q

يحلو للبعض أن ينظر إلى العمل الفني والعقلي الصادر من الفنانين والعباقرة، هو من الأمور الخارجة عن نطاق المألوف، والذي من الصعب على الناس العاديين الإتيان بــ هكذا إبداع!.

وقصة العلاقة بين المرض النفسي من ناحية والعبقرية والإبداع من ناحية أخرى، أحدث ضجة كبيرة بين صفوف المفكرين، وتزايدت محاولاتهم منذ القرن السادس عشر والسابع عشر من أمثال لامارتين بيرتون، ولمبروزو لتوجيه الأذهان والترويج لفكرة أن العبقرية تمثل شكلا من أشكال المرض النفسي والجنون!.

ومما شجع على انتشار وترويج هذه الفكرة، هو الشذوذ العلمي والفكري الذي يتمتع به العبقري أو الفنان، والذي يختلف به عن سائر الناس .

ومن خلال التطلع إلى السيَر الذاتية لحياة المبدعين والعباقرة، يمكن أن نكتشف أن الكثير منهم انتهت حياتهم على أثر الاضطرابات النفسية، وحالات الاكتئاب الشديدة، كالموسيقار الكبير بتهوفن الذي أنهى حياته بـ اخذ كمية من الحبوب المهدئة يصل عددها الى 32 حبة، وقد قام بذلك بعد أن جاوز 56 عاما من العمر، والكاتب ارنست همنجواي الذي أدمن على تعاطي الكحول بصورة شرهة وغير طبيعية مما أدى إلى إصابته بأمراض خطيرة، ومن ثم موته منتحرا في الـ 60 من العمر بإطلاقه رصاصتين على رأسه.

ولدينا أيضا العبقري فريدريك نيتشه، صاحب الكتب والأفكار المثيرة للجدل، حيث عانى من الاضطرابات النفسية الشديدة التي أصابته في نهايات عمره بالجنون الكامل، وثمة كتّاب عرب أيضا، من أمثال نجيب محفوظ وصلاح عبد الصبور اللذان عانا بدورهما من حالات الاكتئاب والاضطرابات النفسية الشديدة.

ولكن,إذا أردنا أن ننظر إلى هذا الموضوع من منظار آخر، فقد نجد الكثير من الآراء تؤيد بأن الاكتئاب الدوري والاضطراب النفسي هي مشاعر حزينة واردة، تمس روح الإنسان عند تعرضه للضغوطات النفسية والاجتماعية، بعيدا عن كونه فنانا أو عبقريا، أي أن هذه الأمراض لا تنحصر بفئة المبدعين فقط، بل من الممكن أن تصيب عامة الناس.

علما أن العزلة المتولدة من رحم الاغتراب أو الاكتئاب النفسي والاضطراب، هي عزلة مفروضة على الإنسان بسبب الاضطراب والضغط الذي يدفع بالمرء إلى النفور من المجتمع والاختلاء بنفسه، وفي هذا المعنى يقول موستاكاس: (يجد الإنسان خاصة المبدع، أن الوحدة ضرورية له، ففي الوحدة نجد تحقيقا لحاجاتنا الداخلية، نعثر من خلالها على الكثير من المعاني، وندرك أنماطا جديدة لتحقيق عاداتنا القديمة، وأساليب من التفكير والسلوك لم نتعود عليه من قبل).

ونجد الكثير الكثير من الباحثين والمفكرين يفسرون عزلة المبدع بالطريقة الخاطئة على أنها اضطراب نفسي، بينما هناك فرق كبير بين العزلة النفسية والعزلة الإبداعية، فالعزلة الإبداعية هي من يختارها المبدع ويتشوق إليها، لأنه يعرف قيمتها فيما يكتب ويكتشف، وهي عزلة إبداعية، لان العمل الإبداعي يتطلبها، ولأنها ضرورية لأي مبدع عظيم.

وإلى يومنا هذا تتزايد الدراسات والبحوث التي تبحث في إمكانية اقتران الإبداع والعبقرية بالجنون!!.

اضف تعليق