q

رحل المفكر الفقيه، والمصلح المؤسس، والمجاهد الشهيد، آية الله السيد حسن الحسيني الشيرازي، قبل 39 عاماً، رحل إلا أن ذكراه وآثاره ومواقفه مازالت إلى اليوم تنبض بالحياة والعطاء والنماء. فقد كان (قده) صاحب مشروع نهضوي وإنجازات مباركة ومواقف بطولية وطموحات كبيرة.

كان يدعو إلى تطبيق الإسلام الذي جاء به الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وطبقه أمير المؤمنين (عليه السلام)، الإسلام الذي يدعو إلى الحريات الفردية، والعدالة الاجتماعية، والذي فيه أمير المؤمنين (عليه السلام) ما كان يأكل اللحم في أيام خلافته إلا في أيام عيد الأضحى حيث المسلمين جميعاً يأكلونه في ذلك اليوم، وكان يقول "لعل بالحجاز أو اليمامة من لا عهد له بالشبع"، وأمير المؤمنين الذي حكم العراق كان يسكن في بيت متواضع أو بالأحرى كوخاً تابعاً لما كان يعرف بقصر الإمارة.

بسبب مواقفه وإقدامه وبسالته، ليس أن يكون مصير الشهيد الشيرازي إلا السجن ومن ثم الشهادة. أحد عشر عاماً كانت ما بين السجن والشهادة، كانت فترة زمنية قصيرة، لكنه أعطى فيها الكثير، ذهب مهاجراً إلى لبنان فأسس مدرسة الإمام المهدي الدينية، وهي أول مدرسة استقبلت طلبة من أفريقيا السوداء درسوا فيها ثم عادوا إلى بلادهم مبلغين وداعين للإسلام، وفي كثير من تلك المناطق استطاع تشييد أسس الولاء لأهل البيت (عليهم السلام)، أيضاً وبعد هجرة طلبة العلوم الدينية من العراق جاؤوا إلى سوريا، وقد اجتمع معهم لتأسيس الحوزة العلمية الزينبية في سوريا، التي لها من الآثار الجليلة في الماضي، كما اليوم حيث تمر الشام بأزمة دامية منذ أربع سنوات.

رغم كل تلك الأعمال الكبيرة، لم يترك(قده) التأليف، فألف موسوعة الكلمة (26 مجلدا)، فضلاً عن كتبه الأخرى (خواطري عن القرآن 3 أجزاء) (حديث رمضان) (العمل الأدبي) (الأدب الموجه) (الاقتصاد الإسلامي) (الشعائر الحسينية)، فلم يهدر من وقته شيء، وأيضاً، وقد سعى من أجل إعادة بناء البقيع، وكادت محاولاته أن تثمر لولا عوائق.

نال الشهيد الشيرازي الشرفين، شرف العلم وشرف الشهادة، ولم يكتف بطرح الأفكار فحسب، بل كان من المبادرين الى العمل الميداني، والدخول في مواجهة مع أنظمة مستبدة، لذلك كان(قده) أول مفكر إسلامي أدخل في زنزانات "قصر النهاية" في السجن، وقد مورس بحقه أبشع أنواع التعذيب.

كان(قده) من مصاديق قوله تعالى: ((وجعلني مباركاً أين ما كنت)). فكان له في كل مكان حلّ فيه شاهد أو أكثر، فقد هدى الله على يديه الكثير من الناس إلى نور أهل البيت (عليهم السلام)، وشيّد وأسس الكثير من الحوزات العلمية والمؤسسات الثقافية والمراكز العلمية في دول عديدة. وقضى(قده) عمره في سبيل نشر منهج أهل البيت (عليهم السلام) وتعريف العالم بتعاليمهم ومبادئهم السامية، وكان ثمن ذلك استشهاده على يد ألد أعداء آل محمد (عليهم السلام).

في السادس عشر من جمادى الآخرة من كل عام، نستذكر الشهيد الشيرازي، ونستحضر معه الدروس والعبر التي سطرها(قده) بفكره وخلقه وعلمه وشعره وأدبه ودمه الطاهر، فقد كان مثالاً للعبد الصالح والمفكر المصلح والمجاهد المخلص، في شتى مجالات الفكر والحياة، وكان من الشخصيات البارزة في الساحة الإسلامية "الفكرية والجهادية"، وأحد كبار علمائها الأبرار الذين أخذوا على عاتقهم نشر قيم الإسلام بأبهى صورها، فقد كان (رضوان الله تعالى عليه) مفكراً وخطيباً ومحدثاً ومؤلفاً وعالماً وأديباً، ومن أبرز أعلام الصحوة الإسلامية.

وقف بوجه الطاغوت بكل جرأة وشجاعة، ولم ترهبه سطوته وسلطانه وجيوشه، ووقف مع الحق في زمن قل فيه الصامدون، كيف لا وقد تعلم في مدرسة سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) حيث انطلق من مدينته المقدسة كربلاء حاملاً على عاتقه نشر الفكر المحمدي – العلوي وسيرة أهل البيت (عليهم السلام)، ليصل بها إلى الكثير من بقاع العالم، تاركاً لنا تراثاً علميا وجهاديا ثراً، ومؤسسات كريمة، وترك أيضاً للناس والتاريخ دماء زاكية مازالت تنبض بعبرة عظيمة تتماهى مع ما نحن بحاجة إليه اليوم في خضم مواجهات متفجرة على كافة الأصعدة، عبرة لا تدعونا إلى العمل فقط، بل العمل كالعظماء، يقول(قده): "العظماء هم الذين يغيرون مجرى التاريخ، ويحوّلون أعنّة أفراسه من هزيمة إلى انتصار، ومن ضعف إلى اقتدار، ومن ظلام دامس إلى بحبوحة الأنوار".

اضف تعليق