q

كيف تفوز المرأة بالتوفيق والعَظَمَة؟

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

تتقاسم المرأة المسؤولية مع الآخرين تقويم الحياة وتطويرها وإدامتها، بما يجعل منها مكاناً مناسبا للإنسان، يعيش فيه لينشط ويفكر ويعمل وينتج ويبني بيئة تصلح للعيش الكريم المتوازن، مع أهمية التصدي للمشكلات والمصاعب التي يعاني منها الناس بلا استثناء، وهذا الهدف ينطوي على أهمية كبرى، فكلما عولجت مشاكل الناس بصورة دقيقة أصبحت الحياة أفضل، والاستعداد أكثر للانتقال الى العالم الآخر بأقل الذنوب، فليس الهدف من جعل الحياة حاضنة جيدة هو راحة الناس، وإنما دفعهم الى العمل الجيد حتى ينالوا في الآخرة رضا الله تعالى.

التصدي لمعالجة مشكلات الناس، ليس سهلا، كما أن السعي الى العيش الرغيد لن يكون في متناول من يسعى إليه، لسبب إلهي حيث لم يجعل الله هذه الحياة مكانا للراحة، لذلك كانت الدنيا ولا تزال وستبقى الى ما شاء تعالى (قاعة اختبار) لمدى التزام الإنسان.

وقد أكد سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في إحدى كلماته التوجيهية القيمة على هذا المضمون حيث قال سماحته:

إن (الله تعالى لم يخلق الراحة في الدنيا. والذي يبحث عن الراحة لا يحصل عليها).

وعندما يؤمن الإنسان بهذا الرأي ويطبق في حياته هذا المضمون، ولا يبحث عن الراحة، ولا يجعل منها هدفا له، فإنه لا ريب سيكون مستعدا في سنوات عمره للمشاركة في الأعمال والأفكار والجهود التي يسعى من خلالها لتذليل مصاعب الناس والمساهمة في حل مشاكلهم، وهكذا يكون المرتكز الأول لتحقيق التميز والنجاح والتوفيق، هو عدم بحث الإنسان عن الراحة والدعة والعيش الرغيد، فهذه الدنيا كما سبق ذكره لم تُخلَق لراحة الإنسان، وعندما يؤمن الإنسان بهذا المضمون، ويكون مستعدا للتعب والمساهمة المستمرة في مساعدة الآخرين والتضحية من أجلهم، فإن التوفيق سيكون من نصيبه، كاستحقاق له على جهوده التي سوف تبلغ به مرتبة العظمة فيما لو استمر في منهجه هذا.

ولذلك يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الإطار: إن (الكلمة الوحيدة التي لا ثانية لها، وهي أساس الموفقية لكل موفَّق وموفَّقة في الحياة، وأساس العظمة لكل عظيم ولكل عظيمة في الحياة، هي أنّ على المرء أن لا يبحث عن الراحة في الحياة).

ما هو مقامكِ عند الله؟

إن المرأة ليست مستثناة من هذا الخطاب المهم والواضح، فهي تتحمل مسؤولية كبرى في تنوير النساء الأخريات، وهي مطالبة بمكافحة الجهل وحملات التجهيل المقصودة وغير المقصودة، وكل امرأة لها تاريخها الخاص بها، يسجل سيرتها وما تقوم به من أنشطة وفعل خير من أجل النساء اللواتي يحتجن المساعدة، أو حتى الأطفال وغيرهم ممن تتمكن المرأة من الوقوف الى جانبهم وتساعدهم في تجاوز المحن التي تعترض حياتهم.

في هذه الحالة سوف يكون مقام المرأة (التي لا تبحث عن الراحة) كبيرا عند الله تعالى، وعند رسوله (ص) وعند فاطمة الزهراء (ع)، فيبقى الأمر مرهونا بما تقدمه المرأة في هذا المجال، وحين تتجنب الراحة ولا تجعل هذا الأمر هدفا لها في حياتها، فإنها إنما تكون من ضمن العظيمات اللواتي يحصلنَ على التوفيق الإلهي.

يقول سماحة المرجع الشيرازي عن هذا الموضوع تحديدا:

(فلتنظر كل واحدة منكنّ، أنتنّ أيّتها المؤمنات، وبعد عشرين سنة مثلاً أو ثلاثين أو أربعين، لتنظر ما هو موقعها في التاريخ؟ وما هو مقامها عند الله عزّ وجلّ، ومقامها عند رسول الله صلى الله عليه وآله، وعند مولاتنا السيدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها؟ وهذا يتبع صنيعكنّ أنتنّ بأنفسكنّ).

ومن دواعي الغبطة أن الله تعالى منح المرأة في تكوينها الخلْقي قدرات وطاقات كبيرة بل وصفها سماحة المرجع الشيرازي بأنها (طاقة جبارة وضخمة)، الأمر الذي يجعل منها قادرة على تقديم ما يحتاجه النساء الأخريات من توجيه وتعليم وتقويم أو مساعدة مادية وسوى ذلك، وهذه فرصة عظيمة للنساء المتعلمات أن يعلمن غيرهن ممن يحتجن الى ذلك، أو أن يقمن بتقديم المساعدات بأنواعها للمساهمة في حل المصاعب التي تواجه الناس، وفي حال تخلّتْ المرأة المتعلمة عن دورها هذا، فإنها تفقد فرصتها في الحصول على التوفيق الإلهي لأن النساء المتعلمات سوف يعتمن هذه الفرصة ويقمن بالواجب الذي لم تقم به هي، لذلك لا يصح أن تضيّع المرأة القادرة على تقديم المساعدة هذه الفرصة لأنه دائما هناك من ستأخذ الفرصة لصالحها.

يقول سماحة المرجع الشيرازي مخاطبا الطالبات والنساء المتعلمات:

(أنتنّ كل واحدة منكنَّ، جعل الله لكنَّ بالقوّة، طاقة جبّارة وضخمة، فحاولنَ أن تجعلوها بالفعل. فبالنتيجة إذا أنتنَّ لم تقمنَ بهذا الأمر، فسيجعل الله غيركنَّ للقيام به، وتخسرنَ أنتنّ).

مسؤولية المرأة إنقاذ الأخريات

من أعظم المهام التي يؤديها الإنسان هو إنقاذ الآخرين من المصاعب التي يعانون منها، نعم هناك حاجة لتحصيل مستلزمات الحياة الأخرى، فالإنسان مطالَب بتوفير الماء والغذاء والملبس الجيد له ولذويه وكذلك الأمن، لكن في الحقيقة هناك أهداف أخرى كثيرة لابد أن يتصدى لها المتعلمون وأصحاب الخبرات الجيدة، فهل هناك مقارنة بين إنقاذ الناس من المشكلات التي تهدد حياتهم وبين أن تتعب نفسك من اجل الحصول على الماء أو حاجاتك الخاصة، بالطبع من حق الإنسان أن يعيش بطريقة جيدة، ولكن عندما تنقذ الآخرين وتسهم في تحسين عيشهم فإن هذا العمل لا يقدَّر بثمن، إنك تنقذ نفسا من الهلاك، وتنتشل إنسانا من الضياع!.

أما طريقة معالجة المشكلات والمصاعب، فإن هنالك سبلا كثيرة لتحقيق ذلك، ومنها استثمار المرأة المتعلمة لقدراتها العلمية والمادية وما شابه، وإمكانية استخدام اللسان والقلم، حيث الكتابة لتوجيه الأخريات، أو إقامة النقاشات المختلفة التي تسهم في توعية الأخريات وتجعلهن أكثر قدرة على التعامل مع المصاعب أو المشكلات المختلفة، وهذا بالطبع يستوجب عدم الراحة، ونعود لنقول بأن الإنسان العظيم أو المرشَّح للفوز بالعظمة هو من لا بحث لنفسه عن الراحة.

يقول سماحة المرجع الشيرازي إن (الركض طلباً للماء، أو طلباً للأمن، جيّد، ولكن الركض لإنقاذ الناس، وانتشال الناس، ونجاة الناس، معناه فهم المشاكل، وفهم علاج المشاكل الإنسانية والأخلاقية والإسلامية، والركض لعلاجها، باللسان والقلم والنقاش وغيرها).

لذلك يخاطب سماحة المرجع الشيرازي جميع النساء المتعلمات كي يتحملن مسؤولية إنقاذ النساء وغيرهن من الجهل، فلا أشد فتكا بالناس أكثر من الجهل والفقر كذلك بكل أنواعه، فقر التعليم والطعام والملبس وقبل ذلك فقر العقل وقلة الوعي، لذلك على النساء المتعلمات أن يبادرن لمعالجة هذا الجانب، فإنهن مسؤولات عن ذلك أمام الله والبشر، وعندما تتصدى المرأة لمعالجة مشكلات الآخرين فسوف تكون مكافأتها التوفيق والعظمة من الله تعالى.

لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي للنساء: (حاولن أن تكونّن عند مسؤوليتكنّ أكثر وأكثر. فأمثالكنّ من النساء المؤمنات، والفتيات المؤمنات، في المدارس والجامعات والعشائر، وغيرها من الأماكن، هنّ بالألوف، فمن ينقذهنّ سوى أمثالكنّ. فكل واحدة منكنّ عليها أن تتصدّى للعلاج، وتوفّق).

اضف تعليق