية على رأسها "جبهة النصرة" (ذراع تنظيم القاعدة في سوريا) وحركة أحرار الشام، على كامل محافظة إدلب.

ويوثق التقرير "24 حالة اختطاف ارتكبتها الجماعات المسلحة في محافظتي حلب وإدلب بين العامين 2012 و2016"، وبين الضحايا "ناشطون سلميون وبعض الأطفال بالإضافة إلى أفراد من الأقليات تم استهدافهم لا لشيء سوى لاعتبارات تتعلق بديانتهم".

ونقل التقرير عن الناشط السياسي إبراهيم، وهو اسم مستعار، والذي خطف على يد جبهة النصرة في نيسان/أبريل 2015، قوله إنه "تم اقتيادي إلى غرفة التعذيب، (...) قاموا بتعليقي من رسغي بالسقف بحيث لا تقدر أطراف أصابع قدماي على لمس الأرض، ثم انهالوا ضربا بالكوابل على جميع أنحاء جسدي". وأضاف "استخدموا بعد ذلك أسلوب الدولاب، وأجبروني على الدخول داخل إطار سيارة قبل أن ينهالوا علي ضربا بالعصي".

وبحسب التقرير، تعرض محامون وناشطون سياسيون "للاعتداء عليهم من الجبهة الشامية وجبهة النصرة وحركة أحرار الشام انتقاما منهم على أنشطتهم ومعتقداتهم الدينية وآرائهم السياسية المفترضة". واختطف باسل، الذي يعمل محاميا، من منزله في معرة النعمان في إدلب في تشرين الثاني/نوفمبر 2015 "لمجرد قيامه بتوجيه الانتقادات إلى جبهة النصرة". وقال باسل "لقد سررت بتحررنا من حكم النظام السوري الظالم، ولكن أصبح الوضع أكثر سوءا الآن".

ووثقت منظمة العفو الدولية أيضا تعرض ثلاثة فتية "يبلغون من العمر 14 و15 و16 عاما للاختطاف على أيدي عناصر من جبهة النصرة وحركة أحرار الشام في إدلب وحلب بين العامين 2012 و2015". وأشارت إلى أنه "لا يزال اثنان منهم في عداد المفقودين". وتحدث التقرير أيضا عن "أدلة تثبت تنفيذ عمليات قتل بإجراءات موجزة على أيدي عناصر جبهة النصرة وحركة أحرار الشام". ويشمل القتلى مدنيين "بينهم فتى في السابعة عشرة اتُهم بأنه مثلي الجنس، وامرأة اتُهمت بارتكاب الزنا". بحسب فرانس برس.

ونفذت الفصائل المقاتلة في بعض الحالات عمليات القتل هذه أمام حشد من الناس. وتشهد سوريا نزاعا داميا بدأ في آذار/مارس 2011 بحركة احتجاج سلمية ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد ثم تطورت لاحقا إلى نزاع متشعب الأطراف، أسفر عن مقتل أكثر من 280 ألف شخص، وتسببت بدمار هائل في البنى التحتية وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.

اضف تعليق