q
ملفات - تحقيقات

الاقتصاد العراقي وغياب الحمائية التجارية

مقاطعة منتجات الدول الحاضنة للإرهاب مثالاً

منذ مدة ليست بقليلة، شهد العراق وخصوصاً في الوسط والجنوب منه، حملات إعلامية واسعة، إمتدت من أرض الواقع إلى مواقع التواصل الإجتماعي، تطالب وتشجع عملية المقاطعة الاقتصادية لكل من سعودية، تركيا، أردن، بسبب إتخاذهم مواقف سلبية من حكومة بغداد ودعم الجماعات المسلحة بالعراق، ولكن هل كان العزوف عن شراء المنتجات الخارجية أمر واقعي متحقق ام لا؟.

منذ سقوط النظام السابق وحتى اللحظة الراهنة، اصبح العراق سوقاً لتصريف السلع والبضائع الخارجية بصورة غير رسمية، فمثلاً لا تبادل رسمي بين العراق والسعودية، وهذا ما أكدته الحكومة الإتحادية العراقية على لسان عضو اللجنة الإقتصادية في رئاسة الوزراء محمد السوداني والذي صرح به في 18/4/2012 لمصادر إعلامية، كما اكد الملحق التجاري في سفارة جمهورية العراق الإتحادية لدى السعودية علي جابر العطبي في تصريحات صحفية، وعلى الرغم من ذلك فان صادرات الجانب السعودي الى العراق والتي تتركز في المواد الغذائية وعلى رأسها الألبان والسلع الكهربائية والمواد الإنشائية مثل الاسمنت والحديد والتي وصلت عام 2011 الى اكثر من 1.3 مليار دولار كما افاد به سفير العراق لدى السعودية غانم الجميلي، وتأتي البضائع الى العراق عن طريق الكويت والأردن من خلال اتفاق تجار عراقيين وتجار سعوديين ولا احد يدري لمن هذه البضائع والى من تذهب عائداتها.

ويعد هذا التعامل، خارج تماماً عن نطاق الرسمية، والقانونية، إذ ان الجانب الوحيد المستفاد من هذه العملية هو الجانب الخارجي، ومن المفروض مقاطعة هذه المنتجات لعدم المعرفة الدقيقة وبيان الصورة الواضحة في عدائية الشركات المصدرة والمستوردة ولما تكنه الجهات الخارجية من كره وحقد على المستويين السياسي والديني للوضع العراقي الجديد.

إضافة الى عدم التأكد من ان الأموال المتجمعة من عمليات البيع والشراء لا تذهب إلى الجهات المسلحة والتي تساهم في تقوية جذور الجهات الخارجية والإرهاب في العراق من خلال الدعم المادي في شراء القنابل والمتفجرات.

إضافة لحماية الصناعة المحلية التي باتت في تراجع مستمر بعد إحتلال المنتوجات الخارجية للسوق العراقي.

وقد صوت مجلس محافظة بغداد قبل سنتين تقريباً على مقاطعة المنتوجات التركية، وعدم التعامل مع الشركات التركية بأي شكل من الأِشكال، كما إننا نلاحظ إنتشار حملات فردية وجماعية على مواقع التواصل الإجتماعي، بالأخص الفيسبوك وتويتر على مقاطعة المنتوجات السعودية التي باتت تحتل المركز الأول في الأسواق العراقية، وطالبوا الكثير بإصدار قرار رسمي من قبل الوزارة العراقية لتنفيذ الأمر.

شبكة النبأ المعلوماتية استطلعت آراء مجموعة من اصحاب المحلات التجارية عن فكرة المقاطعة ومدى تأثيرها على السوق العراقي وكان خلاصة الاستطلاع ما يلي: "التاجر والمواطن، هم أكثر المتضررين من سياسة المقاطعة، واصدار قرار المقاطعة لم يكن بصالحنا ابداً، لأن الدولة في المقابل لم تقدم لنا اية تسهيلات كمركية تقلل من معاناتنا في التعامل مع الدول الأخرى، ناهيك عن الضرائب التي تفرض على البضائع، ففي حال ارادت الدولة تنفيذ القرار عليها تقديم بدائل تعوض النقص الحاصل تجاه مقاطعة الدول المذكورة، لان المواطن بطبيعة الحال يريد البضاعة بنفس الجودة ونفس السعر الذي كان يقتنيها في السابق".

وهنالك بعض العوائل العراقية، إبتعدت عن شراء أي منتوج من البلدان المذكورة بمحض إرادتها، واقتنعت بالمنتوجات العراقية الشبه معدومة، إضافةً الى المنتوجات الإيرانية والكويتية، ولكن في المقابل نفرت الكثير من العوائل العراقية من هذا القرار، لأن الدولة في المقابل لم توفر أي بدائل مقنعة بعد عملية المقاطعة الحاصلة تجاه تركيا، كما ان المنتوجات الإيرانية لا تستطيع أن تسد رمق السوق العراقي، والإنتاج السوري متوقف حالياً.

ضمن اطار الموضوع قال الدكتور "خالد العرداوي مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية، في لقاء مع "شبكة النبأ المعلوماتية": "من المعروف ان سياسة المقاطعة هي سياسة جيدة ولكن على ان تكن سياسة مدروسة وتؤثر على اقتصاد البلاد، وبالنسبة لقضية الدول التي تحتضن الإرهاب وتصدره الى خارج حدودها، من المفروض ان تقتضي لعقوبات صارمة من المحيط الدولي او من المحيط القريب وذلك لردحها وردح الارهاب الناتج منها، فعندما تتمادى هذه الدول اكثر فاكثر في سياساتها العدائية تجاه الخارج، من الممكن ان تهدد السلم والأمن الدولي، وبالتالي تشكل خطراَ على محيطها".

وعندما وجهنا له سؤال عن القرارات التي صدرت بخصوص مقاطعة تركيا، وسعودية قال العرداوي: "عندما تكون الحكومة ضعيفة، وليس لديها اي قدرة على اتخاذ سياسات رادعة تجاه الدول الاخرى، بالنتيجة ستكون القرارات مجرد حبر على ورق، لن تؤثر على ردع الطرف الآخر بصورة واقعية وفعلية، وغالباً ماتكون هذه السياسة، هي سياسة مستعجلة، فمن لا يستطيع التأثير على الطرف الاخر عليه ان لا يتخذ سياسات مثيرة للسخرية، اما ان تتخذ قرارات واقعية او لاتأخذ قرارات لا تكون الاّ سياسات إعلامية".

وأضاف مدير مركز الفرات لشبكة النبأ المعلوماتية قائلاً: "المشكلة الحالية التي يعاني منها العراق بما يخص موضوع المقاطعة، هي ليست مشكلة البدائل، فمن الممكن ان تقوم الدولة بتعويض المنتج الحالي بمنتج اخر، كالمنتجات الإيرانية او حتى الآسيوية والأجنبية، فالمشكلة هنا ليست مشكلة ايجاد البديل، بل هي مشكلة ضعف سلطة اتخاذ القرار، وضعف السلطة المنفذة، فمع انعدام هذه السلطات سنعجز عن ردع الوضع الحالي".

فلو استطاعت الدولة على توفير سياسات حمائية للمنتج المحلي وتوفير رسوم تعريف كمركية، في هذه الحالة من الممكن تنشيط المنتج المحلي في الأسواق العراقية.

فعندما تتواجد حكومة قوية، وعادلة وكفوءة، تعمل لصالح المواطن العراقي في هذه الحالة نستطيع ان نجزم بان جميع القرارات التي تتخذ ستكون قرارات فاعلة، ولتنفيذ سياسة المقاطعة علينا ان نمتلك القدرة على المبادرة والتأثير في الطرف الآخر، وعلى توفير البدائل للمواطنين ومن ثم انتقاد سياسات المقاطعة ايةً كانت".

وهنالك بعض النقاط المهمة التي من الممكن أن تسهل عملية المقاطعة وتعود بالفائدة على الشعب العراقي:

1- تنشيط المنتوج المحلي، من خلال تفعيل المصانع والشركات العراقية الخاملة، ودعم المشاريع الصناعية، وتوسعتها لسد حاجة الشعب بشكل كامل.

2- منع دخول بضائع الدول التي ترفض التبادل الرسمي بين البلدين، حمايةً لمنتوجاتنا المحلية وتحفيز للصناعات المحلية في شتى المجالات.

3- الإهتمام بالمشاريع الفردية وحتى الجماعية في ظل القطاع الخاص، وتمويلهم من قبل البنوك والجهات الخاصة وأصحاب النفوذ.

4- حث الشعب العراقي على التوقف التام من شراء المنتوجات الخارجية، من خلال اصدار فتاوى من علمائنا الأعلام بتحريم شراء المنتجات السعودية والتركية و...الخ، وتحريم الاتجار بها.

5- وهنالك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق المواطن بمساندة الجانبين الديني والحكومي من خلال التقيد التام بمقاطعة تلك المنتجات حتى تغير الدول المصدرة مواقفها السياسية والدينية والإقتصادية تجاه العراق.

الجدير بالذكر ان تنشيط المنتوج المحلي والتوقف عن الإستيراد، تعود بفائدة كبيرة على العراق والشعب في آن واحد، لأن البلد في هذه الحالة سيسد حاجياته بنفسه ويستغل عدد كبير من الأيدي العاملة، بالعمل في المصانع والشركات المحلية، على كوننا نعد من البلدان التي تعاني من كثرة البطالة وتحتاج الى فرص العمل.

وبهذه الحالة سنكون قد ضربنا ثلاثة عصافير بحجر واحد، وفرنا فرص عمل للعاطلين، وأصبح لدينا إكتفاء ذاتي بسد حاجياتنا بأنفسنا، وحاربنا الدول التي تمول الإرهاب على حساب العراق وشعبه، إذاً من المهم جداً الإلتفات الى هذا الموضوع، لأن الإنتاج المحلي يمثل قوة البلد والركيزة الأساسية التي تساهم في النهوض بالواقع الحالي.

اضف تعليق