q

التعرض لضغوطات متواصلة في الحياة والمرور بتجربة إنسانية صعبة قد يترك آثراً على صحة ونفسية الإنسان، ويُسبب بالتالي أمراضا عديدة يصعب الشفاء منها كالاكتئاب، بيد أن دراسة حديثة كشفت عن جانب إيجابي للضغوطات. فما هو يا ترى؟

قد يتطلب تجاوز الضغوطات النفسية والسيطرة على المشاعر السلبية وقتا أكبر بالنسبة للكثيرين، لاسيما وأن الحياة زاخرة بتحديات لا منتهية. وبينما ينجح البعض في تجاوز هذه المرحلة بسرعة، يفشل البعض الآخر في الخروج من مرحلة الاكتئاب وقد يتخذ قرارات فردية وغير مناسبة.

لكن دراسة حديثة ترى عكس ذلك، وفي هذا الصدد توصل علماء من جامعة ريغنسبورغ الألمانية أن الرجال يتخذون مواقف أقل أنانية أثناء مرحلة الضغط حسب ما أشارت إليه المجلة العلمية المتخصصة " هرمون أند بيهيفرر".

الروتين اليومي الذي نمر به بالإضافة إلى مفاجآت الحياة لنا بما يصدمنا أحياناً، يجعلنا نمر بحالة من الضغط النفسي أياً كان درجته أو صورته، لكن وصل الاعتقاد بالبعض أنه يمكن للضغط النفسي أن يتسبب في إصابتنا بمرض السرطان! فهل هذا صحيح؟ كيف للضغط النفسي أن يؤثر في أجسامنا من الأساس؟ وماذا عن مريض السرطان الذي يصاب بهذا الضغط والتوتر، كيف يمكنه التعامل مع ذلك؟ إجابات كل تلك الأسئلة في المقال التالي عزيزي القارئ.

ماذا يقصد بالضغط النفسي؟

يعتبر الضغط النفسي وصف للحالة التي نمر بها عندما نكون تحت ضغط نفسي وعقلي وبدني، وبالرغم من أنه من الطبيعي أن نمر بتلك الحالات من وقت إلى آخر، لكن بعض الأشخاص الذين يمرون بتلك الحالات بشكل زائد عن المعتاد أو لمدة طويلة قد يسبب ذلك لهم بعض المشاكل الصحية!

وقد يحدث الضغط النفسي بسبب المسؤوليات اليومية التي نمر بها أو بسبب أحداث مفاجئة لنا مثل الصدمة أو المرض أو أي سبب آخر لا نقدر على تحمله.

يتعامل الجسم مع الضغوطات النفسية والجسدية والعقلية من خلال إفراز هرمون يعرف بـ هرمون التوتر مثل الأدرينالين، والذي يقوم بـ زيادة ضغط الدم، و زيادة معدلات نبضات القلب ، ويرفع من مستويات السكر في الدم ، كل هذه التغييرات تساعد الجسم على التعامل بقوة وسرعة أكبر للهروب من التهديد المُتصور.

أيضا هناك بعض الأبحاث أظهرت أن الأشخاص الذين يختبرون فترات طويلة ومركزة من الضغط يمكن أن يتسبب ذلك لهم في مشاكل هضمية، أو مشاكل في الخصوبة أو في التبول، أو ضعف الجهاز المناعي، بالإضافة إلى أمراض أخرى مثل اضطربات النوم والبرد الشائع والصداع.

فيما يحتوي جهاز المناعة على مجموعة من المواد الدفاعية التي تسهر على حماية جسم الإنسان من الإصابة بالأمراض، غير أن هذا الجهاز يمكن أن يضعف في حال لم يتجنب الإنسان أسلوب الحياة المؤدي إلى ذلك. وينصح الخبراء في الصحة بتجنب الكسل وتجنب عدم ممارسة الأنشطة البدنية وبالابتعاد عن التوتر والضغوط النفسية وهي عوامل تؤدي بالضرورة إلى إضعاف جهاز المناعة ما يسهل على الأمراض اختراق الجسم.

علما انه بدأت الضغوط النفسيّة أو ما يُعرف بـ(الهموم) مع خلق الإنسان على وجه الأرض، وهي جزء من التحيصات المهمة في الحياة، والتي تصقل النفوس وتميز الخبيث منها من الطيب، وقد زادت الضغوط التي تواجه الإنسان مع إزدياد تقدم الحضارة وتنوع صور المدنية، فعلاقة الجسم والنفس علاقة وطيدة لا تنفصم عراها، فكلاهما يؤثر بالآخر ويتأثر به، ويظهر ذلك بوضوح عندما يمرّ الإنسان بموقف ضاغط أو بمشكلة ما، ويلاحظ ما يحدث لجسمه من تغيرات، حيث تزداد معدلات ضربات القلب ويرتفع ضغط الدم، وربما تتضاعف مرّات التنفس، نتيجة انقباضات عضلية معيّنة في منطقة الصدر.. وغيرها من التغيرات الفسيولوجية، والضغوط النفسية لها علاقة بالكثير من الأمراض العضوية، مثل: آلام الرأس، آلام الظهر، التهيجات المعوية، القرحة، أمراض القلب والشرايين، والمشكلة الحقيقية التي تواجهنا هي أنّ الضغوط النفسية ليس لها دواءٌ شافٍ، أو علاجٌ فعّال.

وأسباب الضغط النفسية كثيرة، وهي ناتجة عن مشاكل نفسية واجتماعية تؤثر في مخ الإنسان الذي يصدر أوامره وتعليماته، إلى جميع أجزاء الجسم للقيام بالتعديل، والضبط الملائم والمناسب لنوع وشدّة المشكلة المسببة، وهنا تظهر الأعراض التي منها: الصداع، صعوبة الهضم، آلام العضلات، الأرق، الشعور بالإحباط، فقدان التركيز، زيادة التدخين، وفي بعض الأحيان اللجوء لتناول كميات أكبر من الطعام، ثمّ تحدث المضاعفات السيئة.

وقد أوضحت العديد من الدراسات النفسية بأنّ الضغط النفسي يتسبب في الكثير من المضاعفات السيئة على الصحة الجسمية بشكل عام، فعلاقته كبيرة بالكثير من الأمراض، ابتداءً من آلام المعدة، مروراً بالسكري والصداع وآلام الظهر والأمراض الجلدية، وانتهاءً بأمراض القلب والشرايين. فضلاً عن الآثار النفسية، من شعورٍ بالضيق والتعاسة والأرق وعصبية المزاج والحزن... وغيرها.

دراسة تربط بين حدة الضغوطات والتصرف بإيثار

في سياق متصل، أكد الخبراء الألمان أن الرجال الذين يتعرضون لضغوطات نفسية كبيرة يتجردون من مصلحتهم الشخصية وتظهر عليهم مشاعر إيجابية، بالمقارنة مع أولئك الذين لا يُعانون من الضغوطات ويتخذون في المقابل قرارات أنانية.

وقد استندت النتائج إلى دراسة أجريت على أكثر من 50 شخصا تم تقسيمهم إلى مجموعتين، حيث شاركوا في امتحان لتجاوز الضغوطات الاجتماعية، بالإضافة إلى قياس مشاعرهم أثناء اتخاذ القرارات.

إلى ذلك، ربط الخبراء بين هرمون الكورتيزول وما يُسمى بـ "الإيثار في اتخاذ القرارات " خلال مرحلة الضغط، إذ يرى الخبراء أن الكورتيزول قد يكون مسؤولاً عن الشعور بـ "الغيرية" ويُساهم بالتالي في اتخاذ قرارات ذات طبيعة إنسانية. يُشار إلى أن 300 مليون شخص يُعاني من الاكتئاب وفق آخر إحصائيات منظمة الصحة العالمية.

سبب علمي "خطير" يدفعك لتجنب ضغوط الحياة

ربما تحاول أن تتجنب ضغوط الحياة التي تسبب القلق والتوتر لأسباب عدة، بينها رغبتك في عيش حياة هادئة خالية من المشكلات، لكن الآن أصبح لديك سبب جديد ومهم لفعل ذلك، فقد كشفت دراسة حديثة أجرتها مدرسة الطب والصحة العامة بجامعة "ويسكونسين" الأميركية، أن الحياة المليئة بالضغوط يمكنها أن تؤدي إلى ما يعرف بـ"الشيخوخة المبكرة للمخ"، بإضافة سنوات إلى عمره الحقيقي.

وقال معدو الدراسة إن حدثا واحدا كبيرا طوال الحياة يسبب الضغط النفسي عليك، يمكن أن يكون لديه تأثير على صحة المخ لاحقا، وحسب صحيفة "غارديان"، أجريت الدراسة على 1320 شخصا بمتوسط عمري 58 عاما، تعرضوا لضغوط عبر حياتهم، وتم إخضاعهم لاختبار لقياس طريقة تفكيرهم وحالة ذاكراتهم.

وكانت النتائج أن كل حدث كبير سبب ضغوطا على صاحبه، أدى إلى زيادة بمعدل 4 سنوات عما يفترض أن تكون عليه حالة مخه، من حيث التفكير والذاكرة، وتنوعت الضغوط على من شملتهم الدراسة، بين فقدان الوظائف أو وفاة الأبناء أو الطلاق أو العيش مع أب أو أم يتعاطيان الكحول أو المخدرات، وربطت الدراسة بين هذه الأحداث وضعف الوظائف الإدراكية في لمن أجريت عليهم.

هل يمكن للضغط النفسي أن يسبب السرطان؟

بالرغم من أن الضغط النفسي يمكن أن يسبب مشاكل صحية عديدة، لكن الدليل على أنه يمكن أن يسبب السرطان بالتحديد مازال ضعيفاً، وإن كان هناك بعض الدراسات التي قد أشارت إلى وجود صلة بين مختلف العوامل النفسية وزيادة خطر الإصابة بالسرطان ولكن بعض الدراسات الأخرى لم يفعل.

لكن قد تكون هناك علاقة من نوع آخر يتسبب فيها الضغط النفسي في اتباع عادات صحية خاطئة قد تسبب السرطان مثل القيام بالتدخين أو الإفراط في تناول الطعام، أو شرب الكحول، مما يزيد من خطر الإصابة بالسرطان أو قد يكون هناك عامل وراثي مشترك مع شخص مصاب بالسرطان مثلاً.

قد يجد الأشخاص المصابون بالسرطان الآثار العاطفية والجسدية والاجتماعية للمرض مرهقة بالنسبة لهم، كما أن الأشخاص الذين يحاولون التعامل مع الضغط بسلوكيات خاطئة مثل التدخين وشرب الكحول يعانون من مستوى حياة منخفض الجودة بسبب تلك السلوكيات.

على النقيض من ذلك تبين أن الأشخاص الذين يستطيعون استخدام استراتيجيات تكيف فعالة للتعامل مع الإجهاد والضغط، يكون لديهم مستويات أقل من الاكتئاب والأعراض المتعلقة بالسرطان، بالرغم من ذلك لا يوجد دليل قوي أن التعامل الناجح مع الضغط النفسي يمكن أن يعزز فرص البقاء على قيد الحياة عند الإصابة بالسرطان.

هناك أيضا بعض الأبحاث التي تجد أن الضغط النفسي يمكن أن يؤثر على قدرة الورم على النمو والانتشار، فبعض الأبحاث أظهرت أن النساء المصابات بـ سرطان الثدي السلبي الثلاثي واللاتي تلقين العلاج الكيميائي الجديد باستخدام حاصرات بيتا، كانوا أقل عرضة لحدوث الانتكاسات على عكس النساء اللاتي لم يقمن باستخدام حاصرات بيتا.

وبالرغم من أنه لا يوجد دليل قوي يوضح كيفية تأثير الضغط على وضع السرطان، إلا أن بعض البيانات تشير إلى أن المرضى يمكن أن يحدث لديهم نوع من العجز أو اليأس، وبالتالي لا يسعون للعلاج بل ويقومون بالانخراط في سلوكيات محفوفة بالمخاطر مثل تعاطي المخدرات أو اتباع نظام حياة غير صحي، مما يؤدي إلى الوفاة المبكرة.

الضغوط النفسية من أهم العناصر المدمرة لجهاز المناعة

تقوم مجموعة المواد الدفاعية في جهاز المناعة بصد هجمات الفيروسات والبكتيريا على الجسم، وعلى رأسها الفيروسات الكبدية والإصابة بالأنيميا والالتهابات بمختلف درجاتها، ويعد الجلوس طيلة اليوم من أبرز الأسباب التي يمكن أن تضعف الجهاز المناعي دون ممارسة بعض التمارين الرياضية، حيث تؤدي قلة الحركة إلى افتقاد الجسم لمجموعة كبيرة من العناصر الغذائية النافعة التي تقوم بتقوية الجهاز المناعي.

من جهة ثانية يؤدي الانشغال الدائم والتعرض لضغوط يومية ونفسية إلى إضعاف جهاز المناعة، فتزيد فرص الإصابة بنوبات البرد وضعف نبضات القلب. كما أن تناول كميات كبيرة من الدهون المشبعة يقلل كفاءة الجهاز المناعي، ويصيب الجسم بالالتهابات والأمراض، للأمراض النفسية تأثيرات عديدة مباشرة تدمر الجهاز المناعي، حيث تمنع الإنسان من تناول كمية الطعام التي يحتاجها

ويقول أستاذ الأمراض الباطنة والجهاز الهضمي بكلية الطب جامعة عين شمس حسام عبدالعزيز إن بعض الممارسات اليومية التي يقوم بها الإنسان دون علم منه بتأثيراتها لها مردود سلبي على صحته، ومن أبرزها قلة النوم، حيث يقوم الجهاز المناعي بتفعيل مهامه لحماية الجسم بصورة أكثر قوة من بقية أوقات اليوم ويمنع الفيروسات من اختراق الجسم أثناء عملية الاسترخاء. فإذا كان الإنسان لا ينال قدرا كافيا من النوم، فإن ذلك يمنع الجهاز المناعي من القيام بعمله بالكفاءة المطلوبة.

كما يعد الشعور بالوحدة من الأسباب التي تدمر الجهاز المناعي تدريجيا بصورة يومية، حيث يفرز الإنسان هرمونا يسمى "النورادرينالين" يساعد الجهاز المناعي على القيام بوظيفته بكفاءة عالية، ولكن مع الشعور بالوحدة يتوقف جسم الإنسان عن إفراز هذا الهرمون، ومن ثمة يقلل ذلك من أداء الجهاز المناعي، بل ويتجمد نشاطه إذا قام الجسم بإفرازه، وفي كلتا الحالتين لا يستفيد الجهاز المناعي من هذا الهرمون طالما يشعر الإنسان بالوحدة.

ويوضح عبدالعزيز أن الشعور بالضغط أيضا من العادات اليومية التي تدمر صحة الجهاز المناعي، حيث أن مرور الإنسان بتجارب مجهدة بشكل متكرر يقلل من كفاءة جهاز مناعته، وبالتالي يصاب الجسم بنوبات البرد ونزلات الشعب الهوائية التي تدمر الجهاز الرئوي، وتمنع الإنسان من استنشاق الهواء بصورة طبيعية، كما تزيد من فرص الإصابة بالتهابات الجهاز التنفسي، ويؤكد استشاري أمراض الباطنة أحمد صلاح، أن هناك نسبة عالية من الدهون المشبعة تخترق جسم الإنسان يوميا، لا سيما أولئك الذين لا يهتمون بطبيعة الأطعمة التي يتناولونها، ولا يدركون الأخطار التي يحتمل أن تعود عليهم جراء ذلك، هذه الدهون تعمل على تقليل كفاءة الجهاز المناعي، حيث تضلل الجهاز وتمنعه من التعرف جيدا على الجراثيم داخل الجسم، من خلال تقليص وظيفة البروتينات الموجودة فيه، ما يزيد فرص الإصابة بالالتهابات باختلاف أنواعها، لأنها تساعد الدهون في القضاء على كفاءة المناعة.

وعن العادات الأخرى التي تضر بمناعة الإنسان، يشير صلاح إلى الوزن الزائد الناتج عن تناول كمية كبيرة من الأطعمة بصورة يومية، باعتباره من أهم الأسباب المؤدية إلى ضعف الجهاز المناعي، حيث يوجد ارتباط بين السمنة ونسبة الإصابة بالأمراض، فهي تعمل على تقليل كرات الدم الحمراء والبيضاء، التي تساعد قيام أعضاء الجسم بوظائفها، ومن أكثر أماكن السمنة تأثيرا على كرات الدم بجسم الإنسان البطن، لأنها أقرب ما يكون من الجهاز المناعي، بصورة تعزز من تأثيرها السلبي عليه، بحسب دراسة جمعية التغذية البريطانية.

دور الرياضة في مواجهة الضغوط النفسيّة

تعد ممارسة الرياضة من أهم العوامل التي تستخدم لمقاومة ومعالجة الضغوط النفسية، كما أنها وسيلة للإسترخاء، مثل: المشي، السباحة، ركوب الدراجات، حيث أنها تقلل من درجة القلق والحزن والشد العضلي والتوتر، ويمثل النشاط البدني عبئاً على الجسم، وإنّ مقاومة هذا العبء من قبل الجهاز العصبي تؤدي إلى رفع كفاءة الجهاز العصبي في مواجهة ضغوط الحياة المختلفة، وللتعامل مع الضغوط النفسية من خلال برنامج منتظم للنشاط البدني، فإنّ المختصين يوصون برياضة المشي التي تعتبر في متناول الجميع، ولا تحتاج إلى تجهيزات أو ملاعب أو أدوات خاصة.

اضف تعليق