q
{ }

اقام مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث ملتقى فكري تحت عنوان (الشورى والديمقراطية مقاربة مفاهيمية سياسية)، وذلك بمشاركة عدد من مدراء المراكز البحثية وبعض الشخصيات الحقوقية والاكاديمية والاعلامية والصحفية في ملتقى النبأ الأسبوعي الذي يعقد كل سبت بمقر مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام.

 اكد مدير الجلسة الاستاذ حيدر الجراح مدير المركز في مستهل كلامه "على ان (المجتمعات المتخلفة لا تفهم دينها الا بشكل متخلف)، وان ما يشاع ان هناك اسلاما متخلفا هو نتاج لهذه المجتمعات المتخلفة).

 ثم قام بعقد مقارنة بين خطابين لجماعتين يتصارعان على المجال العام في مجتمعاتنا، حيث تقترن الشورى كثيرا بالإسلام السياسي وتقترن الديمقراطية بالعلمانيين، مع تأكيد الجماعتين على ان هدف الدولة هو تحقيق آمال الناس في العدالة والكرامة والحرية. وعادة ما ترفض التيارات الاسلامية المتسيدة في الساحة ان تفهم الاسلام في جدل مع الواقع في اتجاهاته المختلفة، وترى في فهم السابقين للإسلام هو الفهم السليم الذي لا يمكن ان يكون اي فهم مختلف عنه الا خاطئا، لهذا يفشل الاسلاميون عند وصولهم الى السلطة حيث تسقط شعاراتهم كلها، امام تحديات واقع يأبى التعامل مع ذهنيات متخشبة ورؤية تنتمي الى عصور غابرة".

"والتيارات العلمانية ترى في الاسلام عائقا امام التحديث ولابد من تحييده او تجاوزه، من اجل إنجاز الحداثة في جوانبها الفكرية والسياسية والاجتماعية، وينتهي العلمانيون بأوهامهم الأيديولوجية الى عزلة قاتلة بعد ان يصطدموا في المجتمع بقيمة وعقائده.

 في حديثه عن الديمقراطية قدم لمحة موجزة عن أصلها اليوناني حيث تعني سلطة الشعب مع استبعاد الاجانب والعبيد والنساء في التصويت وهي ديمقراطية القلة كما تعارف عليها. بعد الثورة الفرنسية انتقل مفهوم الديمقراطية من شعار (حكم الشعب بالشعب ومن اجل الشعب)، الى شعار الحرية والعدالة والاخاء والمساواة، وقد بدأت الديمقراطية في صيغتها الحديثة جمهورية تعتمد المشاركة السياسية شرطا للحرية الشخصية، وكانت تريد اقامة توازن بين الشعب والارستقراطية بحيث تضمن للمواطنين المشاركة في الحكم بآليات مختلفة، وتتيح لهم حرية الكلمة والتنظيم تحت سقف القانون".

انتقل الجراح بعدها الى المفهوم الثاني وهو الشورى الذي "انطلق من توجيهات الاسلام الذي جاء ليؤكد على مركزية هذا المفهوم في كل خطواته، وهناك مشترك بين الشورى والديمقراطية، فاذا كانت الديمقراطية تتضمن معنى الحرية في إبداء الرأي واختيار ما هو مناسب، فان الشورى لا تخلو من هذا المنحى فهي تعني في أصلها اللغوي ابداء الشيء واظهاره وعرضه وتبادله مع الآخرين، وايضا تعني التشاور والمشورة والمشاورات والمشاورة لاستخراج الرأي بمراجعة البعض الى البعض".

يضيف الجراح: وليس ذلك ممكنا إذا لم يكن هناك حق في التفكير وحرية في التعبير، وهذا يعني اتفاق كلا من الديمقراطية والشورى بما هي مفاهيم سياسية على ضرورة احترام المجموعة واعطائها حقوقها في التعبير عن نفسها".

ويؤكد الجراح "ان لفظ الشورى ورد ثلاث مرات في القرآن الكريم (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير)".

" فاذا كان القرآن الكريم، وهذا التعبير للسيد محمد الشيرازي يوجهنا الى ان نشاور في أدنى اعمال تربية الولد وهو الفصل بالرضاع، فبشكل اولى ان يوجهنا نحو الاستشارة بالحكم فلا يبيح الاسلام لرجل واحد ان يستبد في الامة، فقد امرنا الله (سبح) رحمة بالطفل ان تتشاور الام مع الاب قبل ان يقررا فصله عن الرضاعة، فكيف وأمر الحكومة وفيها مصير الامة باسرها فرحمة بالأمة امر الله (سبح) الحكام بان يتشاوروا".

هذا وقد اشار الجراح "ان الآية الثانية (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)، قال السيد الشيرازي الراحل عندما نزلت هذه الآية قال رسول الله (ص) (اما ان الله ورسوله لغنيان عنها ولكن جعلها الله تعالى رحمة لامتي)، فمن استشار منهم لم يعدم رشدا ومن تركها لم يعدم غيا، فقد كانت المشورة رحمة لعباده فقد حفظ عبر الشورى وحدتهم وجعل منهم شخصيات بارزة في المجتمع، اما بالنسبة للقسم الاخير من الآية ففيه رايان رأي يقول بالعزيمة على رايه (ص)، ورأى ثاني يقول (اذا عزمت بعد المشاورة في الامر على امضاء ما ترجحه الشورى واعددت له عدته فتوكل على الله في امضائه وكن واثقا في معونته وتأييده لك فيه)".

وأسترسل الجراح " والآية الثالثة (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)، والآية في وصف المؤمنين وتحديد واجباتهم ومن جملة تلك الواجبات الشورى، فقد وردت الشورى بين امور واجبة منها اقامة الصلاة والانفاق، فالأولى في المجال العبادي الرامي الى تزكية النفس وبناء الشخصية الايمانية، والثانية في الامور العامة كبناء الدولة ونظام الحكم، والثالثة في المجال الاقتصادي وهي ثلاث حلقات مترابطة وهي اركان للمجتمع الاسلامي"

واستنادا لهذه الآيات الثلاث يتضح مما يلي:

ان الشورى مبدأ اسلامي عام لا يختص فقط في المجال السياسي بل حتى في الحياة الاسرية والاجتماعية.. ان للشورى مجالان:

الاول: مشورة الحاكم المسلم للمسلمين في الامور المتعلقة بهم.

الثاني: مشورة المسلمين فيما بينهم على ادارة شؤونهم.

"فهي دعوة الطرفين الى الشورى طرف الحاكم وطرف الرعية، وان مبدأ التشاور قائم في الامور المتعلقة بشؤون المسلمين دون الاحكام الشرعية التي ورد فيها النص، اما بالنسبة للآية الثانية والثالثة فهي تكشف الترابط المفصلي بين السياسي والاجتماعي في الاسلام".

ثم بين الجراح "بالعودة الى الديمقراطية التي تتأسس على اعتبار ان الانسان هو مصدر كل قانون، لكن في الاسلام فان الله هو المصدر الاساسي للقانون لكنه مع ذلك يعطي الانسان مجالا للتشريع في نطاق معين يمليه واقعه المتغير وحاجاته المتعددة". "وبهذا يتبين والكلام للسيد الشيرازي ان الشورى في ماذا ولماذا فأنها بأي امر مرتبط بقطاع من الامة صغيرا وكبيرا فالاستبداد في الأمة بالحكم محرم حرام بحجم الامة".

حجية الشورى

 يحتج على وجوب الشورى بأمور:

اولا : وجوب اخذ الاذن بالتصرف فكل شيء يرتبط بشؤون الامة لابد من الاستشارة فيه سواء في اصل الجعل او تابعه، مثل المدارس والجامعات والمستشفيات والمطارات والمعامل الكبيرة وما اشبه ذلك، فإنها تفتح وتعمل بمال الامة ومقدراتها وكذلك حال الوظائف من الرئاسة الى الوزارة الى المجلسين الى المحافظين الى مدراء النواحي وهكذا، وذلك لجهتين كونها تصرف بمال الامة سواء اموال الخمس او الزكاة والمعادن وما اشبه، ولا يحق لاحد ان يتصرف في مال غيره الا بإذنه، ومن الواضح ان رضا الامة واجازتهم في طول رضا الله (سبح) واجازته، فاللازم ان يكون التصرف حسب الرضائين، ولا يقال اذا قلد الناس مراجع التقليد وهم نصبوا المدراء ومن اشبههم كفى لانهم وكلاء الامة وخلفاء الرسول (ص)، لأنه يقال اذا فوضت الامة اليهم الامر بهذه السعة صح والا لم يصح لعدم التلازم بين الامرين".

"ويعلق السيد الشيرازي على مثل هذا القول ومن الواضح ان مثل هذا التفويض الفضفاض لا يتحقق، بل للفقهاء بأنفسهم وهم في قمة التعقل والعدالة لا يحتكرون الامر لأنفسهم، وهم العالمون بان الإستشارة خير مظهر لأوجه الرأي وتوصلهم الى أحسن النتائج، فاذا طبقت الاستشارة في كل هذه الشؤون من القرية الى المدينة ومن اتحاد الطلبة الى أكبر ادارة للشؤون الاجتماعية، تظهر الكفاءات وتتقدم عجلة الحياة الى الامام بسرعة كبيرة".

يكمل الجراح نقلا عن السيد الشيرازي الراحل "وبذلك يتبين لنا ان من يستشير ومن يشير، فالمجموع بما هو مجموع يستشيرون ويستشارون وان كان كلا في مورده، فان اطلاق الاستشارة شامل لكل ذلك وان كانت الخصوصيات بيد العرف العاقل الملاحظ للزمان والمكان والشرائط، كما هو شان الكبريات الملقاة منهم (عليهم الصلاة والسلام) والصغريات التطبيقية لتلك الكبريات، ولذلك قالوا علينا الاصول وعليكم الفروع".

" اما في سائر الشؤون الشخصية منها، تستحب المشورة فيها وفي الشؤون الاجتماعية تجد مشورة الحاكم مجيئه للحكم ثمة بعد ذلك وتنفيذا لأمر دون امر، اما وجوب المشورة في مجيء الحاكم للحكم فانه نوع تسلط على الناس والناس لا يصح التسلط عليهم الا برضائهم، اما الصغرى فواضح واما الكبرى فلقاعدة السلطنة الناس مسلطون على اموالهم وانفسهم".

يختم الجراح "اما وجوب المشورة في امور الناس بعد مجيئه الى الحكم، لان للحاكم بقدر تخويل الناس له الصلاحية ففي غيره يحتاج الى اذنهم، والحاصل انه ما كان شان الناس يحتاج اليه ابتداء واستدامة، ان عدم تطبيق الشورى سيجعل الفاصل بين الحاكم والمحكوم شاسعة وكبيرة، فيأخذ كل طرف بقذف الطرف الاخر، وهنا يبدأ الصراع فيأخذ الحاكم الذي يسمي نفسه بالإسلامي بمهاجمة المسلمين ويقذفهم بمختلف انواع التهم، ابتداءا من كونهم ضد الثورة او ضد الحاكم او عملاء للاستعمار او الاجنبي وانتهاءا بانهم رجعيون وخرافيون وانهم كسالى وعاطلون الى غير ذلك من التهم والافتراءات.

ومن اجل اغناء الموضوع بالأفكار والآراء طرح على الحضور الكريم التساؤلين التاليين:

السؤال الاول: في حالة عجزنا عن تبيئة الديمقراطية في مجتمعاتنا كيف يمكن لنا ان نعيد احياء مفهوم الشورى وجعله واقعا عمليا؟

- اوضح الدكتور حسين احمد السرحان رئيس قسم الدراسات الدولية في مركز الدراسات الاستراتيجية جامعة كربلاء وباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية، "ان نجاح الديمقراطية يعتمد على توفير الاسس والعناصر اللازمة لهذه الالية، الديمقراطية بحد ذاتها او الشورى هي فلسفة لإدارة الدولة، وبالتالي واضعو هذه الفلسفات ينطلقون من افكارهم وأيديولوجياتهم الفكرية، ربما ترتبط الديمقراطية بالعالم الغربي، لكن المشكلة هي في كيفية ان نحكم على فشل الديمقراطية في مجتمعاتنا، خاصة ونحن لم نوفر كل الاسس اللازمة لإنجاح تلك التجربة".

يضيف السرحان "وبالتالي عندما نحكم على الديمقراطية بانها فشلت كفلسفة، كذلك قضية الشورى وامكانية تطبيقها في مجتمعاتنا المختلفة والمتنوعة لربما هي أيضا محط استفهام وهذا الاشكال نابع من ان هذه المكونات ليست على أيديولوجية دينية وفكرية واحدة، الجانب الاخر هذه المكونات ايضا نظرتها تختلف فيما يخص الحرية السياسية وحرية التعبير، فربما تكون حرية التعبير هي مشترك لكل البشر، لكن حرية الاعتقاد وموضوع التمسك بهذا الاعتقاد تختلف من ثقافة الى اخرى، لذا لابد من توفير العناصر اللازمة التي تستلزمها الديمقراطية كآلية وكإجراءات عملية بعد ذلك نتجه نحو مناقشة هل بالإمكان احلال الشورى محل الديمقراطية كفلسفة في ادارة الدولة ام لا".

- من جانبه حامد عبد الحسين خضير الباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية "تمنى على الورقة ان تتناول الشورى من حيث آلياتها وانتقالها الى الحكم السياسي وتطبيقاتها على الواقع خصوصا في العراق، والذي هو يشتمل على العديد من التكوينات الدينية والمذهبية وبالتالي لابد ان على الشورى ان تأخذ بنظر الاعتبار تلك الاشكالية لان هؤلاء المواطنين هم عراقيون ولهم حق بإدارة الدولة والمشاركة في ادارة موارد البلد بشكل عام".

- الدكتور قحطان حسين الباحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية "يرى ان موضوع المقارنة ما بين الشورى كمصطلح فقهي بالأساس ثمة اخذ جانب سياسي قانوني بعدها وما بين الديمقراطية كمصطلح لإدارة الحكم والدولة، فالمعروف ان مبدأ الشورى هذا مرتبط بالفلسفة الاسلامية كمصطلح لتداول السلطة او لإدارة الدولة، اما مصطلح الديمقراطية وكما هو معروف هو اصلا نشأ في المدارس الفكرية الغربية بشكل عام".

يضيف حسين "وهنا ممكن ان نبين بعض الاختلافات بين المصطلحين فكلاهما وسيلة لمنع استبداد الحاكم، لكن الاختلافات الواردة اولا ان الشورى هو قرار من يأخذ رأيه في شورى معينة وهو عادة غير ملزم على عكس الرأي النافذ في النظام الديمقراطي وهو يكون ملزم، ثانيا مبدأ الشورى يقتصر على رأي الاقلية من اهل الشورى، بينما الديمقراطية هي رأي الاغلبية، الى جانب ذلك ان الشورى هي مبدأ اسلامي وهنا اين نشخص مبدأ النجاح من عدمه سواء في الديمقراطية ام في مبدأ الشورى، فان الذي يحدد فرص النجاح هو درجة وعي المجتمع".

يكمل حسين "تاريخيا مبدأ الشورى عمل فيه بالدولة الاسلامية لكن بشكل محدود، ولكن استطاع الحكام ان يوظفوا عددا من المشيرين ومن المقربين ومن المتلونين ولا يعطون النصيحة المخلصة بل يعطون رأيا يتناسب مع مزاج الحاكم وبالتالي التاريخ الاسلامي لم يشهد ممارسة حقيقية وفعلية للشورى لان الحاكم يسخّر هؤلاء بهدف الترويج لآرائه وللبقاء اكبر فترة ممكنة في السلطة".

- اما الدكتور علاء الحسيني التدريسي وأستاذ القانون الإداري في جامعة كربلاء- كلية القانون والباحث في مركز ادم "يجد ان هناك تقاربا شديدا بين النظامين، نظام الشورى في الاسلام ونظام الديمقراطية في الانظمة السياسية، لانهما ينطلقان من منطلق واحد وهو اشراك عامة الناس في تقرير شكل الحكم او ممارسة الحكم في نظام الدولة، الا انهما نشئا في بيئتين متباينتين بيئة اسلامية وقرآنية وبيئة أخرى ترجع في جذورها الى الاغريق والى اليونان، لكن اذا نظرنا الى مضمون كلا الامرين نجد ان هناك مقاربة الى حد كبير، فالديمقراطية تعني حكم الشعب وممارسة السلطة من خلال افراد الشعب وتعني ان شرعية السلطة لا تأتي الا اذا اضفى عليها الشعب هذه القدسية، الشورى ايضا تعني ان الحاكم الاسلامي حينما يريد ان يمارس السلطة ينبغي ان يرجع الى اهل الحل والعقد والى المسلمين والى عامة الناس ويستقرأ آرائهم ومن ثمة يخرج برأي فيه نوع من الشرعية على اعتبار انه لم يتفرد بالقرار او باتخاذ القرار هذا جانب".

يضيف الحسيني "من الجانب الاخر ان الديمقراطية من اهم صورها هي الديمقراطية المباشرة حينما الشعب يمارس السلطة بنفسه وهذه اصبحت صعبة مستصعبة، النوع الثاني من الديمقراطية هي شبة المباشرة فحينما يوجد الحاكم لكن الشعب له حق الاقتراع، حق الانتخاب اليوم هذا النوع من النظام هو اقرب الى الشورى من حيث التطبيقات، اما نظام الديمقراطية النيابية فهو يبتعد عن نظام الشورى لأنه سيكون الشورى في نظام الديمقراطية البرلمانية النيابية والمطبق عندنا في العراق بموجب الدستور العراقي في المادة (واحد) لسنة (2005) تتباعد الديمقراطية النيابية عن الشورى، لان الشورى هنا تحولت في العراق ومنذ نشأة الدولة العراقية والدستور العراقي الاول في العام (1925) الى مبدأ او الى نظام إداري معاون مساعد للحاكم لممارسة سلطته، ولكن في الغالب كان رأيه استشاريا وليس ملزما".

يكمل الحسيني "لذا ابتعدنا عن الفهم الاسلامي لمبدأ الشورى وانتقلنا الى فهم اداري قانوني صرف فمثلا في العام (1929) فكر الملك فيصل في ان يوجد الى جنبه مجالس تعطيه المشورة وهو ديوان التدوين القانوني، وهو يقوم بأمرين الاول بتدقيق جميع مشاريع القوانين وقبل ان تقر في مجلس الامة العراقي والعمل الاخر هو تقديم الرأي، في عام (1979) تبدل اسمه الى مجلس شورى الدولة العراقي المقر بقانون(65) لسنة(79) والنافذ الى اليوم، والذي عدل خمس تعديلات اخرها في العام (2013) بموجب القانون رقم (17)، الان مجلس الشورى العراقي يتكون من اربعة هيئات وهي هيئة متخصصة وهيئة عامة وهيئة رئاسة والى جانبها المحاكم الادارية".

يضيف ايضا "إن عمل الهيئة الخاصة يتعلق بكل القوانين المرسلة من الوزارات، يجب ان تذهب الى مجلس شورى الدولة كي يدققها ويرسلها لكن المشكلة عندنا في العراق ان حق اقتراح القوانين ليس من حق الحكومة بل من رئيس الجمهورية وبالتالي هو مخول ان يرسلها ام لا خصوصا وان القانون (65) لا يجبره على فعل ذلك، اضف الى ذلك مقترحات القوانين وسماح المحكمة الاتحادية بتمريرها من دون المرور بالحكومة فأصبحت القوانين لا تمر بمجلس شورى الدولة، فهنا افتقدنا لحلقة الشورى في العراق وهناك حلقة اخرى الان موجودة وهي المستشارين وهذه اصبحت بعيدة عن الفهم الاسلامي، وهي مجرد تقديم رأيهم مع العلم انها في الغالب انحرفت عن مسارها الصحيح ويبررون للحاكم كل تصرفاته، وبالتالي اذا ما التزمنا بمبدأ الديمقراطية شبة المباشرة فانه يتلاءم مع مبدا الشورى في الاسلام".

- الباحث حمد جاسم التدريسي في جامعة كربلاء "يعتقد من المستحيل تطبيق الشورى في عصرنا هذا لأسباب عديدة منها، اولا اختلاف النظرة حول الشورى هل هي واجبة ام لا، من جهة ثانية ان شكل الدولة هو ايضا يختلف ففي الاسلام لا توجد ملكية او امارة او سلطنة وهي موجودة الان، كذلك بعضهم يجد اختلافا بين الديمقراطية التي يعتبر انها لا ترتبط بالدين وليس لها اي اساس وهي تقر بالشورى، بينما حكم الشورى فتقره الشريعة الاسلامية".

يضيف جاسم "وبالتالي هل المجتمعات الاسلامية الان مستعدة كحكام او شعوب الى تقبل الشريعة في الحكم، كذلك طاعة الحاكم بحكم الشورى يجب على الحاكم ان يعمل بالشريعة الاسلامية حتى يتم اطاعته فلا اطاعة لحاكم بمعصية الله، ايضا الحريات والحقوق تختلف بين الشورى والديمقراطية فالديمقراطية تؤمن بحرية الفرد المطلقة ان يعمل اي شيء بينما في الشورى تختلف في تطبيق حدود الشريعة، كذلك في الحريات وحقوق الانسان فلا يمكن التنازل عنها في حكم الشورى بينما في الحقوق الديمقراطية يمكن للإنسان ان يتنازل عن حقوقه".

- احمد جويد مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات "يعتقد وبغض النظر عن تعدد المسميات فان الشورى هي نوع من انواع الديمقراطية العالية جدا، خصوصا وان الديمقراطية بالمفهوم العام تبيح للإنسان ان يفعل ما يشاء ففي الاسلام كل شيء مباح الا ما تم تقييده بقيود، ولكن الفرق بين الديمقراطية والشورى هو في مجال التشريع فالديمقراطية يمكن من خلالها الوصول الى تشريعات جديدة".

يضيف جويد "اما بالنسبة للشورى فالتشريعات موجودة لكن القرارات يتم اخذها بالشورى، وهناك ثمة قول للأمام علي(ع) يصب بهذا الاتجاه (من شاور الناس شاركهم في عقولهم)، فنظام الشورى ان استطعنا ان نمزج بينه وبين الديمقراطية سنخلق نظاما تكامليا جيدا ولا يتقاطع مع قضية الآليات والمذاهب الاخرى، وبالتالي يمكن الاعتماد على مبدأ الشورى حتى نسير بمسار جيد لإدارة الدولة".

- الشيخ مرتضى معاش رئيس مجلس إدارة مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام " يرى أن الأصل في الاسلام هو حرية الانسان والاباحة لذلك فأن التكليف الشرعي لايتم الا من خلال وجود حرية الانسان وارادته، فالمكره والمضطر والمجنون ومن لا إرادة له يسقط عنه التكليف، ولطالما اكد القران الكريم على ان (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)(وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ) (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ)(انا هديناه النجدين اما شاكرا واما كفورا)(لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)، فالأصل هو الحرية واي شيء يأتي لقمع حرية الانسان فهو خلاف القاعدة".

يضيف معاش "الاصل في الاسلام هو حرمة الاستبداد وان نقيضها هو الشورى، حيث ان الشورى تعمل على خلق التوافق الاجتماعي والسياسي وبناء عقد اجتماعي، وهذا المفهوم طرحه الاسلام قبل ما يطرحه الآخرون (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)، فالشورى هي عقد واتفاق بين الحاكم والمحكومين، وهي ملزمة وليست كما يقول البعض انها لأهل الحل والعقد (النخبة)، فإن هذا محاولة لتبرير وشرعنة استبداد الحاكم، كما في بعض الدول الاسلامية التي عندها بعض مجالس الشورى الشكلية، لان الشورى الحقيقية هي التي تجلب رضا الناس، وفق قاعدة (الناس مسلطون على اموالهم وانفسهم)، فلا يحق لك ان تمنع انسان من العمل ومن السفر وان يعبر عن رأيه وان يختار اسمه وبيته، ولا يحق لك التحكم بأموال الناس وتصادرها، فلابد من عقد وتوافق بين الحاكم والمحكوم وهو بالرضا، فأي شيء يخالف رضا الناس يؤشر الى سلب الشرعية من الحاكم لأنه تصرف بأموالهم وانفسهم وحرياتهم وحقوقهم بدون استشارة، لذلك فإن الشورى تعبير عن هذا المفهوم وهي ملزمة بتحقيق العدالة وعدم ظلم الانسان لأخيه الانسان وحتى الطفل له ذلك الحق والرأي ما دامت له حياة.

وينتقد معاش رأي البعض الذي يرى ان "الديمقراطية التي أسس لها الغرب تعتبر ملزمة وهي جيدة، وتعتبر الشورى التي دعا اليها رب العزة والجلالة بانها غير ملزمة وهي مجرد مبدأ أخلاقي".

 واكد معاش مرة أخرى "ان قضية اهل الحل العقد اريد ان لها تكون مسوغ ومبرر لظلم الحاكم الظالم والمستبد وهي نظرية افلاطونية وليس لها علاقة بالشريعة". كما ان الشورى سامية واعلى سموا من الديمقراطية، فالديمقراطية يسهل التلاعب فيها وهي خاضعة لمبادئ هلامية، بينما الشورى قائمة على مبادئ اخلاقية".

- جواد العطار برلماني سابق "يرى ان الاصل في الموضوع هو المشاركة الديمقراطية، تذهب الى ان المشاركة انتمائية في صنع القرار السياسي من خلال الانتخابات، الشورى مبدأ لا يختلف عن الديمقراطية والاصل ان الحاكم لا يستبد برأيه وانما يشارك الآخرين، وهنا الامر يعود الى مساحة المشاركة في الديمقراطية يتم عن طريق الشخص المؤهل، وهذا دليل على انها لا تختلف في هذا المجال عن الديمقراطية وعلى العموم ان المفاهيم لا تختلف لكن التعبير اختلف في أصل التسمية".

السؤال الثاني : هل يمكن للشورى ان تكون بديلا عن الديمقراطية في مجتمعاتنا اعتمادا على قيمه وعقائده؟

الدكتور حسين السرحان "يعتقد ان الاساس في تقبل الفلسفتين هو المنظومة القيمية للمجتمع ككل، بسبب ان المجتمع العراقي يشتمل على مجموعة من المكونات فربما هناك منظومات قيمية فرعية ذات خلفيات فكرية او دينية ربما لا تكون متوافقة في تقبل مفهوم اسلامي حتى وان كان في اطر حديثة، هذه المنظومات التي تتمسك بقيم هذه المكونات وبعيدا عن المنظومة القيمية الوطنية لن تكون ارضا خصبة لتقبل فلسفة الشورى لإدارة الدولة".

- الدكتور قحطان حسين "يؤكد ان الديمقراطية والشورى لا يتقاطعان بالمطلق ولا يلتقيان بالمطلق، هناك نقاط اختلاف ونقاط تلاقي بينهما، والدليل ان حتى النظم الديمقراطية هناك بعض الممارسات توحي بمبدأ الشورى، خاصة وان احد انواع الديمقراطية وهي الديمقراطية غير المباشرة يصار الى انتخاب مجموعة من قلة من الناخبين يخولونهم في اتخاذ قرارات بالنيابة عنهم، وهذا قريب من ممارسة الشورى في بعض جوانبه، اما هل يصار الى استبدال نظام الديمقراطية بمبدأ الشورى، فهذا ممكن من خلال ما توثقه التجارب السابقة وهي تؤكد على وجود مجالس استشارية تعمل بنفس آلية مبدأ الشورى ويتم انتخابهم بطريق ديمقراطية، وبالتالي ليس مستحيلا الدمج بين الاسلوبين، لنأخذ المشتركات ومن ثم نأتي بنموذج جديد يجمع بين مزايا النظامين".

- الدكتور علاء الحسيني "يستبعد ان تكون الشورى بديلا عن الديمقراطية بل يمكن التكامل بينهما، فنحن لم نصل الى التطبيق الديمقراطي الصحيح وهناك انحراف خطير في مبادئ الديمقراطية في العراق، والدستور يغرد في وادي والتطبيقات في وادي آخر، لذا لا شك نريد فهم مقارب يمزج بين حسنات كلا الامرين".

يكمل الحسيني "خصوصا وان الشورى موجودة لدينا على شكل مجالس وفي الغالب هي من النخب والمقربين من الاحزاب، اليوم نستفيد من نص في الدستور العراقي وكون البرلمان يتشكل من مجلسين، فما المانع في المجلس الاتحادي الاعلى ان نطبق فيه وسائل وسبل الشورى ونجعل منه مجلس من الحكماء ومن ممثلي المحافظات الذي ينطلقون من منطلقات الحكمة حتى يستطيعون ان يعطوا رأيا للحكومة والى البرلمان الذي يفترض به انه يقوم على مبدأ الديمقراطية حتى نستطيع ان نصل الى الحقيقة التي ارادها الله ولا يتركز الحكم بيد شخص واحد وان يكون الامر شورى بين الناس".

- الباحث حمد جاسم " يدعو اولا الى تطبيق الديمقراطية ومن ثم التحول نحو تطبيق الشورى في البلدان الاسلامية والعربية، أضف الى ذلك وحسب عقائد البلاد الاسلامية فالكل يريد تطبيق الشورى لكن الاختلاف هو انهم غير متفقين على شكل وتطبيق الشورى فيما بينهم".

- جواد العطار "يؤكد ان الشورى والديمقراطية الهدف منهما هو ايجاد مشاركة واسعة للجمهور، فعلى اساس النظرية الاسلامية ليس هناك وضوح في حدود ولا طبيعة ولا محددات الشورى، الواضح فقط اخلاقيات (ما خاب من استخار وما حار من استشار) (وشاورهم في الامر)، لكن عندما تأتي الى التطبيق تجد مشاكل كثيرة، الديمقراطية ايضا نفس المعنى وهي من الناحية التطبيقية تحمل اشكاليات كثيرة، لكن كأصل ان الشورى اذا أمنت رأي طائفة واسعة من الجمهور فهي الديمقراطية بعينها، والديمقراطية اذا أمنت مشاركة حقيقية فهي شورى، وبالتالي لا المفاهيم واضحة في الشورى والديمقراطية ولا التطبيقات تطبيقات مثالية حتى نستطيع الاستناد عليها، كل ما في الامر ان الشورى والديمقراطية وجهان لعملة واحدة اذا أمنت المشاركة الواسعة فهذا هو المطلوب".

- احمد جويد "يجد ان الاختلاف على المسميات اكثر من الجوهر فبغض النظر عن الاسم فلنحتكم الى السلوك الذي ترعاه ادارة الدولة في مشاركة الاخرين بتقاسم المسؤولية، فاليوم الدولة عندما تريد ان تخوض حربا يجب ان لا يتخذ الحاكم قرار الحرب بمفرده، فهنا تدخل المشورة من اجل ان تدرس القضية بأبعادها واثارها على المجتمع، وحينما عندما تريد دولة ان تبرم اتفاقية معينة مع دولة اخرى فلا يجب ان يتخذ قرارها شخص من الخارجية، وان تخضع الى مشورة خبراء في القانون او الاقتصاد وهكذا يمكن ان نستفيد من اصحاب الخبرات العلمية والاكاديمية، فاذا اردنا ان نشرك الجميع بالمسؤولية لابد ان نستأنس بآراء اهل الاختصاص".

- الشيخ مرتضى معاش "يرى ان الديمقراطية هي اقرب ما تكون الى الآليات بينما الشورى هي مبدأ أساسي، الى جانب ذلك فإن بعض ما نفهمه عن الشورى وعن الديمقراطية يأتي من خلال الخلفيات المسبقة الموجودة في اذهاننا عن هذا المفهوم، ففي الاسلام لا يوجد شيء منفصل عن شيء ثاني فلا يمكن ان نقول الحاكم الظالم شرعي، وبالتالي عندما نتكلم عن الشورى هي مبدأ من ضمن مبادئ ثانية تحوم حولها، من مثل الرحمة والعدل والاحسان والحرية وكل هذه هي في اطار عمق الاسلام، الشورى هي جوهر وليست مظهر او شكل، وهي تطبيق للرحمة وحماية لحرية الانسان، فالشورى مبدأ تحتاج الى آليات وتنظيم".

اضف تعليق