q

الملياردير الأميركي دونالد ترامب، أصبح بعد أدائه اليمين الدستورية رئيسًا رسميًا للولايات المتحدة الأمريكية خلفا لباراك أوباما، ما يزال الشخصية الأكثر إثارة للجدل بتاريخ الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، ليس لكونه مليارديرا فحسب بل لأنه انتهج خلال حملته الانتخابية أسلوبا عنيفا في تحفيز مشاعر الأميركيين تجاه القضايا الحساسة والعنصرية والقضايا المتعلقة بالشأن المالي للمواطن الأميركي.

ويرى بعض الخبراء ان سياسات الولايات المتحدة الأمريكية الداخلية والخارجية في عهد ترامب، ستتغير كثيرا وهو ما قد يكون سببا في خلق مشكلات وأزمات داخلية، خصوصا وان مراسيم التنصيب قد شهدت حدوث مواجهات العنيفة بين رجال الشرطة ومئات المحتجين المناهضين لترامب في الولايات المتحدة لسياسات، كما تظاهر آلاف المحتجين في وأوروبا وشتى أنحاء العالم لإظهار عدم الموافقة على الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع بدء أول يوم له في السلطة.

وبدأت المظاهرات والمسيرات الاحتجاجية في واشنطن وعدة مدن أميركية أخرى أثناء حفل تنصيب ترامب وبعده. واعتقلت الشرطة الأميركية 217 شخص في واشنطن خلال الاحتجاجات بسبب التخريب والعنف ضد مسؤولي إنفاذ القانون وفق رئيسة بلدية واشنطن موريل باوزر. كما وقعت اشتباكات خارج محيط مقر الاحتفال أمام مبنى الكابيتول. كما شهدت مدينة لوس أنجلوس مظاهرة شارك فيها مئات الأميركيين رفضا لتولي ترمب الرئاسة. وركّز المحتجون انتقاداتهم على تعليقات سابقة من ترمب لمن وصفهم بالمجرمين من المكسيكيين والمهاجرين من دول أميركا اللاتينية وقال المتظاهرون إن أميركا لا تقبل بمن سموهم الفاشيين والعنصريين. وكانت مدن أوروبية قد شهدت عدة مظاهرات ومسيرات بعيد تنصيب الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

ويرى بعض المراقبين ان الفترة المقبلة وخصوصا(أول 100 يوم) من حكم ترمب الذي سيواجه تحديات كبيرة ايضا، ستكون معياراً مهماً لتحديد نجاح او فشل ادارة الرئيس الجديد، فهذه الفترة تعد مبدأ ذا أهمية كبيرة في تاريخ الرئاسة الأميركية وتحظى باهتمام العالم إذ تعتبر هذه الفترة معياراً لفعالية الرئيس. وتشير دراسات إلى أن فاعلية الرئيس وتأثيره على الكونغرس في ذروتهما في هذه الفترة مكتسباً زخماً من نجاحه في المعركة الانتخابية.

فدونالد ترمب تعهد بأنه وفي اليوم الأول من رئاسته سيعمل على طرد ملايين المهاجرين غير الشرعيين من الولايات المتحدة. وسينسحب من اتفاقية المحيط الهادئ التجارية وسيعيد الوظائف إلى الولايات المتحدة.وسيوجه وزارة الدفاع إلى وضع خطة شاملة تحمي البلاد من الهجمات الإلكترونية وغيرها. ترمب أيضاً قال إنه سيفرض حظراً دائماً على أعضاء من السلطة التنفيذية يعملون في جماعات ضغط لصالح حكومات خارجية. لكن ترمب ركب موجات وعود وتعهدات لا تحصى ليصل إلى كرسي الرئاسة.. وعود أثارت شكوكاً محلية وعالمية بقدرته على الوفاء بها. هذه الإجراءات والتعهدات اذا تم تطبيقها ربما ستسهم وبحسب بعض الخبراء، في فرض واقع جديد ومعقد قد يدخل الولايات المتحدة في متاهات وأزمات جديدة يصعب التنبؤ بنتائجها، وهو ما سيدفع ترامب الى تغير بعض تلك الخطط والافكار المعلنة.

أمريكا أولا

وفي هذا الشأن أدى دونالد ترامب اليمين ليصبح الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة خلفا لباراك أوباما وقال لبلد منقسم بشدة إنه سيتبع سياسات في الداخل والخارج تقوم على "أمريكا أولا". ومع اندلاع احتجاجات متفرقة في مناطق أخرى في واشنطن رفع ترامب (70 عاما) يده اليمني ووضع يسراه على نسخة من الكتاب المقدس استخدمها أبراهام لينكولن وأدى اليمين الذي نص عليه الدستور الأمريكي في مراسم قادها رئيس المحكمة العليا القاضي جون روبرتس.

بعد ذلك فرد ذراعيه وعانق زوجته ميلانيا وأفرادا آخرين من أسرته قبل أن يستدير إلى المنصة ويلقي خطاب التنصيب. وقال ترامب مخاطبا حشدا كبيرا كان قد أصدر في وقت سابق صيحات استهجان ضد زعيم الأقلية الديمقراطية بمجلس الشيوخ تشاك شومر "هذه اللحظة لحظتكم .. إنها ملك لكم." مكررا أفكارا من حملته الانتخابية قال ترامب إن رئاسته سوف تهدف لمساعدة الطبقة المتوسطة التي تعاني وبناء الجيش الأمريكي وتعزيز الحدود الأمريكية. وقال "نحن ننقل السلطة من العاصمة واشنطن ونعيدها إليكم." وأضاف "من اليوم ستحكم رؤية جديدة أرضنا... بدءا من هذا اليوم سيكون الشعار الوحيد .. أمريكا أولا."

وأقيمت مراسم تسليم السلطة من الرئيس الديمقراطي إلى الرئيس الجمهوري على الجانب الغربي من مبنى الكونجرس أمام حشد من الرؤساء السابقين والشخصيات البارزة ومئات الآلاف من الأشخاص الذين احتشدوا في متنزه ناشيونال مول.. وحضرت هيلاري كلينتون المرشحة الديمقراطية التي هزمها ترامب في انتخابات الثامن من نوفمبر تشرين الثاني مراسم تنصيبه مع زوجها الرئيس السابق بيل كلينتون. كما حضر الرئيسان السابقان جورج دبليو بوش وجيمي كارتر برفقة زوجتيهما. وسيحتاج ترامب الرئيس إلى بذل جهود لتحسين صورته. وأثناء فترة انتقالية شهدت توترات منذ فوزه المفاجئ في الانتخابات الرئاسية شن رجل الأعمال الثري ونجم تلفزيون الواقع السابق هجمات متكررة عبر موقع تويتر على منتقديه إلى حد أن السناتور جون مكين العضو الجمهوري بمجلس الشيوخ قال لشبكة (ٍسي.إن.إن) إن ترامب يريد فيما يبدو "الاشتباك مع كل طاحونة هواء يجدها."

ووجد استطلاع أجرته شبكة (إيه.بي.سي) نيوز بالتعاون مع صحيفة واشنطن بوست أن 40 في المئة من الأمريكيين ينظرون إلى ترامب بإيجابية وهو أدنى مستوى من التأييد لرئيس قادم منذ الرئيس الديمقراطي جيمي كارتر عام 1977. وكانت هذه نسبة التأييد نفسها لكيفية تعامله مع الفترة الانتقالية. وفي حين أن الجمهوريين الذين ضاقوا ذرعا بسنوات أوباما الثماني في الحكم يرحبون بوصوله إلى البيت الأبيض فإن توليه المنصب يثير عددا من التساؤلات بالنسبة للولايات المتحدة.

وأثناء حملته الانتخابية تعهد ترامب بوضع البلاد على مسار أكثر ميلا للانعزالية تأتي فيه الولايات المتحدة في المقام الأول ووعد بفرض جمارك نسبتها 35 في المئة على السلع التي تصدرها شركات تمارس أنشطتها في الخارج إلى الولايات المتحدة. وجاء تعبير ترامب عن رغبته في تحسين العلاقات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والتهديدات بوقف التمويل لدول حلف شمال الأطلسي ليثيرا قلق حلفاء الولايات المتحدة من بريطانيا إلى دول البلطيق من تراجع الدعم الأمني التقليدي الذي توفره لها واشنطن. بحسب رويترز.

وبالنسبة للشرق الأوسط قال ترامب إنه يريد نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس وهو ما يهدد بإغضاب العرب. ولم يحدد بعد كيف يخطط لتنفيذ وعد قطعه خلال حملته الانتخابية بالقضاء على مقاتلي تنظيم داعش. وربما اكتسبت أنشطة التنصيب طابعا حزبيا على نحو أكبر من المعتاد بالنظر إلى حملة ترامب الشديدة والمواجهات المستمرة بينه وبين الديمقراطيين بشأن هجماته عبر تويتر وتعهده بإلغاء العديد من سياسات أوباما. وقال أكثر من 60 عضوا ديمقراطيا بالكونجرس إنهم لن يحضروا مراسم التنصيب احتجاجا على ترامب.

احتجاجات وعنف

على صعيد متصل حطم ناشطون يرتدون ملابس سوداء استبد بهم الغضب من تنصيب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة نوافذ متاجر وسيارات في واشنطن واشتبكوا مع الشرطة التي ردت بإطلاق رذاذ الفلفل وقنابل صوتية. وسار حوالي 500 شخص بعضهم يضعون أقنعة على الوجه في شوارع وسط المدينة وحطموا نوافذ فرع لمصرف بنك أوف أمريكا وأحد مطاعم مكدونالز ومتجر لستارباكس وكلها رموز للنظام الرأسمالي الأمريكي.

وردد الحشد هتافات مناهضة لترامب وحملوا لافتة واحدة على الأقل كتب عليها "اجعلوا العنصريين يخافون مجددا" للسخرية من شعار حملة ترامب "اجعلوا أمريكا عظيمة مجددا". وحطم المحتجون أيضا بضع سيارات وقذفوا سلالا للقمامة وصناديق لبيع الصحف في الشوارع قبل أن تفرق الشرطة معظمهم. وقالت جيسكا ريزنيسيك (35 عاما) وهي موظفة بجماعة كاثوليكية للإغاثة من ولاية أيوا كانت ضمن الحشد لكنها لم تشارك في العنف "الرسالة التي أريد ارسالها أن ترامب لا يمثل هذا البلد. إنه يمثل مصالح الشركات."

وفي موقع غير بعيد عن البيت الأبيض تشاجر محتجون مع الشرطة وألقوا مقاعد معدنية على مقهى مكشوف. وذكرت محطة تلفزيون محلية أن اثنين من ضباط شرطة العاصمة واشنطن أصيبا في مشادات مع محتجين. واعتقلت الشرطة حوالي 50 شخصا. وبدا أن عدد الأشخاص الذين حضروا لمشاهدة مراسم اداء اليمين أقل كثيرا من اولئك الذين حضروا حفل تنصيب الرئيس باراك أوباما لفترة رئاسته الاولي في 2009 والذي قدر بحوالي مليونين.

وفي وقت سابق سد نشطاء ليبراليون في احتجاج نظمته جماعة تطلق على نفسها (عرقلوا 20 يناير) نقاط التفتيش الأمنية المؤدية إلى مكان حفل التنصيب. وقامت الشرطة بإبعاد بعضهم. وقال علي مكراكن (28 عاما) وهو من سكان واشنطن إن الجماعة تعبر عن استيائها من تعليقات ترامب المثيرة للجدل بشأن النساء والمهاجرين غير الشرعيين والمسلمين. وأضاف قائلا "لدينا أناس كثيرون من خلفيات متعددة يعارضون الأمبريالية الأمريكية ونحن نشعر أن ترامب سيواصل ذلك الميراث." بحسب رويترز.

وكان التوتر واضحا في شوارع واشنطن قبيل حفل التنصيب وتفجرت مشاجرات. وتدفق أنصار ترامب على العاصمة أيضا ووضع كثير منهم قبعات بيسبول كتب عليها "اجعلوا أمريكا عظيمة مجددا" وهو شعار حملة ترامب. وعبر جاكسون راوس وهو طالب يبلغ من العمر 18 عاما من شمال شرق أركنسو والذي تغيب عن المدرسة لحضور التنصيب مع والده عن قلقه من مقاطعة عشرات من أعضاء الكونجرس الديمقراطيين لمراسم التنصيب احتجاجا. وقال "أعتقد أنه اُنتخب بنزاهة وأن الانتخابات كانت نزيهة. أنا أحب ترامب وأتوقع تغيرات وأتوقع أنه سينفذ كل ما قال إنه سيقوم به." ونشر جهاز الأمن الرئاسي وشرطة واشنطن ووكالات أمنية أخرى نحو 28 ألف فرد لتأمين منطقة مساحتها حوالي ثمانية كيلومترات مربعة في وسط واشنطن.

كما شاركت مجموعة من المشاهير على رأسهم روبرت دي نيرو وشير ومايكل مور واليك بالدوين في تظاهرة في نيويورك ضد دونالد ترامب عشية تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة. وقال روبرت دي نيرو من منصة متوجها الى الجموع التي انتشرت في جادة محاذية لسنترال بارك وصولا الى كولومبوس سيركل حيث برج ترامب "مهما حصل سنبقى نحن الاميركيين، نحن النيويوركيين نحن الوطنيين، موحدين دفاعا عن حقوقنا وحقوق مواطنينا".

وقال الممثل اليك بالدوين بسخريته المعهودة "هل سنقاوم لمئة يوم؟ هذا امر رائع". وهو اصبح في غضون اسابيع قليلة المقلد الاشهر للرئيس الاميركي الجديد. فهو يقوم بتقليده اسبوعيا في برنامح "ساترداي نايت لايف" التلفزيوني الشهير ما تسبب بتلقيه تغريدات غاضبة من دونالد ترامب. واكد المخرج مايكل مور ان دونالد ترامب "لا يملك تفويضا. نحن الاكثرية لا تتخلوا عن كفاحكم فانا لن افعل!"، مؤكدا ان ترامب "لن يستمر اربع سنوات".

إجراءات سريعة

الى جانب ذلك يستعد دونالد ترامب لتوقيع إجراءات تنفيذية في أول أيامه بالبيت الأبيض ليتخذ خطواته الأولى الرامية إلى تضييق الخناق على الهجرة والتي تتضمن بناء جدار على حدود الولايات المتحدة مع المكسيك وتراجعا عن سياسات الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما. وقال مساعدون لترامب إنه لن ينتظر لاستخدام واحدة من أقوى أدوات منصبه وهي القلم الرئاسي لتوقيع عدد من الإجراءات التنفيذية التي يمكن تطبيقها دون تدخل من الكونجرس.

وقال شون سبايسر المتحدث باسم ترامب "إنه ملتزم ليس فقط في اليوم الأول وإنما أيضا في اليومين الثاني والثالث بوضع أجندة تغيير حقيقي وأعتقد أنكم سترون ذلك في الأيام والأسابيع المقبلة.". وينتقد ترامب بشدة الوكالة ورئيسها المنتهية ولايته حيث شكك في البداية فيما خلصت إليه السي.آي.إيه حول ضلوع روسيا في اختراق إلكتروني خلال الانتخابات الأمريكية لكنه عاد لاحقا وقبل ما ذكرته الوكالة. كما شبه ترامب أيضا أجهزة الاستخبارات الأمريكية بألمانيا النازية.

وذكر أحد أعضاء الفريق الانتقالي لترامب غير مخول له الحديث للصحافة أن مستشاري ترامب فحصوا أكثر من 200 أمر تنفيذي محتمل لدراسة توقيعه عليها وتتعلق بالرعاية الصحية وسياسات المناخ والهجرة والطاقة والعديد من الأمور الأخرى لكن لم يتضح كم عدد الأوامر التي سيوافق عليها بصفة مبدئية. والتوقيع على الأوامر سيضع ترامب - الذي رأس امبراطورية ضخمة في قطاع الأعمال لكنه لم يشغل من قبل أي منصب عام - في مكان مألوف له مشابه لدور الرئيس التنفيذي لمؤسسة ما والذي نال شهرته من خلاله كما سيعطيه انتصارات مبكرة قبل أن يكون لزاما عليه التحول إلى عملية ثقيلة وهي الحصول على مصادقة الكونجرس على مشاريع قوانين.

واستخدم رؤساء آخرون - بينهم أوباما - تلك الاستراتيجية في أسابيعهم الأولى بالمنصب. وقال جوليان زليزر المؤرخ المعني بالشؤون الرئاسية بجامعة برنستون "يريد إظهار أنه سيتخذ إجراء ولن يخنقه طريق واشنطن المسدود." ومن المتوقع أن يفرض ترامب تجميدا اتحاديا على توظيف الدولة لعمالة جديدة وأن يتخذ خطوات لتأجيل لائحة لوزارة العمل من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ في أبريل نيسان وتطالب الوسطاء الذين يقدمون نصائح التقاعد بوضع مصلحة عملائهم العليا في المقدمة. بحسب رويترز.

وقال سبايسر إنه سيعلن أيضا رسميا أنه يخطط للانسحاب من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي التجارية وإعادة التفاوض بشأن اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا) مع كندا والمكسيك. وأضاف "أعتقد أنكم سترون ذلك يحدث قريبا جد." واستخدم أوباما سلطاته التنفيذية بشكل متكرر خلال فترة رئاسته الثانية عندما أحبط الكونجرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون جهوده لتعديل قوانين الهجرة والبيئة. والكثير من تلك الإجراءات هي الآن صيد سمين أمام ترامب للتراجع عنها.

اضف تعليق