q
إنسانيات - حقوق

المجاعة في اليمن: من يعيق وصول الغذاء؟

أضخم ازمة إنسانية في العالم مؤهلة لمعايير المجاعة الدولية

اعتدنا على حكومات الدول العربية ان تقف موقف المتفرج امام الانتهاكات الحقوقية الصارخة والمستمرة التي تتعرض اليها الشعوب العربية في اليمن وسوريا والبحرين والعراق. حيث تعاني هذه الدول منذ عدة سنوات من كوارث وانتهاكات إنسانية كبيرة من جراء الحروب سواء حروب إرهابية ام حروب إقليمية.

لذا نسمع صرخات مستمرة من تلك الدول مطالبة بمساعدتها او الوقوف لجنبها لحل المأساة التي تمر بها لكن لا مجيب لتلك الصرخات المتتالية من قبل رؤساء الدول العربية وذلك من اجل مصالح قد تكون خفية او علنية مع الدول الراعية لتلك الانتهاكات. و لانسمع صوت منها سوى التنديد على شريط اخبار القنوات العربية بالوضع الذي تمر به تلك الدول.

حيث دائما ما نشهد خلافات ما بين الدول العربية وخير دليل على ذلك اجتماعات القمم العربية الفاشلة والغير مجدية، لكن مع قضية اليمن الامر كان مختلفا فقد اتفقت الدول العربية تحت مسمى التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية وبنيران أمريكية على قصف وقتل وتشريد الشعب اليمني.

7400 قتيل واكثر من 40 الف جريح أوقع النزاع الدائر في اليمن منذ تدخل التحالف العربي بقيادة السعودية في آذار/مارس 2015 وتسبب الصراع في خنق الواردات حيث أن ثلث محافظات اليمن الـ22 على شفير المجاعة فيما يعاني60 بالمئة من اليمنيين، أو نحو 17 مليون نسمة من السكان، في "أزمة" أو أوضاع غذائية "طارئة" وفق ما وثقته تقارير الأمم المتحدة.

الى ذلك قال برنامج الأغذية العالمي على الرغم من عدم صدور إعلان رسمي بوجود مجاعة في اليمن الا انها تدخل ضمن الدول التي تواجه مجاعة والدول الفقيرة هي جنوب السودان والصومال وشمال شرق نيجيريا إلا أن وضع المجاعة لم يعلن إلا في بعض مناطق جنوب السودان.

معايير المجاعة الدولية

على ما يبدوا ان للمجاعة معاير لكي تدخل في سياق الإعلان الدولي فقد قالت إيميليا كاسيلا المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي لرويترز إن تلك المعايير هي وجود "فجوة غذائية حادة" لدى أكثر من 20 بالمئة من السكان بما يعني أنهم "لا يمكنهم إطعام أنفسهم" ووجود 30 بالمئة أو أكثر من الأطفال تحت سن الخامسة يعانون من سوء تغذية حاد وتضاعف معدل الوفيات. ويعني ذلك أكثر من أربعة وفيات يوميا لكل عشرة آلاف طفل.

لكن اليمن تنقصها درجة واحدة وتتفق عليها تلك المعايير هذا ما اكدته المتحدثة باسم برنامج الاغذية العالمي في الأمم المتحدة بيتينا لوشر لصحافيين في جنيف حيث قالت "تشهد سبع محافظات من 22 حالة طوارئ من الدرجة الرابعة، أي اقل بدرجة من إعلان حالة المجاعة". كما أشارت إلى وكالة فرنس برس أن البرنامج يوفر الغذاء لنحو سبعة ملايين نسمة شهريا في اليمن، وهو أقل من نصف العدد الذي يعاني الجوع والبالغ 17 مليونا. وحتى الذين يحالفهم الحظ للحصول على مساعدة لا يتلقون كل الغذاء الذي يحتاجون اليه لتعذر توفير حصص كاملة. واوضحت ان "انعدام التمويل والنزاع المستمر وتقييد حركة عمال الاغاثة الانسانية تشكل عقبات رئيسية لتوفير الغذاء ومساعدات اخرى للسكان".

مؤتمر مانحين في جنيف

من اجل ذلك تستضيف الأمم المتحدة مؤتمر مانحين لليمن في جنيف. ودعت المنظمة الدولية إلى جمع 2.1 مليار دولار لتوفير الغذاء ومساعدات أخرى ضرورية للحياة وقالت إن اقتصاد اليمن ومؤسساته يتعرضون للانهيار. وحذرت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة من أن خطر تعرض الناس في الدول الأربع الفقيرة هي جنوب السودان والصومال وشمال شرق نيجيريا للتضور جوعا يتنامى بسرعة. وهناك نحو 20 مليون يمني في خطر بمناطق تلفت فيها المحاصيل وتزايدت فيها معدلات سوء التغذية خاصة بين الأطفال. وفق رويترز.

ويستعد التحالف العربي بقيادة السعودية لشن هجوم على ميناء الحديدة وهو نقطة الدخول لما يقرب من 80 بالمئة من واردات الغذاء معللين ذلك بالقول إن الحوثيين يستخدمونه لتهريب الأسلحة والذخائر. وقالت كاسيلا إن ميناء الحديدة يبقى أساسيا لحركة التجارة والسلع الإنسانية وقالت "نبحث عن بدائل". لكنها تحدثت عن مخاوف بشأن البنية التحتية للطرق حول موانئ أخرى وقلة المركبات التي قد تنقل الشحنات.

طريق بديل

من جهتها قررت الأمم المتحدة إيجاد طريق بديل عن ميناء الحديدة الذي يعتبر حجز الأساس في نقل المؤنة والمساعدات الى اليمن عليه قال جيمي مكجولدريك منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن إن المنظمة تدرس استخدام موانئ غير الحديدة أو إرسال قوافل برية لنقل الأغذية لنحو 17 مليون شخص يعانون من الجوع في حال مهاجمة الميناء الرئيسي.

وقال المسؤول الدولي إن جهود المساعدات "في موقف صعب" بسبب التمويل غير الكافي وذلك رغم تهديد المجاعة. ولم تتلق الأمم المتحدة سوى سبعة في المئة من 2.1 مليار دولار تحتاجها في العام الجاري. وتضرر ميناء الحديدة الرئيسي بشدة ويعاني نقصا في الرافعات. واتجهت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى استخدام ميناء عدن في الجنوب.

وقال مكجولدريك الى رويترز "لكن ولأننا نرى احتمال تعرض منطقة الحديدة لهجوم بسبب النشاط العسكري الحالي على الساحل الغربي فقد يكون هذا الميناء غير صالح للعمل أو يتعذر الوصول إليه في المستقبل القريب." لكن ميناء عدن لن يفي بالغرض لصغر حجمه وازدحامه. ويستخدم ميناء الصليف للسلع الجافة بينما يستغل ميناء رأس عيسى في النفط. وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن العالم أمامه ثلاثة إلى أربعة أشهر لإنقاذ الملايين في اليمن من الجوع.

عرقلة توصيل المساعدات

ما بين شد وجذب واتهام ونفي التحالف العربي والحوثين كل جهة تتهم خصمها بانه السبب الرئيسي وراء الكارثة الإنسانية في اليمن وهي تقف وراء عدم وصول الغذاء الى اليمن. الحوثيين يتهمون التحالف العربي والأخير ينفي ويوجه أصابع الاتهام نحو الاخر. خاصة بعد الهجوم الذي وقع في الأول من أكتوبر تشرين الأول على سفينة تابعة للإمارات بما قال بعض الخبراء الغربيين إنه صاروخ كروز مضاد للسفن.

واتهمت قوات التحالف الحوثيون ونفى الحوثيون أنهم وراء سلسلة من الهجمات الصاروخية الفاشلة التي وقعت في أكتوبر تشرين الأول على المدمرة ميسون التابعة للبحرية الأمريكية وأدت إلى رد انتقامي تمثل في ضربات أمريكية بصواريخ كروز على مواقع رادار ساحلي في مناطق تحت سيطرة الحوثيين.

لكن الأمم المتحدة كان لها رأي مختلف فقد اتهمت الجانبان في عرقلة توصيل المساعدات. وينفي التحالف عرقلة توصيل المواد الغذائية أو استهداف البنية التحتية ويقول إن الحوثيين يحتجزون بانتظام شحنات المساعدات ويحولون الموارد لحساب المجهود الحربي. وينفي الحوثيون تلك الاتهامات.

تصعيد الهجمات

ان السبب الرئيسي وراء المجاعة المحتملة او الاكيدة في اليمن هو الحرب القائمة مابين التحالف العربي والحوثيين التي دخلت في عامها الثاني وهذه الحرب سحبت وراءها معوقات كانت حائلا في وصول الغذاء او المساعدات الى الشعب اليمني وتردي الأوضاع الاقتصادية أيضا. فقد تسببت الحرب في تقلص كبير في تدفقات الغذاء إلى موانئ البضائع الأساسية في اليمن الحديدة والصليف على البحر الأحمر حيث تقع معظم صوامع الغلال.

ومن العوائق التي تمنع وصول الغذاء والمساعدات الى اليمن هي هجمات متكررة على السفن او البواخر التي تحمل المساعدات كما أكده مسؤولون في مجالي الشحن البحري ومساعدات الإغاثة إن صواريخ كروز وألغاما عائمة وزوارق يتم التحكم فيها عن بعد أصبحت تستخدم لمهاجمة السفن في اليمن في الأشهر الأخيرة مما يغير القوى المحركة للحرب الدائرة منذ عامين ويقرب البلاد من السقوط في براثن المجاعة.

تزيد الهجمات المبتكرة على نحو متزايد قرب مضيق باب المندب الذي يربط البحر الأحمر بخليج عدن وبحر العرب من الصعوبات الشديدة في توصيل المساعدات والإمدادات التجارية إلى اليمن الذي يستورد 90 في المئة من غذائه ومن وقوده عن طريق البحر. وتقول مصادر بصناعة الشحن البحري إن الضربات الجوية التي يشنها التحالف بقيادة السعودية على مناطق قريبة من الموانئ الحيوية في شمال البلاد الذي يسيطر عليه الحوثيون تعمل أيضا على الحد من الواردات.

وقال مسؤولو مساعدات الى رويترز إن الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية لميناء الصليف المجاور في الأسابيع الأخيرة تسببت أيضا في تقلص كميات الغذاء التي يجري تسليمها. وقال روبرت مارديني المدير الإقليمي للجنة الدولية للصليب الأحمر في الشرق الأدنى والشرق الأوسط في جنيف "البلاد تعيش على احتياطها... هناك نقص في السيولة والرواتب لا تُدفع، وهو ما يعني أن قوة الإنفاق انهارت وأن أسعار الغذاء ترتفع وقتما يكون متوافرا."

انحسار التجارة

بالإضافة الى ذلك ان الحرب والصراع القائم على الاراضي اليمنية أثر على التجارة والحياة الاقتصادية فقد انخفضت التجارة انخفاضا كبيرا بنحو 30 إلى 40 بالمئة خلال العام الماضي بسبب مشكلات تتعلق بالسداد إلى جانب ظروف الإبحار غير المواتية. بعد ان كانت تحمل في أيام خلت بضائع مثل اللؤلؤ والبخور والمر تنقل ما بين 14 و18 ألف طن من السلع الغذائية شهريا إلى اليمن. بحسب ما افاد به تجار يمنيون.

كانت تنقل مراكب شراعية خشبية صغيرة الغذاء والسلع من الإمارات العربية المتحدة إلى اليمن الذي تمزقه الحرب. لكن الإمدادات تتقلص عبر هذا الطريق المار ببحر العرب والذي يمتد تاريخه لقرون مضت ويظل واحدا من شرايين الحياة الأخيرة للبلد الذي صار على شفا المجاعة. وفق وكالة رويترز.

وتمثل كميات الأغذية التي يجري نقلها عبر هذا الطريق قدرا ضئيلا من الإمدادات التي تتجه إلى اليمن الذي يعتمد على الواردات لسد 90 بالمئة من احتياجاته الغذائية. لكن أهمية تلك الكميات تزايدت مع اندلاع القتال وانهيار الاقتصاد حيث أصبح اليمن بحاجة لكل مساعدة يمكن أن يحصل عليها.

قطاع طريق

يتجنب ربابنة المراكب الذين يتخذون من الإمارات مقرا لهم هذه التعقيدات بالابتعاد عن موانئ البحر الأحمر الكبيرة ويبحرون بدلا من ذلك حاملين بضائعهم باتجاه الجنوب وغالبا ما ترسو قواربهم في أماكن غير رسمية. وتستغرق الرحلة في المتوسط ما بين خمسة وثمانية أيام وتستطيع المراكب حمل ما يصل إلى ألفي طن من البضائع وهي حمولة صغيرة مقارنة مع سفن البضائع التي يمكن أن توفر متنفسا أكبر لواحد من أفقر بلدان العالم وأقلها استقرارا.

ويشحن التاجر علي مهداني بضائع من دبي إلى موانئ عدن والمكلا والمخا تترواح قيمتها بين أربعة وستة ملايين درهم إماراتي (1.1-1.6 مليون دولار) شهريا ويصل حجم الحمولة إلى نحو ألفي طن معظمها من الأرز والتوابل أو زيت الطهي. ولكي يتجنب السداد بالعملة اليمنية المتداعية فإنه يتلقى مدفوعاته بالريال السعودي.

ولا توجد مشاكل تذكر عند الوصول وهو ما يتناقض بشكل صارخ مع عمليات التفتيش والفحص التي تخضع لها أي سفينة تسعى للدخول إلى الشمال حيث يبحث التحالف الذي تقوده السعودية عن أي أسلحة قد تكون متجهة إلى الحوثيين. يقول مهداني الذي كان يرتدي جلبابا أبيض "قد يتعين عليك أن تدفع لقطاع طرق من حين لآخر، لكن فيما دون ذلك فإن كل شيء على ما يرام." وفق رويترز.

ويشحن التاجر أمين باجرش الحليب المجفف ومعجون البندورة والسكر والأرز من الراس إلى اليمن حيث يصل حجم مبيعاته إلى نحو مليون درهم إماراتي شهريا. ويعتمد هو وآخرون على الحوالة وهو نظام تجاري غير رسمي يجري من خلال مكاتب الصرافة ويعتمد على الثقة والعلاقات الشخصية. وتصل معظم بضائعه إلى المكلا وعدن والمناطق المحيطة. لكنه، شأنه شأن آخرين، تضرر كثيرا من أزمة العملة اليمنية ومشاكل المدفوعات التي سببتها الحرب.

كارثة انسانية

تحذر تقارير الأمم المتحدة من تدهور الأوضاع في اليمن بشكل مأساوي وحدوث كارثة إنسانية في الاشهر المقبلة في حال عدم وصول المساعدات وعدم تمكن المختصون او العاملون في مجال المساعدات الإنسانية من الوصول الى المحتاجين بالوقت المناسب.

لذا على الدول العربية ان تحرك ساكنها امام ما يجري في اليمن لا ان تقف موقف المتفرج والتي تنتظر معجزة لن تحدث معجزة مالم نحرك ساكننا لا نقف لكي ننتظر تلك الدرجة حتى تسجل اليمن مع الدول الفقيرة او المعرضة للمجاعة.. على الأقل على الدول العربية او المؤسسات الحقوقية ان تدخل فقط لوصول الغذاء والمساعدات الى اليمن بدل من انتظار حدوث الكارثة الإنسانية حتى ننددها.

اضف تعليق