q
إنسانيات - مجتمع

خراب العش الجميل

شاب حيوي يجبر رقاب الفتيات أن تستدير له، جميل متميز شبَّ عوده بسرعة، وأكثر الفرحين بهذا النمو والتميز، أبوه الذي بذل الغالي والنفيس كي يربي ابنه بلا عوز، لذلك ما أن يتحرك لسان الابن بطلب شيء ما، حتى يجده بين يديه، مهما كان ثمنه غاليا، أما الأم فيمكن أن نقول أنها تختلف عن كل الأمهات في حبها لابنها وتعلقها به، فهي تتصرف مع ولدها الشاب الذي بلغ أشدّه، كأنه طفل لا يزال يحتاج الى الحماية والرعاية المبالَغ بها.

فإن أراد شيئا ما سوف تحسب له الأم ألف حساب، وتعارض أو تؤجل أو تضع شروطا ما، في حين أن الأب لا يمانع في الغالب ويسعى لتحقيق طلبات ابنه، ليس من باب الدلال، ولكن لا يريد لابنه أن يشعر بضيق الحال، ولا يريد لأحد الشباب خصوصا زملاؤه من طلاب الصف أن يكونوا أفضل منه ماديا، لذلك يعمل الأب المستحيل لتوفير كل ما يريده ابنه.

في أحد الأيام أخبر الشاب سليم أباه بأنه يريد أن يتكلم معه في شأن مهم، فجلس مع أبيه في مكان خارج البيت، أي بعيدا عن الأم، وبدأ الابن موضوعه بشيء من التردد والخجل، لكن الأب صنع الأجواء الاعتيادية اللازمة، فبدأ سليم بالكلام وأخبر أباه بأنه يريد أن يقترن بفتاة معه في الجامعة في المرحلة الأولى، خصوصا أنه بات على أبواب التخرّج، شعر الأب بفرحة غامضة، ها أنَّ ابنه أصبح رجلا وسوف تكون له حياته الخاصة، لكن الأب فكر بالعقبة الكبيرة التي ستواجه هذا المشروع، إنها أمه التي تريد أن تصنع أبسط الأمور بمزاجها وتفرض رأيها حسب ما ترغب هي من دون مراعاة لآراء الآخرين، هكذا هي متزمتة ومتمسكة بما تريد.

وعد الأب ابنه خيرا، لكنه طلب من سليم أن يدقق في أمور تخص البنت التي سيتزوجها، خصوصا أخلاقها، طبيعتها، ثقافتها، مزاجها، أسرتها، وفي اليوم التالي فاتح زوجته بالأمر، فتغير وجهها فجأة وانقبض قلبها، واصفرّ لونها وارتعش جسدها خوفا وقلقا، ورفضت الأمر جملة وتفصيلا، وقالت أن ابنها لا يزال صغيرا على الزواج، كما أن البنت التي سيتزوج منها (أنا أختارها له ولا أسمح لأي إنسان آخر بالعالم يختار زوجة ابني غيري).

كان الأب حلقة الوصل بين الجميع في هذا الموضوع، فقد تحدث الى الأم والابن وسعى للتقريب بينهما، والتقى بالفتاة وتكلم معها حول الزواج والحياة بشكل عام، واكتشف أن ثقافتها محدودة على الرغم من كونها طالبة جامعية، فاستغرب ذلك بينه وبين نفسه، ومع ذلك هناك مشكلة معينة في شخصيتها، إنها تبدو متعالية ومغرورة بعض الشيء، لكن الأب لم يخبر ابنه بذلك خشية أن يصدمه، بعد أيام أوصل لابنه رأيه هذا بأسلوبه الخاص، فأكد الابن أن الفتاة التي اختارها من أكثر بنات الجامعة تواضعا، وأصرّ على رأيه هذا، كأنه اكتسب هذه الخصلة وراثيا من أمه.

بعد شهر من المناقشات و (الترضيات) والهدايا، تمكن الأب من إقناع الأم بالفتاة، وفرح سليم لهذا الخبر أشد الفرح، لكن الأم أعلنت عن انطباع مشابه للأب عن الفتاة، فقالت عنها أنها تبدو مغرورة، ومع ذلك في غضون أسابيع تمت إجراءات الزواج، وأقيمت لسليم وفتاته مراسيم زواج متميزة شارك فيها جميع الأقارب والأصدقاء، وعاش الزوجان الشابان شهر عسل من أجمل ما يمكن، ثم عادت الحياة الى طبيعتها، لتبدأ المعادن الحقيقية بالظهور، وما هي إلا شهور قليلة حتى وصل الغرور للزوجة الجديدة الى أعلى درجاته، فتحوّل ذلك البيت الهادئ المستقر الى بؤرة للمشاكل بين الزوجة الجديدة (زوجة سليم) والزوجة القديمة صاحبة الدار (أم سليم)، وتحولت الزوجتان الى حرب معلنة، كأنها ضرتان وليس زوجة ابن وأم!!.

صار البيت بمثابة جحيم كما كان يقول الأب، على الرغم من أنه لم يعلن هذا الموقف بل بقي محتفظا به لنفسه، فيما أخذت المشاكل تكثر وتصعب على الرغم من أنها بسيطة في حقيقتها، لكن الزوجة الشابة جمعت أغراضها وغادرت الى بيت أهلها، واشترطت على زوجها بيتا مستقلا كي تعود للعيش معه، والمشكلة أن جنينا نبت في رحمها، فحملته في بطنها الى أهلها، وبقيت عائلة الشاب سليم في حيرة من أمرهم.

الأم طلبت من ابنها أن لا يتركها ولا يترك أباه الذي رعاه وربّاه وتعب من أجله عمرا كاملا، لكن سليم بقي في حيرة من أمره، إنه في حقيقة الأمر يحب زوجته حبا لا حدود له، وهو متعلق بها عاطفيا بشدة، بحيث من المستحيل يقدم على الانفصال، والمشكلة الأكبر الجنين الذي بدأ ينمو في رحمها، قاوم سليم أسابيع، ليترك بيت أهله، ويعيش مع زوجته، لكن هناك مشكلة أخرى أنه لا يمتلك راتبا، وهو يحتاج الى مبلغ إيجار الشقة التي استأجرها ومصاريف العيش، وعندما حاول سليم من زوجته أن تقنع أباها كي يساعدهما في مبلغ يعينهم، رفضت ذلك بشكل قاطع، فتوجه الى أبيه الذي أعطاه كل ما طلبه من أموال وقال له، ولدي لا تحمل همّ المصاريف أنا سدّاد لك ولزوجتك ولطفلكما القادم، كانت أم سليم تستمع لكلمات زوجها وتبكي بصمت، لقد ضاع منها ولدها بسبب خطأ ارتكبته هي لا غيرها، هكذا كانت تقول لنفسها، كان عليها ان تتمسك برأيها وترفض زواج ابنها من هذه البنت التي اتضح أنها مغرورة بالفعل ومتمسكة بموقفها حتى لو بلغ الأمر الطلاق.

عاش سليم مع زوجته في الشقة الجديدة، وبدأ يبحث عن عمل، أي عمل كان، لأنه من المحال يبقى يعيش على والده الى الأبد، لاحظ سليم تغيرات كثيرة في تصرفات زوجته، باتت تخرج كثيرا من البيت، لا تقوم بواجباته كما يجب، تبقى في بيت أهلها كما ترغب، لا تخبره بمكان تواجدها، ولا تأخذه معها الى الطبيب عندما تراجع على فحوص الحمل، تدخل وتخرج من دون أن تخبره بشيء وعندما يسألها، لا تجيب، فقط تنظر له بتعالي وغرور وتترك البيت الى أهلها كما كان يظن، لكنها لم تكن تذهب الى بيت أهلها، كانت تقضي كل وقتها مع صديقة قديمة لها متزوجة أيضا وتعيش في الحي السكني نفسه، صديقتها تعيش على الطراز (الحديث)، ولا تحترم حقوق زوجها ولا تعني لها القيم الزوجية أي شيء، كما أنها مبهورة بتسريحات الشعر الجديدة والاكسسوارات المستوردة، وهي زبونة دائمة لمختلف صالونات التجميل وحتى قاعات الرشاقة.

في احد الأيام، لم تعدْ زوجة سليم الى الشقة، ذهب الى بيت أهلها، فاجأه صراخ شديد، لقد سقط الطفل، أجهضت زوجته، فقد ابنه، لكنه لا يعرف السبب، ولا يريد أن يعرف السبب أصلا، خصوصا أن أم زوجته منعته من رؤيتها، أما أبوها فقد تعامل مع سليم بجفاء وتعالٍ واضح، شعر سليم أنه أخطأ بهذا الزواج، وانه تسرع في زواجه، ولم يدرس ويفهم شخصية البنت كما يجب، لقد كسر قلب أمه من أجل زوجته وطفله، لكن زوجته أوغلت بالخطيئة، ورافقت صديقة السوء حتى أسقطت جنينها.

عاد الى بيت أبيه وأمه، وها هو يفكر في الطريق بالانفصال بشكل قاطع، لقد عزم على هذا الموقف الشديد، واعتبره حالة تصحيح لخطأ ما كان يحدث لو انه انتبه لرأي أبيه في البداية عندما أخبره بأن شخصية الفتاة فيها مشكلة إنها متعالية ولا تليق به، لكن الحب أو العاطفة المتسرعة أطاحت به، وسرقت قلبه، والأخطاء من هذا النوع يكون ثمنها غاليا، كان عليه أن يتأكد جيدا من أن شريكة الحياة تستحق أن يقضي معها سنوات عمره الباقية، فجأة وجد نفسه عند باب بيتهم، ووجه أمه قد شعَّ بفرحة غامرة، فتحت ذراعيها لابنها وضمته الى صدرها وهي تبكي وتردد (لقد عاد سليم الى بيته).

اضف تعليق