q

الشرق الاوسط الذي يعيش على وقع التغيرات السريعة لم يعد كما في السنوات الاخيرة السابقة، فالثنائية السعودية _ الايرانية، تحولت وبفضل الاندفاعلية الترامبية تحول الى الثنائية الايرانية _ الامريكية، وهو تطور يصب في صالح ايران مقابل تراجع امريكي واضح، وتجري اليوم حرب شد اعصاب واختبار لقوة الاخر بين الطرفين، فبين اختبارات صاروخية ايرانية وعقوبات امريكية سريعة جدا، يطفو الصراع وتتضح معالمه بشكل اكبر.

عند انتخاب الرئيس الامريكي دونالد ترامب قال الرئيس الايراني حسن روحاني ان الاخير (ترامب) يحتاج الى بعض الوقت لكي يفهم السياسة، وهو كلام يعبر عن الفهم الايراني لهذا الرئيس، ومن ثم كان السلوك السياسي والعسكري الايراني بمستوى عالٍ من الدهاء والحنكة ليخرج منتصرا في اولى بالونات الاختبار بين الطرفين، فبعد العقوبات "عديمة الجدوى"، ضد التجربة الصاروخية الاولى في عام 2017 تعود ايران لتفعل اخطر من ذلك وهو ما عكسته الاحداث الاتية:

1- قيام مجموعة زوارق ايرانية بإجبار سفينة امريكية الى تغيير مسارها, في تحد واضح للقوة الامريكية في مياه الخليج، فيما كان رد وزارة الدفاع الامريكية بسيطا معتبرة ما حدث بانه سلوك "غير مهني". اما البيت الابيض فقد اكتفى بالتأكيد مرة اخرى على عدم التسامح مع "الاستفزازات" الايرانية.

2- اعلان قائد القوة الجو فضائية للحرس الثوري الإيراني، العميد أمير عالي حاجي زادة، أن الجيش الإيراني نفذ عملية ناجحة لاختبار صاروخ باليستي من طراز هرمز 2. وهي التجربة البالستية الثانية منذ بداية عام 2017 واستلام ترامب مفاتيح البيت الابيض.

3- أزاحة الرئيس الإيراني حسن روحاني شخصيا الستار عن المنظومة الصاروخية بعيدة المدى "باور 373"، وهي تمثل النسخة الإيرانية لصواريخ "اس 300" الروسية . فضلا عن اجراء تجارب بالذخيرة الحية لمنظومة "اس 300" نفسها فيما وصف معهد واشنطن حصول إيران على هذه الصواريخ بأنها (ايران) اصبحت مجهزة الآن "بنظام يحتمل أن يكون هائلا، وباستطاعته تهديد حتى الطائرة الصعبة الملاحظة من الجيل الخامس إذا استخدم على النحو الملائم".

الرد الامريكي على حادثة الزوارق او اختبار الصاروخ البالستي لم يرتقي الى مستوى عداء ترامب وتحامله على طهران اذ كان متوقعا ان يقوم بعمل قاسٍ استنادا الى مواقفه المتشددة من عملياتها السابقة، حيث دعا الى رد عنيف ضدها حينما قامت البحرية الايرانية باعتقال بحارة من قوات المارينز اثناء حكم الرئيس السابق باراك اوباما، وعلى وفق هذا المنطق يفترض انه (ترامب) سوف يرد على هذه (الاستفزازات الايرانية).وهو ما لا يمكن ان يحدث في افضل الاحوال، بسبب الانشغال الامريكي بمشكلاته الداخلية والتحديات الخارجية الاكبر المتمثلة بالتهديد الصيني.

امريكا التي اعتادت ان تعامل دول الشرق الاوسط وفق منطق السيد والعبد، لم يعد بإمكانها ان تتعامل بنفس الطريقة مع طهران والتي امتد نفوذها الى اغلب دول المنطقة، عن طريق اتباعها سياسة هادئة تقوم على ترتيب اوراق المنطقة بشكل مشابه لـ"حياكة السجاد الايراني عالية الجودة". ومن بين ثنايا التهديد الامريكي نجد حلفائها الخليجيين يعقدون اللقاءات والتسويات، فبعد المبادرة الخليجية والزيارات المتبادلة بين الكويت وعمان من جهة والرئيس الايراني من جهة اخرى، تطفو على السطح احداث اخرى تؤكد تطور التعامل الدولي والاقليمي مع ايران باعتبارها لاعبا لا يمكن تجاهله بكل الاحوال وكان ابرز هذه الاحداث زيارة وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف الى قطر وعقده لقاءً مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.

ايران التي راهنت بعض القوى على تحويلها الى كوريا شمالية ثانية معزولة ويقتل الجوع والفقر سكانها، وذلك عن طريق سياسة العقوبات الاقتصادية؛ ها هي اليوم تؤكد ان سياستها على المستوى الخارجي لا تختلف كثيرا عن صناعة السجاد الكاشاني الذي يصعب تفريق خيوطه عن بعضها. انها سياسة تقوم على القراءة العميقة لما يجري في المنطقة والعالم، وفي هذا السياق يقول وزير الخارجية الامريكية الاسبق هنري كيسنجر في كتابه الجديد (النظام العالمي" ان ايران دأبت على مزاوجة تحدياتها للحداثة مع تراث فن حكم الفي استثنائي الدهاء.

حلف الناتو العربي الذي يدور الحديث عن تشكيله في الشرق الاوسط جاء متأخرا، وهو غير متماسك اصلا، فالواقع الذي فرضته طهران خلال سنوات عدة لم يعد من السهل تهديمه، يضاف الى هذا ان اندفاع الدول العربية في احضان الحليف الاسرائيلي سوف يزيد من شعبية طهران لدى الشعوب العربية التي ترى في امريكا واسرائيل سبب الخراب الذي تعانيه الشعوب العربية منذ عشرات السنين، ومن ثم فان ذلك سوف يضيف وقودا جديدا لقطار القوة الايرانية الصاعدة في الشرق الاوسط.

اضف تعليق