q
بوريغ بيلتون-صحفي

 

يمكنك قراءة العشرات من الكتب كل عام فقط خلال الأوقات التي تقضيها في وسائل المواصلات بين العمل والمنزل كل يوم. ويتساءل الصحفي بوريغ بيلتون: هل هناك وسيلة نقل مثالية تناسب طول الفترة التي تستغرقها في طريقك إلى العمل؟

في العقود القليلة الأخيرة، ازداد الوقت الذي يستغرقه الناس في تنقلاتهم اليومية بشكل كبير في أغلب المدن الكبرى. ومع ارتفاع أسعار العقارات في مراكز المدن بشكل كبير، يستقر العديد من العاملين في ضواحي المدن نظرا لانخفاض أسعار النفقات فيها.

لذا، فمن يبحث عن مساكن أقل ثمنا، يقضي فترات أطول في وسائل المواصلات.

وعلى سبيل المثال، وبحسب دراسة أجريت في عام 2015، فإن عدد البريطانيين الذين يقضون ساعتين يوميا في وسائل المواصلات ما بين البيت والعمل، زاد بنسبة 72 في المئة خلال عشر سنوات.

وفي الحقيقة، توصلت أحدث الدراسات المتوفرة لدينا إلى أن الشخص المقيم في لندن يقضي في المتوسط ست ساعات و10 دقائق أسبوعيا، في التنقل بالمواصلات بين البيت والعمل، بينما يقضي سكان مدينة نيويورك الأمريكية أكثر من ذلك بقليل، بمتوسط ست ساعات و18 دقيقة.

في نفس الوقت، يقرأ أبناء جيل الألفية أكثر من نظرائهم الأكبر منهم سنا. وبحسب دراسة أجراها مركز بيو للأبحاث، فإن 72 في المئة من القُرّاء في الولايات المتحدة الأمريكية، الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 29 عاما، قد قرأوا كتابا بأكمله في العام السابق، أكثر مما قرأت أي فئة عمرية أخرى.

في ذات الوقت، نجد أن ثلث مشتري الكتب ممن هم أقل من 44 عاما يريدون قضاء أوقات أقل في استخدام الأجهزة الرقمية، وذلك وفقا لمجموعة "كوديكس" للأبحاث. وقد زادت مبيعات الكتب المطبوعة في كل سنة من السنوات الثلاث الماضية، بعد أن مرت تلك المبيعات بفترة ركود قبل ذلك.

ويعلم الناشرون تماما ذلك التطور الملحوظ، خاصة وهم يسعون بنشاط لمعرفة أخبار "قُرّاء المواصلات". وقد بدأت دار بنغوين للنشر في إصدار كتب ذات حجم صغير "صممت ليسهل حملها ووضعها في الجيب والتحرك بها"، حسب قول فيليبا كاوبورن، المتحدثة باسم دار بنغوين للنشر.

وفي توجّه مماثل، أطلقت دار نشر جامعة أكسفورد مجموعة من الكتب تضم 35 ألف كلمة مفتاحية، نُسّقت داخل الفقرات بشكل مميز بهدف تسهيل وصول القاريء إلى الفقرة التي توقف عندها إذا قطع تركيزه.

إذا أخذنا في الاعتبار أن البالغين يقرأون في المتوسط حوالي 300 كلمة في الدقيقة، فإنك ستتمكن من قراءة ما يقرب من 108 ألف كلمة خلال ست ساعات تقضيها في التنقل بالمواصلات العامة أسبوعيا، وسيظل لديك متسع من الوقت للتحقق من حسابك على موقع تويتر، وتحديثه أيضا. ويكفي ذلك الوقت لقراءة رواية بحجم رواية "مرتفعات ويذرنغ"، أو "رحلات غوليفر" أو "هاري بوتر وسجين أزكابان".

طبعا كل ذلك على افتراض أنك ستستقل إحدى وسائل النقل العامة، ويكون لديك مجالٌ كافٍ لتصفح كتاب. أما من يجلس خلف مقود سيارته فلن يكون لديه خيار من هذا القبيل، ما لم ينصت للكتب المنطوقة طبعا.

حتى إنه يمكن الاستفادة بنجاح من التنقلات القصيرة لقراءة المزيد. لذا، وجّهت "بي بي سي كابيتال" السؤال التالي: ما هي أفضل الطرق والمواضيع الصالحة للقراءة لكل مسافة معينة تقضيها في التنقل؟

في 15 دقيقة أو أقل

القصائد الشعرية ملائمة تماما للمسافات القصيرة، حسبما يقول البروفيسور ويبو براور، عالِم النفس العصبي بجامعة خرونينغن بهولندا. ويقول إن التنقل لمسافات قصيرة يناسب "نصوصا ذات أحجام أقصر، مثل المواد الخبرية، أو القصائد الشعرية القصيرة".

ويضيف: "بعد قراءة نصوص قصيرة كهذه، سيكون لديك وقت إما لقراءة نصّ قصير جديد، أو الاستعداد للانتقال من مكان إلى آخر، أو للبدء في محادثة ما".

الموضوع الآخر المفيد هو القصص القصيرة جدا؛ أي الأعمال الفنية التي تتألف من ألف كلمة أو أقل. ويمكن لهذه القصص أن تلائم رحلات تستغرق محطة أو اثنتين، حسب قول آدم ترود، الكاتب الأيرلندي ومؤلف القصص القصيرة جدا.

ومن المفيد أن تبدأ بقراءة سلسلة "النوم لونٌ جميل"، وهي مختارات أدبية قصيرة انطلقت في يونيو/حزيران من العام الماضي احتفاء بـ "يوم القصص القصيرة جدا".

إن قضاء 15 دقيقة في وسيلة مواصلات ذهابا ومثلها إيابا، يمكنك من قراءة مليونين و160 ألف كلمة كل عام، أو ما يعادل قراءة 20 نسخة من رواية "رحلات غوليفر". وذلك بافتراض أنك ستقرأ لمدة 30 دقيقة يوميا، ولمدة خمسة أيام في الأسبوع، و48 أسبوعا في العام، بمعدل 300 كلمة في الدقيقة.

ولقراءة مواد أخرى في عدة دقائق مثلا، يطبع الناشرون مطبوعات موجزة تحوي مقتبسات من أعمال أدبية طويلة، مثل سلسلة "أفكار بنغوين العظيمة" أو وجهات نظر قصيرة حول بعض المواضيع، على نحو "المعارف الأساسية" الذي يطبعه معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا و سلسلة "مواضيع للدراسة" الذي تطبعه دار بلومزبري.

في 30 دقيقة أو أقل

مختارات القصص القصيرة ملائمة تماما لرحلات تستغرق نصف ساعة. ويقترح جوزيف كندي، نائب رئيس مكتبة "دار نشر جامعة أكسفورد"، قراءة مؤلفات سلسلة "عظماء في مجالهم الأدبي" من أمثال أنطون تشيخوف، وكاثرين مانسفيلد، وسلسلة "العظماء الجدد"، مثل لوري موور.

وتقول الناشرة مايكا زيرفوغل، التي تدير دار نشر بيرين في لندن: "شخصيا، أفضّل القصص المتداخلة". وهي توصي بقراءة رواية "بريتش" (انتهاك) للمؤلفتين أولوميد بوبوولا، وآني هولمز، و"خادمة المتسول"، للمؤلفة أليس مونرو، و"ما الذي يكوِّن الرجل" لكاتبه دايفيد سولّي.

كما يلائم هذا الشكل من القراءة "حكايات كانتربري"، و"ديكاميرون"، و"ألف ليلة وليلة"، التي وضعت جميعها ضمن قصة إطارية، تضم مجموعة حكايات تعود إلى أواخر القرون الوسطى، والمقصود أن يستمتع القاريء بقراءتها في جلسات متقطعة.

كما أن سلسلة كتب "مقدمات قصيرة جدا" التي تطبعها دار نشر جامعة أكسفورد "قد تكون مثالية، أثناء التنقل بين محطتي قطارات أنفاق 'إيلينغ' و'تشانسري لَين'" (في لندن)، أو بين بروكلين و ميدتاون مانهاتن (في نيويورك) أو غيرهما من الرحلات التي تستغرق نصف ساعة، حسب قول الناشرة لوسيانا أوفلاهيرتي.

وتوصي أوفلاهيرتي بقراءة المؤلفات غير الخيالية في الصباح، والخيالية في المساء. وبالنسبة للقادمين إلى لندن، فإنها تقترح البدء بالكلاسيكيات طوال الرحلة. وتقول: "اقرأ ما يتعلق بغزو المريخيين لمقاطعة سَري أثناء توجّهك نحو لندن من ريشتموند. أو اقرأ 'العلامة على الجدار' للكاتبة فيرجينيا وولف".

فإذا قرأت لمدة 30 دقيقة في الذهاب ومثلها في الإياب، فإنك بذلك ستتمكن من قراءة أربعة ملايين و320 ألف كلمة في السنة، وهو ما يعادل قراءة 40 نسخة من رواية "رحلات غوليفر". وذلك بافتراض أنك ستقرأ لمدة 60 دقيقة يوميا، على مدار خمسة أيام في الأسبوع، و48 أسبوعا في العام، وبمعدل 300 كلمة في الدقيقة.

في 45 دقيقة أو أقل

في رحلات تستغرق هذه المدة إلى العمل ومنه، تصبح الروايات المتسلسلة فعالة. إن كتبا من أمثال "مذكرات بيكويك" لتشارلز ديكنز، والتي كانت أول ظاهرة حقيقية في عالم النشر، وظهرت في حلقات (19 حلقة)، لذا فإن قراءتها واحدة تلو أخرى يعيدك إلى أصلها.

أما رواية "الحجر القمري" للكاتب ويلكي كولينز، وهي أول رواية بوليسية بطول كامل، فكانت قد نُشرت في شكل حلقات من قبل تشارلز ديكنز في مجلة "على مدار العام" التي كان ديكنز يحررها.

وظهرت رواية "الفرسان الثلاثة" في البداية في إحدى الصحف في شكل حلقات متسلسلة أيضا. وكذلك الحال بالنسبة لروايتي "صورة سيدة" و"السفراء" للكاتب هنري جيمس، وأيضا رواية "كوخ العم توم" للكاتبة هيريت بيتشر ستو.

أما الروايات الرسائلية، والتي تُحكى عبر رسائل ومفكرات يومية، فإنها تناسب أيضا الرحلات التي تستغرق 45 دقيقة بين البيت والعمل: مثل رواية دراكولا، ورواية كلاريسا للكاتب صمويل ريتشاردسون، أو الأحدث منها مثل "النمر الأبيض"، للكاتب أرافيند أديغا.

وإذا كنت تقضي 45 دقيقة في وسائل المواصلات في الذهاب ومثلها في الإياب، فيمكنك قراءة ستة ملايين و480 ألف كلمة في العام الواحد. ويعادل ذلك تماماً قراءة 60 نسخة من رواية "رحلات غوليفر". وذلك إذا قرأت لمدة خمسة أيام في الأسبوع، و48 أسبوعا في العام، وبمعدل 300 كلمة في الدقيقة.

في 60 دقيقة أو أكثر

أنت من الركاب المحظوظين إذا كنت تقضي كل ذلك الوقت في وسيلة مواصلات، إذ يتيح لك هذا وقتا يكفي للانغماس في قراءة أعمال أدبية أطول.

ويقول البروفيسور براور: "عندما تبدأ في رواية جديدة، ربما تحتاج لوقت قراءة طويل حتى تبني السياق الكامل لها، وتستطيع أن تفسر، وتثمن المقوّمات المنفصلة للقصة. فأثناء التنقلات القصيرة، لا يكفي الوقت لبناء السياق بشكل كامل".

إن التعمق في قراءة رواية طويلة، والتوقف عن قراءتها، أثناء الرحلات القصيرة "قد يدفع المسافر اليومي بين البيت والعمل إلى الشعور بخيبة أمل تصاحب اقتلاعه من القصة، وهو أسوأ مما اكتُسب من معرفة قليلة عن الأحداث المرسومة في الرواية"، كما يقول براور.

وفي رحلات من هذا النوع، تظهر لنا الكثير من الروايات الحائزة على جوائز مؤخرا - مثل رواية "الاستسلام" للكاتب بول بيتي، الحائزة على جائزة بوكر الأدبية لعام 2016، أو الرواية الحائزة على نفس الجائزة لعام 2015، "تأريخ مختصر لسبع عمليات قتل"، للكاتب مارلون جيمس.

وللبدء في قراءة أعمال من هذه الفئة الأدبية بدون رهبة، حاول الرجوع إلى قائمة معدّة بشكل جيد، مثل قائمة "أفضل مئة رواية في المكتبات" (وتأتي رواية "كبرياء وتحامل" في مقدمتها)، أو "أفضل مئة رواية" وفقا لدار مودرن لايبراري، أو قائمة أفضل مئة عمل من الأدب العالمي، وفقا لنادي الكتاب النرويجي.

فإذا كنت تقضي 60 دقيقة في وسائل المواصلات في الذهاب وأخرى في الإياب، فإنه يمكنك قراءة ثمانية ملايين و640 ألف كلمة في السنة. ويعادل ذلك تماما قراءة 80 نسخة من رواية "رحلات غوليفر".

وذلك بافتراض أنك ستقرأ لمدة 120 دقيقة يوميا، ولمدة خمسة أيام في الأسبوع، و48 أسبوعا في العام، وبمعدل 300 كلمة في الدقيقة.

الممارسة توصل إلى الكمال

إن التركيز على القراءة خلال التنقلات القصيرة يعني أن تتعلم تجاهل ما يثير الانتباه، مثل الناس من حولك، أو ارتفاع درجة الحرارة في عربة القطار، مع التركيز على المهمة الموجودة أمامك، حسبما يقول الدكتور تادي تومسون، الروائي البريطاني والاستشاري بالطب النفسي.

ويقول تومسون إن ذلك يساعد في أن تجعل هذه الممارسة أمرا معتادا. كما أن الالتزام والانتظام في القراءة من الأمور التي تساعد في تسهيل المسارات الدماغية المرتبطة بالقراءة، حسب قوله. لذا، عليك بمواصلة القراءة أثناء التنقل وسوف تجيدها رويدا رويدا.

ومن يدري، فمع قليل من الممارسة، ربما يصبح الوقت الذي تقضيه بين البيت والعمل أفضل الأوقات التي تتوق إليها في يومك.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق


التعليقات

الكاتب الأديب جمال بركات
مصر
احبائي
القراءة لكي تتم لابد ان تكون بالإنسان رغبة
ولابد ان يكون بين الإنسان والمعرفة الفة ومحبة
القراءة كانت اول امر الهي لرسول الله (ص ) من ربه
احبائي
دعوة محبة
ادعو سيادتكم الى حسن الحديث وآدابه....واحترام بعضنا البعض
ونشر ثقافة الحب والخير والجمال والتسامح والعطاء بيننا في الارض
جمال برركات....مركز ثقافة الالفية الثالثة2019-02-20