q

مصطلح جديد متفرد يعلنه المرجع الديني السيد صادق الشيرازي في كلمة لسماحته بمناسبة استشهاد الرسول الكريم (ص)، وأجزم قاطعا أن مثل هذا الاصطلاح لم يتم تداوله أو إعلانه سابقا، فجميع العلماء والمفكرين وحتى الأدباء يتغنون بالحرية، ولكن حدد سماحة السيد المرجع الشيرازي ميزة نافرة للحرية ألا وهي (غنى الحرية في الإسلام وتفرد ثمنها)، ذلك لأنها وردت في القرآن الكريم، كما أنها تشكّل لبّ المنهج الذي سار عليه آل النبي الأكرم و (عترته) من الأئمة الأطهار.

ونبّهَ السيد صادق الشيرازي على ذلك مثلما جاء في كلمته: (إنّ النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله قد خلّف فينا، كنزين ثمينين جدّاً: (كتاب الله، وعترتي)، أي القرآن الكريم وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين).

ولو أننا أسبغنا شيئا من مرونة العقل وقليلا من النباهة، سنكتشف أن المنهج القرآني ومنهج أهل البيت التحرري، لم يأخذ به جميع المسلمين، وهذا مصدر غرابة وتعجّب لا نهائي، إذ كيف يقول الناس في مشارق الأرض ومغاربها (إننا مسلمون)، وفي نفس الوقت يتجاهلون أحد الركنين الأهم للمنهج التحرري الإسلامي الذي، فيأخذون بكتاب الله، ويتغاضوْن عن منهج النبوة الذي استمدّ منه (عترة النبي (ص) منهجهم وفكرهم ومبادئهم، فهل يوجد مبرر لمثل هذا التغاضي!!؟.

وتصدّى سماحة السيد المرجع الشيرازي لهذا مشيرا الى ذلك في هذا القول: (مما يدعو إلى الاستغراب والعجب أنّ بعضهم قال: حسبنا كتاب الله! فأخذوا بواحدة من الاثنين التي أوصى بهما رسول الله صلى الله عليه وآله، وتركوا الأخرى).

وكم هو مؤلم أو مثير للآلام، حينما نطّلع بعد مئات السنين إبان استشهاد النبي الكريم (ص)، بأن كل ما حدث من ثورات قبل عقود ومن اضطرابات واحتراب وفتن، سببها فقداننا (للحرية الثمينة)، لأن حكوماتنا لم تعرْ ما يجب من نباهة وتبصّر لفكر أهل البيت (ع)، فضاعت عليهم الحرية، وتباعدوا عن المنهج النبوي الحسيني الذي يقوم يرتكز كليّا على مفهوم (الحرية الثمينة)، فضاقت بهم السبل، واستشاطت هذه الدول العربية الاسلامية (حكومات وأمة)، ونشأت وتضخمت فيها حالات الاضطراب والفوضى، ومن الجليّ أن كل هذا سببه التنائي عن منهج الرسول (ص) والإمام علي (ع)، وكل الامتداد النبوي ممثلا بذريته من أئمة أهل البيت عليهم السلام، وحينما تمّ رفض (الحرية الثمينة) ومنهجها، حدثت المعاناة العظيمة للمسلمين والعرب والعالم المضطرب كله، لماذا؟ لأن من يبتعد عن منهج الرسول وعترته، ما أمامه سوى الندم والمعاناة وتبعثر جهود القفز الى التقدم.

نلحظ ذلك فيما يختصره سماحة المرجع الديني السيد صادق الشيرازي بهذا النص: (لو راجعنا الحوادث في التاريخ المعاصر للدول الإسلامية، والثورات التي حصلت في السنين الستين والسبعين الأخيرة في بعض الدول كالعراق ومصر، وما رافقها من تغييرات وتحوّلات متتالية، وكذلك الفقر والحروب، والاضطرابات وفقدان الأمن والسلام الكثيرين، لوجدنا انّ العامل الرئيسي لكل تلك القضايا هو ابتعاد تلك الدول عن ثقافة الحريّة الثمينة الموجودة في الإسلام).

وثمة نص آخر لسماحته نضيفه هنا للاستدلال والتنوّر أكثر: إن (الفقر والحروب، والاضطرابات وفقدان الأمن والسلام الكثيرين، سببها الابتعاد عن ثقافة الحريّة الثمينة الموجودة في الإسلام).

ولكي نفهم بدقة قيمة ومقدار (الحرية الثمينة)، يمكننا ذلك عندما نطّلع ونراجع ما تم توثيقه عن أحوال حزمة من الدول العربية، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر، العراق ومصر ولبنان، فقد كتب أحد الصحفيين أن إطلاق رصاصة واحدة يمكن أن تسقط حكومة تتجاهل الحرية وتحارب الحريات المدنية والدينية وسواها، ولا مغالاة في ذلك لأن مرآة التاريخ تعرض علينا كل هذا وقد يكون المضمر أكثر بكثير.

تطرق سماحة السيد صادق الشيرازي الى هذا حين قال: (من الشواهد على ما مرّ ذكره، هو ما كتبه أحد الصحفيين من إحدى الدول الإسلامية، حيث كتب: إنّ إطلاق رصاصة واحدة من بندقية في بعض الدول الإسلامية، يكفي ويوجب سقوط حكومة، ومجيء أخرى بمكانها، كما حدث في العراق زمن حكومة عبد الكريم قاسم بشكل دقيق).

وسيكون الذي جرى في العراق ونقيضه لبنان، داعما لما أعلنه المرجع الشيرازي، فلأن العراق معدوم الحرية في ذلك الوقت، أسقطت حكومة عبد الكريم رصاصة واحدة، وعلى الضد من ذلك وبسبب توافر هامشا من التحرر في لبنان، فإن ملايين الإطلاقات ستكون عاجزة عن إسقاط الحكومة، بسبب الحرية النسبية فيه.

يدلّنا على صواب هذا الرأي ودقته ما كتبه الصحفي وقد ذكر سماحة المرجع الشيرازي ذلك: (وكتب هذا الصحفي، أيضاً: بالمقابل، وفي لبنان مثلاً، لا تستطيع الملايين من الرصاصات أن تحدث تغييراً، لوجود نسبة من الحريّات في ذاك البلد).

ولكن واقعنا السياسي والمدني اليوم قد تغيَّر بعض الشيء، فهناك نوع من الحرية أو نسبة ما، في معظم الدول الإسلامية، وهذه النسبة تصاعدتْ أو تدنَّتْ، على الواعين المهتمين المكلفين أن يستغلّوها الاستغلال الأقصى، لأن اغتنام الحرية يعني فيما يعنيه، تطور واستقرار وتقدم الدولة والأمة، إنها الفرصة التي تمر من فوق رؤوسنا كالسحاب، ولكي نقلل من الألم والاضطهاد وتبعثر الحقوق، ليس لدينا حلّ غير اغتنام هامش الحرية قليلا كان أو كثيرا.

هذه هي نصيحة سماحة المرجع الشيرازي أدامه الله مصباحا تستنير به دروب المسلمين والعالم كلّه، فهو القائل: (يوجد اليوم، في أغلب الدول الإسلامية، نسبة ما من الحريّة، فعلى المسلمين أن يغتنموا هذه الحريّة).

اضف تعليق