q

حبس مواطنو وسكان المملكة المتحدة ودول العالم أجمع انفاسهم بانتظار نتائج استفتاء الاسكوتلنديين على انفصال اسكوتلندا عن التاج البريطاني الذي نُصّبَ على اربعة اقاليم، اسكوتلندا وانكلترا وويلز وايرلندا الشمالية.

حيث انبرى جيل معاصر يحرّكه خيالٌ بالاسود والابيض عمره 300 سنة منذ غزو واحتلال اسكتلندا من قبل الملك إدوارد ملك إنجلترا عام 1276، وانضمامها الى المملكة عام 1707 حتى يومنا هذا. هذا الجيل يريد ان يثأر لأجداد أجداده الذين أخفقوا في ترسيخ اسكتلندا دولة مستقلة.

لكنه ثأرٌ مختلفٌ عن وسائل اجدادهم بجزّ الاعناق وعربدة الخيول ولمعان السيوفِ "لأنها لَمَعتْ كبارِقِ ثَغرِكِ المُتَبَسّمِ!" والانفصال بالقوة او الانضمام بالسياط، بل بالحكمة والديمقراطية والحوار واحترام اراء الناس جميعها.

جدل لم ينقطع بين الاسكتلنديين الرافضين والاسكتلنديين الموافقين على فصل الخمسة ملايين "اسكتلندي" عن خمسة وستين مليون مواطن بريطاني، مبررات شتى من الطرفين داخل الاقليم:

- نعم للانفصال لنشعر باستقلالنا.

- لا للانفصال كي لانكون دولة صغيرة في عالم التحالفات الكبيرة.

- نعم للانفصال كي نضمن خدمات ورعاية أكثر وثروة وطنية.

- لا للانفصال فنحن قلة لكننا جزء من شعب كبير نشاركه ضرائبه وثرواته.

- نعم للانفصال لسيادة كاملة واستقلال في القرار السياسي.

- لا للانفصال لأننا اصلا مُمَثلون بشكل جيد في البرلمان ولدينا قدر كبيرمن التحكم في شؤون الحكم اليومية داخل حدود اقليمنا.

منطق ضد منطق وتفاصيل اكثر غنية شاملة ممتع ومفيد الاستماع اليها وكأنك تطلع على محاضرات يومية ثرية من الحديث في التاريخ الى الهوية وفهم الدولة الى الاقتصاد الى التنميتين العمرانية والبشرية الى المستقبل.

وحين أشارت نتائج الاستفتاء النهائية إلى أن 55,3% من سكان اسكتلندا رفضوا الانفصال بينما صوت 44,7% لصالحه، هدأ نبض العالم. وبدأت رسائل الاقرار بالنتائج وتحية الجميع، وبدأ المنتصرون والحكومة المركزية بطمأنة الذين لم يفلحوا بالانفصال واحترام خيارهم واعلاء شانه، والتعهد بمنحهم استقلالا اقتصاديا نسبيا وامتيازات اخرى. وتبادل التحايا كل من (أليكس سالموند) الوزير الاول في اسكتلندا المحبط مع زعيم رفض الانفصال الاسكتلندي ايضا (ألاستيردارلنغ)، هدأ كل شيء وعادت الحياة الى حركة التجارة والاقتصاد والبورصات في العالم بسلام بمنتهى السلام.

حتى الآن هذا امر طبيعي ومتوقع، مع دول وشعوب منظمة بشكل مثير، ولكن، ماهي الاجراءات الاستباقية التي كان الطرفان يعدانها فيما لو حدث الانفصال؟. بالطبع ليس مؤتمرات للشتائم والتهم والتصفيات والتهديد والتحالفات الخارجية المشبوهة، بل كان شيئا مثيرا فعلا: لقد شكلوا لجانا مشتركة من الخبراء يمثلون الحكومتين حكومة الاقليم المحلية الحالية والحكومة البريطانية المركزية تبحث منذ زمن سَبَقَ الاستفتاء بكثير كل صغيرة وكبيرة وتنجز القوانين والبروتوكولات وضبط العلاقات بين بلدين مستقلين على صعيد العملة والديون والموقف الدولي والانضمام الى الاتحاد الاوربي والتجارة والتسليح وحركة الملاحة والاقمار الصناعية والتحالفات وضمان الامن والحدود والاصلاحات والمساعدات وجوازات السفر وشروط الاقامة والقوة النووية، لاسيما وان غلاسكو عاصمة اقليم اسكوتلندا تضم الرادع النووي البريطاني."

لاتكولي ولا أكولك! "بحثوا ورتبوا كل شيء بحيث لو حصل وفاز الموافقون في الاستفتاء سيجد المجتمع الدولي دولتين محترفتين جارتين منظّمتين مستعدتين لمواجهة اية تحديات داخلية وكونية. وفي حال لم يتم الانفصال توضع هذه الملفات الضخمة الشاملة الدقيقة المدققة على الرفوف.

* عبد الحميد الصائح، كاتب عراقي وعضو ملتقى النبأ للحوار

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق