q

النظافة قد تكون مادية ملموسة، وربما تكون اعتبارية أو نفسية أو تكوينية تتعلق بنظافة اللسان والقلب، أما النظافة المادية فهي تنحصر بالسلوك الفردي حيال الآخرين، وتبقى النظافة الشخصية أو نظافة الفرد المادية والنفسية هي الأساس الأول الذي تنبني عليه نظافة المجتمع، فلا يمكن لمجتمع أن يكون نظيفا في مدنه وساحاته وشوارعه وبناياته ومؤسساته وكل منشآته ما لم يكن أفراده نظيفين، خصوصا في السلوك الذي يكون مكملا للشخصية وملتحما مع النظافة النفسية الاعتبارية.

نحن نعيش في مدن مقدسة، وهناك مناسبات دينية سنوية مهمة تستقطب فيها هذه المدن مئات الآلاف من الزوار الكرام، وهؤلاء يحتاجون الى تنظيم الخدمات المقدمة لهم، ولابد من تأهيل البنية التحتية للمدن كي تستوعب هذه الأعداد المليونية وكي تكون الخدمة المقدمة تليق بالضيوف القادمين من مدن العراق كافة ومن أصقاع العالم المختلفة.

فضلا عن أننا مطالبون دائما، بأن تكون شخصيتنا وبيوتنا ومدننا نظيفة على الدوام، وهناك بيننا من يدعو الى النظافة ولا يلتزم بها، وهناك من يدّعي النظافة في القول، لكن عندما يتعلق الأمر بالأفعال فإن النظافة تغدو في خبر كان!، أي أن بعض الناس يدّعون النظافة في السلوك واللسان، بل وتدعو لها، لكن حين تلاحظ سلوكهم وحياتهم الخاصة والعامة، سترى أنهم بعيدون كل البعد عن النظافة، وستلاحظ أنهم يتعاملون مع هذا البند وفق حالة عدم الاهتمام واللامبالاة التامة، إذ لا تعنيه النظافة من بعيد أو قريب، ونحن هنا نعني النوعين من النظافة، وهما نظافة اليد، ونظافة اللسان.

نظافة اليد واللسان

وقد يعتقد بعضهم، أن نظافة الشخص تعود إليه، فهو المعني بها، وبالإمكان أن يكون نظيفا إذا أحب ذلك، ويمكنه أن لا يكون نظيفا، تُرى هل يصح مثل هذا الرأي، وهل تنطبق الحريات على هذا القول، أم أن الواجب على الفرد طالما أنه يعيش بي أناس آخرين، أن يكون نظيف اليد واللسان؟، بالطبع استنادا الى التعاليم الدينية والأعراف وحتى الأخلاق البشرية، فإن الإنسان ليس حرا في هذا المجال، أي أنه لا يجوز أن يكون وسخ المظهر وهو يعيش بين الآخرين لأن هذا المظهر يصيب الناس بالإزعاج ويلحق بهم الضرر، مثلما يلحق اللسان السيّئ بهم الضرر أيضا، فالإنسان ليس مخيّرا في هذا الجانب، أي أنه يجب أن يكون حسن المظهر ونظيف القلب واللسان.

والطامة الكبرى تحدث عندما نلاحظ فارقا في نفس الشخصية، بين النظافة الشخصية والخارجية، فهناك من يهتم بنظافته الشخصية ويهمل النظافة خارج الذات، أي أن الإنسان يحاول أن يحافظ على جسده وملبسه ومأكله ومشربه ومسكنه، لكننا نجد أن هذا الشخص الذي يحافظ على نظافته الذاتية، يتعامل مع النظافة العامة بطريقة مختلفة تماما، وهي طريقة الإهمال واللامبالاة حيال النظافة الخارجية، كأن مدينته لا تعنيه، وشوارعها وحدائقها وساحاتها لا تعنيه وقد يصل الأمر ببعض الناس حتى باب بيته لا يقوم بتنظيفه!.

ولدينا شواهد عديدة يرتكبها مواطنون بعضهم تلاحظ أن مظهره جيدا وملابسه جيدة وأحيانا قد يكون راكبا هو وعائلته في سيارة حديثة فارهة، ولكن كل هذه الدلائل الشخصية على النظيفة ربما لا تثبت نظافة الرجل ولا العائلة، وهذا أمر محيّر بالفعل، فمن المشاهد اليومية التي نراها تحدث يوميا في قارعة الطريق، أن الشخص الفلاني ومعه زوجته وأطفاله يركبون سيارتهم ذات الطراز الحديث، وهم يضحكون ويشربون العصير وقناني الماء وما شابه، وما أن ينتهوا من تناولهم العصير حتى تبدأ الأطفال برمي القناني الفارغة من نوافذ السيارة الى الشارع العام، دون أن يثير هذا المنظر المتخلف حفيظة الأب او الأم بل الأسوأ من هذا أن الأبوين قد يكونا أول من يقذف بالقناني الفارغة الى الشارع أمام أنظار الأولاد، تُرى ماذا سيفعل الطفل وهو يفتح عينه على أبوين من هذا النوع ؟! ثم كيف يمكن لنا صناعة شخصية نظيفة السلوك والاعتبار في عائلات من هذا النوع؟.

النقص المقزز

مثل هذه السلوكيات تعبر عن ثقافة مجتمع، ولهذا نلاحظ أن المدن العراقية تعج بالفوضى وعدم التنظيم وفي أماكن معينة تغص بالأوساخ، هذا هو واقع الحال المرئي، لماذا نخجل من صور وشواهد وحقائق موجودة بالفعل وهي من صنع أيدينا؟، فعلى ماذا تدل هذه الأدلة والشواهد؟، إن أول ما تدل عليه هو عدم اعتبار النظافة شيء مهم بالنسبة للفرد والمجتمع والدوائر الخدمية الرسمية المعنية، أي أن الجميع يشترك في صنع هذه (المهزلة أو النقص المقزز)، أما بقصد مسبق أو بمنهج سلوك خاطئ، أو بسبب اللامبالاة التي تسيطر على عقول وسلوكيات الفرد والمجتمع، لهذا فإن الأب والأم عندما يقذفان القناني الفارغة للعصائر من نافذة السيارة وهي تسير في الشارع العام، لا يشعران بأنهما قد ارتكبا أي خطأ، لكن هذا السلوك الخاطئ ينتقل لا إراديا الى الأبناء، لذلك تسهم مثل هذه الأفعال التي قد تبدو لمن يقوم بها بسيطة وعادية وغير مقصودة، لكنها من جانب آخر تؤسس للفعل الخاطئ وتديم اللامبالاة الى أمد لا يعلمه إلا الله، مع أن ديننا يحث على النظافة (النظافة من الإيمان)، وأعرفنا تدعو الى أن يكون الفرد والمجتمع نظيفا.

وربما يقول قائل أننا قد نلاحظ مثل هذه الأفعال في مجتمعات متقدمة، نعم ربما نرى حالة نادرة من هذا القبيل، أما السلوك العام والاعتبار العام للمجتمع فهو نظيف، لأن المواطن في تلك المجتمعات يؤمن بالنظافة كسلوك، ومع هذا الإيمان الجماعي للمجتمع المتقدم بالنظافة، هناك تشريعات قانونية قوية تردع من يزدري بالنظافة ردعا فوريا، عن طريق التغريم المالي الفوري، أو حتى الحجز، وهذا الإجراء القانوني لحفظ النظافة العامة وتكريسها، نجده في أكثر المجتمعات تقدما، فيما نلاحظ انه غائب تماما في المجتمعات المتخلفة، الأمر الذي ينبغي أن تعيد فيه الجهات الحكومية المختصة العمل بهذه القوانين حتى نحافظ على مدننا نظيفة جميلة وراقية، مثلما ينبغي أن تكون أجسادنا وعقونا ومظاهرنا نظيفة بالتمام والكمال.

اضف تعليق